استمع إلى الملخص
- يبرز المعرض شخصيات نسائية بارزة مثل الأميرة ماري بونابرت وميلاني كلاين، ويعكس التأثير المتبادل بين فرويد والنساء في نشر وتطوير أفكاره، مع طرح تساؤلات حول دور التحليل النفسي في تحرير المرأة.
- يتميز المعرض بدمج التحليل النفسي والفن، مع عرض أعمال لفنانات معاصرات وندوات تناقش إرث فرويد وعلاقته بالمرأة، مما يفتح المجال للتفكير في مكانته في الفكر النسوي.
"النساء وفرويد: مريضات ورائدات وفنانات" هو عنوان المعرض الذي يستضيفه متحف فرويد في لندن حتى الخامس من مايو/ أيار المقبل. يُعيد المعرض سرد العلاقة المعقدة بين سيغموند فرويد والنساء اللواتي أثرن في مسيرته، وساهمن في تشكيل علم التحليل النفسي كما نعرفه اليوم. يجمع هذا المعرض بين الوثائق التاريخية والصور والمراسلات والمخطوطات، إلى جانب الأعمال الفنية الحديثة، في محاولة لسبر أغوار التأثير المتبادل بين فرويد والنساء اللواتي التقى بهن، سواء كمريضات أو زميلات ومفكرات أو حتى فنانات استلهمن أفكاره.
لفترة طويلة، ارتبط اسم فرويد بمفاهيم إشكالية في مجال علم النفس، مثل الهستيريا التي كان يُنظر إليها على أنها اضطراب نفسي خاص بالنساء. وغالباً ما ارتبط ذكر النساء في التحليل النفسي بأدوارهن كمريضات خضعن للعلاج والدراسة اللذين مارسهما مؤسس علم التحليل النفسي. لكن المعرض يأتي ليُعيد رسم هذه الصورة، ويؤكد أن النساء لم يكنّ مجرد موضوعات لدراسة فرويد، بل كنّ أيضاً مشاركات فاعلات في تطوير التحليل النفسي.
يُسلّط المعرض الضوء على شخصيات نسائية بارزة، مثل الأميرة ماري بونابرت، التي لم تكن مجرد مريضة عند فرويد، بل أصبحت لاحقاً محللة نفسية، وساعدت فرويد شخصياً على الهروب من النازيين. يحتفي المعرض كذلك بالعالمة النفسية الرائدة ميلاني كلاين، التي ساهمت في تطوير مفاهيم جديدة عن الطفولة واللاوعي، وآنّا فرويد، ابنة سيغموند فرويد، التي أصبحت واحدة من أعمدة التحليل النفسي للأطفال.
يأخذنا المعرض في رحلة عبر قصص النساء اللواتي ساعدن فرويد في نشر أفكاره، مثل جوان ريفيير وأليكس ستراشي، اللتين لعبتا دوراً محورياً في ترجمة أعمال فرويد إلى الإنكليزية. ويُسلط الضوء على كاتبات ومفكرات تأثرن بنظرياته، مثل فرجينيا وولف، التي التقت بفرويد في لندن، وساهمت دار النشر الخاصة بها Hogarth Press في نشر أعماله باللغة الإنكليزية منذ 100 عام.
@freudmuseumlondon Freud & Women: Patients, Pioneers, Artists exhibition on at the Freud Museum London until 5 May 2025 Including artists such as Pula Rego, Tracey Emin, Sarah Lucas, Louise Bourgeois and more.. #fyp #hampstead #london #freud #psychoanalysis #artexhibiton #londonthingstodo #Loveyourboobs ♬ Confidence (sped up version) - Ocean Alley
ما يميز هذا المعرض هو دمجه بين التحليل النفسي والفن، إذ يضم أعمالاً لفنانات معاصرات يقدمن رؤيتهن حول أفكار فرويد وتأثيرها على النساء. من أبرز هذه الأعمال، منحوتات سارة لوكاس التي تُثير تساؤلات حول الجسد والهوية، ولوحات بولا ريغو التي تستكشف العلاقة بين الأم وابنتها من منظور نفسي.
