فرقة "الكمنجاتي"... عزفٌ يتعدّى حدود الآلة

فرقة "الكمنجاتي"... عزفٌ يتعدّى حدود الآلة

09 سبتمبر 2021
أحيت الفرقة حفلات عدة محلياً ودولياً (الكمنجاتي/ فيسبوك)
+ الخط -

كلما صعدوا على المسرح، يلقون انسجاماً وتفاعلاً من الحضور، إن كان محلياً أم عالمياً؛ هم أعضاء "الكمنجاتي" و"أوركسترا رام الله". الفرقتان الموسيقيتان المحترفتان تتبعان لجمعية "الكمنجاتي" التي تأسست عام 2002، في العاصمة الفرنسية باريس، على يد الموسيقي الفلسطيني العالمي رمزي أبو رضوان.

على آخر مسرح في مهرجان "وين (أين) ع رام الله"، نهاية أغسطس/آب الماضي، شدت نساء "الكمنجاتي" ورجالها الكمان تحت ذقونهم، وضرب آخرون بخفة على الطبل، وآخر تمسك بمفاتيح القانون، فيما تمايلت صبايا الفرقة اللواتي رددن أغنيات فيروز على ألحان الموسيقار اللبناني فيلمون وهبة، التي قدمت "الكمنجاتي" موسيقاه باحترافية عالية. والجمهور وسط هذه الأجواء كان إما مُردداً الغناء، أو صامتاً، لتغدق عليه الفرقة من نعيم النوتة ما يحلو لأعضائها.

يقول قائد فرقة "الكمنجاتي" المايسترو إياد ستيتي، لـ "العربي الجديد"، إن أحد أسرار نجاح فرقة "الكمنجاتي" هي "احترافية العزف العالية"، إذ "لا يصبح الموسيقي عضواً من الفرقة إلا إذا كان عزفه بمواصفات عالمية احترافية، ولديه قدرة على ترجمة الموسيقى والتقاسيم، وليس لديه أي مشكلة في النوتة، ويتمتع بقدرة على عزف التكنيك العالي جداً بالآلة الموسيقية، وأن يكون قد تجاوز المستوى الثالث في التعلم الموسيقي". ويضيف "نسعى لإتاحة فرصة مشاركة بعض الناشئين أحياناً لتشجيعهم".
يُعزز أداء فرقة "الكمنجاتي" أيضاً شعور الجمهور بالرضا الموسيقي والقرب من اللحن والأداء الغنائي. ويقرأ إياد ستيتي وجوه الناس أثناء العروض، وكأنهم يقولون بردود فعلهم لأعضاء الكمنجاتي: "يا الله ما أجملكم، يا الله ما أقربكم منا".

يصمت الناس كثيراً عندما يحضرون عرضاً فنياً لـ "الكمنجاتي"، ليتلقوا كلام الآلة وصوت المغني الذي احترف البوح مُلحناً، ويخرج الجمهور عن صمته، عندما يخرج الأعضاء عن الأداء الموسيقي العادي في بعض المطارح، فيصفقون، أو ترتسم على الوجوه ابتسامة دافئة، فيما تتمايل الأكتف، وتعلو الأيادي الممسكة بالهواتف المحمولة للتصوير.

"نحتمي بجودة الموسيقى والأداء الذي نقدمه، عبر مواد موسيقية ترضي الذائقة العامة للجمهور بما بتناسب مع أهداف (الكمنجاتي)؛ موسيقى فيها روح ومعنى ورسالة، وفيها تنوع تشارك فيه الآلات الموسيقية كلها، فلا يكون العزف حكراً على آلة واحدة، وبالقوالب الموسيقية المتعددة التي نحاول عزفها كلها"، يوضح ستيتي لـ "العربي الجديد".

قدمت فرقة "الكمنجاتي" عشرات العروض الفنية المهمة في فلسطين وحول العالم، أهمها عرضاً فنياً في العاصمة الفرنسية مع "أوركسترا باريس"، إذ عزفت "سمفونية العرس الفلسطيني"، وأدّت على مسرح "موزارت" في العاصمة البلجيكية بروكسل. كما عزفت فرقة "أوركسترا رام الله" السمفونية التاسعة لبيتهوفن على عدد من المسارح الفلسطينية والعالمية، وأول عروضها لبيتهوفن كانت في القدس خلال صيف عام 2018.

يرى قائد فرقة "أوركسترا رام الله" المختصة بالعزف الغربي، المايسترو منتصر جبريني، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن دور "الكمنجاتي" يتعدى حدود الآلة على المسرح، بل يذهب لتعميق الثقافة الموسيقية أو "النشأة الموسيقية" للمحرومين من تعلمها، في المخيمات، والأرياف، والمناطق المهمشة، والبعيدة.

ويقول جبريني إن دور "الكمنجاتي" مهم جداً، "خاصة المتصل بالأفراد الذين يسكنون أماكن بعيدة لنشر ثقافة المحبة والموسيقى، ونجاحنا في هذا الدور يتضح في ردود فعل الناس، أثناء الأمسيات والفعاليات التي نقدمها، كما نحرص على تقديم صورة جيدة عن فلسطين خارجها، فكوننا شعب مُحتل، لا يعني أننا منغلقون على أنفسنا وعن الموسيقى، بل على العكس، فإن فلسطين لديها كفاءات فنية وموسيقية، وأصبحت كذلك بفعل الموسيقى التي هي لغة عالمية".

"يسعد الناس بعروض (الكمنجاتي)، وتغيّر موسيقاها أمزجة الناس نحو الأفضل، ومن خلال الموسيقى يستطيع الفنان الوصول لكل فئات المجتمع في كل أماكن الوطن والعالم، وأفضل الأمور في الحياة أن تُسعد الناس بالموسيقى، يُضيف جبريني.

تسعى "الكمنجاتي" إلى دور مختلف في تعليم الأفراد والأطفال الموسيقى، لذا وبعد جهد عشر سنوات أصدرت أخيراً كتباً موسيقية جديدة، وهي "روائع من العالم العربي والشرق" وتقع في خمسة أجزاء، و"منهاج آلة العود العربي" الذي يقع في أربعة أجزاء، وتعتبر منهجاً موسيقياً وتثبيتاً للتسجيلات والإصدارات الموسيقية، عبر تدوينات موسيقية لأهم فناني الوطن العربي مثل فيروز وأم كلثوم وفيلمون وهبة، وعكف على تدوينها الموسيقار الفلسطيني خالد صدوق. يوضح الموسيقي إياد ستيتي أن أهم البرامج والمشاريع التي عكفت على إنتاجها "الكمنجاتي" هي المنهاج الموسيقى عبر التدوين أخيراً، وهي جزء من نجاح الجمعية وسعيها لتثبيت المراجع الموسيقية الشرقية.

يُذكر أن الكمنجاتي حصدت جوائز عالمية نوعية، أبرزها "جائزة الأمير كلاوس" في هولندا عام 2006، و"جائزة غاندي الدولية للسلام" عام 2017، وأخرى محلية مثل حصول مؤسس الجمعية رمزي أبو رضوان على جائزة شخصية العام الثقافية في 2017.

وتضم جمعية "الكمنجاتي" فرقة شرقية محترفة "الكمنجاتي"، وأخرى احترافية غربية، وفرقة "أوركسترا رام الله"، وهي فرقة مختصة بالعزف الغربية، وست فرق ناشئة في مراكز التعليم، وفرق فنية تعليمية ناشئة في مراكز "الكمنجاتي"، في مختلف المحافظات الفلسطينية، وعددها سبعة.

المساهمون