فريد خوجة: الموسيقى الأندلسية وآلة الرباب تراث لا بد من الحفاظ عليه

12 فبراير 2025
فريد خوجة: آلة الرباب إرث عائلي (من الفنان)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تأثير الموسيقى الأندلسية على فريد خوجة: نشأ في البُليدة الجزائرية وتأثر بتراث الموسيقى الأندلسية، مما ساهم في تشكيل هويته الفنية واعتزازه بهذا التراث الثقافي.

- الالتزام بالموسيقى الأندلسية وتطويرها: يحرص على أصالة الموسيقى الأندلسية مع إدخال آلات جديدة مثل الأكورديون، ويشجع على الإبداع بإنشاء نوبات جديدة دون المساس بالجوهر.

- إسهامات فريد خوجة المستقبلية: يعمل على ألبوم "ثمالات أندلسية" لدمج التراث الموريسكي والبُليدي، مع التركيز على قيم السلام والحب والتسامح بروح معاصرة.

تلقى فريد خوجة فنون الموسيقى الأندلسية على يد شيوخها وأقطابها الكبار. تنقّل بعدها بين جمعياتها المنتشرة في الجزائر، وقد ألزم أعضاؤها أنفسهم بمهمة وحيدة، الحفاظ على تراث يفاخرون بالانتساب إليه. في هذا الإطار، بذل عازف الرباب والمغني الجزائري خمسة ألبومات مساهمة منه في تلك المهمة النبيلة، وللتعرف إلى تجربته، التقته "العربي الجديد" في هذه المقابلة.

البداية من البُليدة تلك المدينة التي أسسها الأندلسيون في الجزائر. لو تحدثنا عن فترة إعداد أهلتك لتتغنى بهذا التراث الفني.

أنا خريج مدارس الطرب الأندلسي والأنماط المجاورة لها. تتلمذت على يد أهم أسماء الطرب في مسقط رأسي، مدينة البُليدة. احتكاكي بمشايخ الطرب الأندلسي زادني ثراءً فنياً، كما أفخر وأعتز بانتمائي إلى هذا الموروث الثقافي الأندلسي العربي الذي يجعلنا ما نحن عليه في البليدة، الوريدة كما سماها الأندلسيون عند بلوغهم التل الأطلسي، المنطقة التي تحاكي بتضاريسها المتنوعة تضاريس ديار الأندلس. ترعرعت في عائلة تهوى الطرب الأندلسي، إذ كان عمي محمد خوجة، المدعو زيري، رئيساً لجمعية الودادية للموسيقى الأندلسية، وهي من أعرق الجمعيات الموسيقية في البُليدة.
كنت أرافق عمي وأنا صغير لحضور التمارين الموسيقية في الجمعية، وشاركت أعضاءها في هذا حتى عام 1975. انضممت بعدها إلى جمعية نجمة، ثم الودادية، لأحط الرحال في جمعية الأندلسية في مدينة الجزائر. وكان لي حظ التعرف إلى أساتذة الفن الأندلسي الكبار، أمثال محمد خزناجي وفريد وجدي ونور الدين سعودي (أول رئيس لدار الأوبرا الجزائرية) الذي رافقته في الأوركسترا الوطنية، لنشارك في كثير من الفعاليات العالمية، إلى جانب عمي مصطفى بو طريش، وتلك كانت بدايتي مؤدياً.

ما الذي يميز الموسيقى الأندلسية حتى جعلك تقتصر على غنائها؟

جرت العادة أن تقاس الموسيقى الأندلسية على الموسيقى الكلاسيكية الغربية، وهذا ليس صحيحاً. تنفرد الموسيقى الأندلسية بتعدد الأصوات الذي أعطى لهذا النمط الموسيقي بعده الحضاري والتاريخي والتقني، كون الموسيقى الأندلسية بمثابة النتاج لاحتكاك الثقافات عبر العصور، لتغذي بعضها بعضاً، وما زالت موسيقانا تستمد قوتها من ذلك.

المدرسة الموسيقية التي تنتمي إليها هي مدرسة الصنعة. ما الذي تمتاز به عن غيرها من مدارس الموسيقى الأندلسية؟

تعود مدرسة الصنعة إلى مناطق الجزائر الوسطى والغرب الجزائري. تمتاز هذه المدرسة بأن عزفها وغناءها أكثر التزاماً بالأصول. تستطيع أن تقول إنها أقرب إلى أن تكون مدرسة أكاديمية، وذلك لا يمنعها من اقتسام الطبوع (المقامات) والنصوص نفسها مع المدارس الأخرى، مثل المالوف في الشرق الجزئري، والغرناطي في مدينة تلمسان. ورغم اختلاف الإيقاعات في ما بينها، لكن جميعها ينتسب إلى الموسيقى الأندلسية الآتية من غرناطة وإشبيلية وقرطبة.

