فضيحة السحوبات الكويتية: هكذا اخترقت عصابة وزارة التجارة

27 مارس 2025
كانت السحوبات جزءاً من احتفالات العيد الوطني (ياسر الزيات/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بدأت الفضيحة عندما كشف نواف النصّار عن تلاعب في سحب تلفزيوني، حيث أظهر فيديو موظفاً يخرج كوبوناً "فائزاً" من ثوبه، مما أثار تفاعلاً واسعاً وتكريماً للنصّار. كشفت التحقيقات عن فوز متكرر لمقيمة مصرية بإشراف نفس الموظف، مما أثار الشكوك.

- استجابت وزارة التجارة بإيقاف السحوبات وتشكيل لجنة تحقيق، وأحالت القضية للنيابة. تم القبض على المقيمة وزوجها، واستقال وكيل الوزارة زياد الناجم، مشيراً إلى تراكمات سابقة.

- كشفت التحقيقات عن شبكة احتيال تضم 40 شخصاً، بينهم وسيط كاريبي. أقر رئيس قسم السحوبات بتورطه، بينما فرّ الوسيط. القضية مستمرة مع توقعات بكشف تفاصيل جديدة.

فجّرت حادثة التلاعب في أحد السحوبات التجارية بالكويت قضية فساد متشعبة، كشفت عن شبكة احتيال تعمل منذ سنوات داخل منظومة السحوبات التجارية التي تُجريها قطاعات مختلفة في البلاد. وعلى الرغم من الرقابة المشددة التي تفرضها وزارة التجارة على هذه السحوبات، تمكّنت العصابة من اختراق المنظومة من الداخل، وجنت من خلالها أموالاً طائلة على مدى سنوات.
بدأت فصول القضية بعدما نشر الشاب الكويتي نواف النصّار مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، رصد فيه تلاعباً مباشراً أثناء سحب تلفزيوني بُث على الهواء عبر شاشة تلفزيون الكويت الرسمي. ظهر في الفيديو موظف مراقب من وزارة التجارة يخرج ورقة من طرف ثوبه، بدلاً من سحب الكوبون من داخل الصندوق كما تقتضي الإجراءات. سرعان ما أثار المقطع تفاعلاً واسعاً بين الكويتيين، ليتحوّل إلى قضية رأي عام، وتتوالى بعدها الخيوط المتكشّفة.


النصّار، الذي نال تكريماً رسمياً من وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف الصباح، روى أن ما لفت انتباهه كان سلوك الموظف المشبوه خلال إعادة عرض السحب الثامن من مهرجان "يا هلا" للتسوّق، وهو المهرجان الأكبر في الكويت، والذي انطلق أواخر يناير/كانون الثاني الماضي بالتزامن مع احتفالات البلاد بالعيد الوطني. وقال النصّار إنه شارك بمبالغ كبيرة في السحب، لذا راقبه عن كثب، ولاحظ أن الموظف تجنّب النظر إلى الكاميرا وأبقى يده على طرف ثوبه الأيسر طوال الوقت. بعد تكبير الفيديو وإبطائه، تبيّن أنه أدخل يده إلى الصندوق ونفض مجموعة كوبونات، ثم أخرج الكوبون "الفائز" من داخل ثوبه. قام النصّار بتوثيق المشهد ونشره، كما تقدّم بشكوى رسمية إلى منظّمي المهرجان.
من هنا، بدأت تتكشّف خيوط الفضيحة. الاسم الفائز في السحب كان لمقيمة مصرية، تبيّن أنها فازت في أكثر من سحب خلال العام الحالي فقط، بإشراف نفس الموظف – الذي يشغل منصب رئيس قسم السحوبات في وزارة التجارة – ما أثار الشكوك حول عمليات تلاعب ممنهجة نفّذها مستغلاً موقعه الوظيفي.
الفضيحة أطلقت أيضاً حملة نشر لأسماء عشرات الأشخاص الذين فازوا بجوائز تجارية متكررة في سحوبات أقامتها أنشطة تجارية مختلفة في الكويت، من بينها البنوك، وتحت إشراف موظفين حكوميين. وتنوّعت الجوائز بين مبالغ مالية وسيارات فارهة.
وزارة التجارة سارعت إلى وقف جميع السحوبات، وشكّلت لجنة لتقصي الحقائق برئاسة رئيس جمعية المحامين عدنان أبل. كما أحالت القضية برمّتها إلى النيابة العامة، وأوقفت الموظف المشتبه به. في الوقت نفسه، ألقت السلطات الأمنية القبض على المقيمة المصرية وزوجها أثناء محاولتهما الفرار من مطار الكويت الدولي، وقد كان الزوج قد تسلّم سيارات فازت بها زوجته بعد تحويلها باسمه.
بالتوازي، أعلن بنك الكويت المركزي وقف جميع سحوبات البنوك وتأجيلها حتى إشعار آخر، مطالباً بتقارير شاملة حول السحوبات السابقة لإعادة تقييمها وضمان الشفافية والحوكمة. الفضيحة دفعت وكيل وزارة التجارة زياد الناجم إلى تقديم استقالته، موضحاً أن التلاعب في السحوبات ليس حدثاً طارئاً بل نتيجة "تراكمات متزايدة على مر السنين"، بحسب ما صرّح به لصحيفة "الراي" الكويتية.

تكنولوجيا
التحديثات الحية

وزارة الداخلية من جهتها، رصدت تكرار فوز عدد من الأسماء في أوقات متقاربة، من بينهم شخص فاز عشر مرات بجوائز مالية. وتُجري حالياً عمليات ضبط موسعة لموظفين أشرفوا على السحوبات، وأشخاص يُشتبه بتعاونهم معهم.
أما التحقيقات التي أُجريت مع المتهمة المصرية وزوجها، فكشفت عن وجود وسطاء يعرضون على المشاركين ضمان الفوز مقابل مبالغ مالية. ووفق المعلومات المتسربة إلى الصحافة المحلية، بلغ عدد المتورطين ضمن دائرة الشبهات حتى الآن 40 شخصاً من مواطنين ومقيمين. وتوصّلت التحقيقات إلى تحديد "رأس العصابة"، وهو وسيط يحمل جنسية كاريبية من أصل عربي، عمل حلقة وصل بين العملاء المحتملين ورئيس قسم السحوبات في وزارة التجارة.
الأخير أقرّ أمام جهات التحقيق بتورطه في التلاعب، وتقاسمه الأموال مع الوسيط. وتشير المعلومات إلى أن "الجوائز" كانت تُباع للفائزين الوهميين مقابل مبالغ تراوحت بين 200 و600 دينار كويتي (650 إلى 2000 دولار تقريباً).
الوسيط الكاريبي فرّ من البلاد بعد تفجّر القضية، كما سبقه شريكه المصري بشهر تقريباً. وتبيّن أن الشبكة تضم جنسيات متعددة، من بينهم هنود وآسيويون ومصريون ومواطنون كويتيون.
القضية ما زالت قيد النظر أمام الجهات المختصة، فيما تبقى فصولها مفتوحة على احتمالات كثيرة، مع توقعات بكشف مزيد من التفاصيل خلال الأيام المقبلة.
تجدر الإشارة إلى أن وزارة التجارة كانت قد فرضت، منذ سنوات، رقابة على السحوبات التجارية لضمان الشفافية، عبر حضور موظف رسمي يراقب عملية السحب وينفذها بنفسه. إلا أن القضية الحالية كشفت خللاً عميقاً في هذا النظام الرقابي، يتطلب إعادة نظر شاملة.

دلالات
المساهمون