وتعرض الفنانة ترايسي إيمين عملاً يحمل عبارة "أنا أهمس إلى ماضيّ، هل لديّ خيار آخر؟"، وهو سؤال يجسّد أحد المواضيع الجوهرية للتحليل النفسي، التي تناقش مدى تحكمنا في تشكيل حاضرنا، وإلى أي مدى نحن سجناء ماضينا؟ من الأعمال المهمة الأخرى تأتي منحوتة راشيل كنيبون المصنوعة من البورسلين، والتي تستلهم من المفاهيم الفرويدية حول اللاوعي والرغبة. هناك أيضاً لوحات كورنيليا باركر المستوحاة من اختبارات رورشاخ، التي تُستخدم في التحليل النفسي للكشف عن اللاوعي عبر تفسيرات الأشكال العشوائية.
يتجاوز المعرض مجرد الاحتفاء بالنساء في حياة فرويد، ليطرح تساؤلات نقدية عن علاقة التحليل النفسي بالمرأة، وهل منح النساء بالفعل صوتاً للتعبير عن أنفسهن، أم أعاد إنتاج صور نمطية حول ضعفهن العاطفي؟ وهل ساهم التحليل النفسي في تحرير المرأة، أم كان أداة أخرى للسيطرة عليها؟
يبدو أن الإجابة هنا تكمن في التفاعل بين فرويد والنساء اللواتي عاصرنه، واللاتي كانت لبعضهن آراء مخالفة لنظرياته. فبينما رأى فرويد أن الهوية الأنثوية تتمحور حول فكرة "حسد القضيب"، جاءت مفكرات، مثل جوليا كريستيفا وجوليت ميتشل، ليعدن قراءة أفكاره من منظور نسوي، ويظهرن أن التحليل النفسي يمكن أن يكون أداة نقدية لإعادة النظر في العلاقة بين الجنسين.
يقام المعرض داخل منزل فرويد في لندن الذي كان آخر محطة له قبل رحيله عام 1939. هذا المنزل، الذي حافظ على أثاثه الأصلي، يمنح الزوار فرصة نادرة لرؤية مكتب فرويد ومكتبته والأريكة الشهيرة التي جلس عليها العديد من مرضاه. وفي كل زاوية من زوايا المتحف، يجد الزائر نفسه محاطاً بآثار من الماضي النفسي لعالم أحدث ثورة في فهم العقل البشري.
لا يقتصر المعرض على الأعمال المعروضة فحسب، بل يمتد ليشمل سلسلة من الندوات والحوارات التي تجمع بين محللين نفسيين ومفكرين وأدباء، لمناقشة إرث فرويد وعلاقته بالمرأة في العصر الحديث. ففي نفس الغرف التي استضاف فيها فرويد جلساته العلاجية، ستدور نقاشات جديدة حول مستقبل التحليل النفسي وتأثيره المستمر على الفكر النسوي. يأتي هذا المعرض كفرصة لإعادة النظر في إرث فرويد من منظور مختلف. فهو لا يكتفي بسرد حكايات النساء اللواتي مررن في حياته، بل يمنحهن صوتاً جديداً، سواء عبر الوثائق التاريخية أو عبر الفن المعاصر الذي يردّ على أفكاره.
وبينما يستمر الجدل حول مكانة فرويد في الفكر النسوي، يظل هذا المعرض دعوة مفتوحة للتفكير والتساؤل: هل كان فرويد نصيراً للنساء، أم ساهم في تكريس صور نمطية حولهن؟ بغض النظر عن الإجابة، فإن هذا المعرض يُثبت لنا بلا شك أن النساء لم يكنّ مجرد شخصيات هامشية في تاريخ التحليل النفسي، بل كنّ في صلبه، كمريضات ومفكرات وفنانات ورائدات غيّرن مسار الفكر الإنساني.