إلى جانب الغناء، أنت تعزف على آلة الرباب، وهي ألة بسيطة وغير قادرة ربما على عزف جملة لحنية كاملة، كما أن العزف عليها صعب، نظراً إلى أنها ذات وتر وحيد. ما سبب تفضيلك لها؟

آلة الرباب هي إرث عائلي؛ إذ كان عمي محمد خوجة عازفاً على هذه الألة، لكن اهتمامي بها يتخطى هذا الاعتبار، فالرباب رغم صعوبة العزف عليه إلا أنه جزء من تراث تليد لا بد من الحفاظ عليه. وأتصور أن هذه مسؤوليتي ومسؤولية الفنانين الجزائريين عموماً، خاصة أن الشباب اليوم للأسف عازفون عن التعلم عليها بسبب صعوبتها، ليتجهوا إلى آلات أخرى أكثر سهولة في العزف، مثل العود والبيانو والكمان. وأخالفك الرأي، فعازف الرباب يمكن له تصدير نوتات وجمل لحنية كاملة جذابة.

الموسيقى الأندلسية جاءت نتاجاً لتلاقي عدة ألوان موسيقية، مثل القوطية والأمازيغية والمتوسطية والعربية. هل ترى أن فنانينها اليوم لديهم نفس روح الانفتاح؟

بالفعل الموسيقى الأندلسية هي نتاج تلاقي عدة ألوان موسيقية، لكن أساتذتنا منذ البداية منعونا من إدخال أي تغيير بالنوبة الأندلسية، حفاظاً على أصالتها، ما يتنافى بعض الشيء مع روح الانفتاح التي جعلتها على ما هي عليه الآن.

أدخلت الأكورديون في مقطوعة موسيقية لك، لتواجه بنقد وهجوم بسبب تلك الخطوة. لماذا الأكورديون؟ وما المعايير التي ترى أنها يجب أن تضبط إدخال أي ألة جديدة إلى الموسيقى الأندلسية؟

إدخالي للأكورديون لم يكن على نمط النوبة، بل على الأنماط الأخرى، مثل العروبي، ليعطيه نكهة جديدة لاقت ترحيباً لدى الجمهور، وإن انتقده بعض المتخصصين. مع ذلك، فإشراك آلة جديدة مع الجوقة ليس أمراً مستحدثاً، فإلى جانب الكويتره (العود الجزائري) والتار والرباب (الجوقة الأندلسية الكلاسيكية)، أُدخلت آلات أخرى منذ زمن بعيد.

قدمت خمسة ألبومات، فما الجديد أو التطور الذي وهبته من خلالها للموسيقى الأندلسية؟ أم أنك ترى الحفاظ عليها يكون بالتزام أصولها وأدبياتها لا بتطويرها؟

أؤمن بأهمية الحفاظ على الموسيقى الأندلسية كما نقدمها حالياً. وإذا أردنا التطوير أو التجديد فذلك لا يكون على حساب أصالتها، من أراد الإبداع فليبدع نوبات جديدة، كما فعل الراحل نور الدين سعودي، حينما نظم نوبة جديدة بأكملها، سماها نوبة جزائرية، في طبع غريب بعض الشيء بالنسبة للموسيقى الأندلسية، يسمى السيحلي.

ما الذي تتطلع إليه خلال الفترة المقبلة؟

انتهيت من تسجيل ألبوم جديد يحمل عنوان "ثمالات أندلسية"، يضم مقتطفات من نوبة الزيدان، تجمع أغاني تعود إلى المدارس الثلاث الصنعة والمالوف والغرناطي، إلى جانب أغنيتين، الأولى مستلهمة من التراث الموريسكي في القرن الخامس عشر، وتتبع نمط الزجل الذي كتب ولُحن في إسبانيا والجزائر غداة رحيل العائلات الموريسكية عن الأندلس. أما الثانية فمستوحاة من التراث الغنائي البُليدي، وإن أدخلت عليها بعض التعديلات حتى تكون أقرب إلى الروح الموريسكية، والأغنية عبارة عن نشيد للسلام والحب والتسامح يحكي عن عائشة الأندلسية والفارس المسيحي.

المساهمون