"فتيات" بيلار بالوميرو: اختبارات بصرية

"فتيات" بيلار بالوميرو: اختبارات بصرية

27 نوفمبر 2020
المخرجة بيلار بالوميرو (إلى اليمين) والممثلة ناتاليا دي مولينا (كارلوس ألفاريز/ Getty)
+ الخط -

 

بدقّة وعمق وهدوء، تُصوِّر الإسبانية بيلار بالوميرو (1980) لحظاتٍ وانفعالاتٍ وتغييراتٍ تمرّ بها وتعيشها مراهقاتٍ، يتابعن دراستهنّ في مدرسة للراهبات. جديدها "الفتيات" (Las Niñas) يتابع بعض مشاعرهنّ وتبدّلاتهنّ، ارتكازاً على سيرة سيليا (أندريا فاندوس)، ابنة الأعوام الـ11، المُقيمة مع والدتها أديلا (ناتاليا دي مولينا)، العاملة بجهدٍ كبير لتأمين متطلّبات عيشٍ متواضع. عالم الفتيات مكشوفٌ عبر يوميات سيليا ووالدتها الشابّة، التي تُخفي أشياء عن وحيدتها، أبرزها غياب الأب، فأديلا تقول بموته باكراً (قبل ولادة الابنة بأشهرٍ قليلة) إثر إصابته بأزمةٍ صحية مُفاجئة، و"ثرثرة" فتياتٍ تقول إنّ ولادة الابنة حاصلةٌ خارج الزواج، وهذه مُصيبة، فالمناخ مُتشدّد دينياً، إلى حدّ كبيرٍ.

سلاسة السرد جزءٌ من رواية تفاصيل وفضاءات. لحظات عدّة تشي بتكرارٍ روتيني لحياة خالية من أي تجديد، رغم أنّ وصول تلميذة جديدة سيصنع فرقاً في حياة سيليا ورفيقاتها، وبعضهنّ مستعدٌّ للتغيير، وذاهبٌ إليه بحماسةٍ مبطّنة. بْريسا (زُوِي أرنَأو) مختلفة، تحمل من المدينة صخبها وارتباكاتها، لكنّها تحافظ على هدوءٍ في سلوكها، وتنجذب إلى سيليا، وتؤثِّر بها، ولو قليلاً.

رتابة اليوميّ في حياة الفتيات (العنوان الإنكليزي للفيلم: "فتيات المدرسة") ينعكس في متابعة مساراتهنّ بأسلوبٍ بصريّ يشي ببعض الرتابة. منزل ومدرسة ودروس وتمرينٌ على الغناء، ولقاءات في منزلٍ، ومغامرة الرقص في ملهى والتعرّف إلى صبيانٍ، وتشدّد الإدارة وقلق الأم والأسرار التي يُؤكّد السياق وجودها، مواربة. عناوين يوميات متشابهة، تتغيّر لاحقاً، مع حدثٍ يفرض على أديلا زيارة أهلٍ، يفصلها عنهم جفاء وابتعاد.

 

 

حالتان تختلف إحداهما عن الأخرى، رغم تكاملهما في تحقيق فيلمٍ، تمتلك نساء عديدات مناصب مهنيّة أساسية فيه، أبرزها التوليف (صوفي أسكودي) والتصوير (دانييلا كاغياس) والإنتاج (فاليري دِلْبيار). ملاحظة غير معنيّة بالقول إنّ "الفتيات" نسوي، بقدر ما تعكس حساسية سينمائية في التقاط مفاصل جوهرية في شعور وتصرّف وقول، كما في نبرة وسلوك وتحرّك. بُطء الإيقاع يُتيح تفكيكاً هادئاً للحالتين، إذْ يتأثّر عالم أديلا، الغائب كلّياً عن المشهد إلا في لحظاتٍ قليلة، بعالم سيليا، فالمراهِقة تكتشف ذاتاً وروحاً وجسداً وأحاسيس ورغبات، وتبغي إجابات عن أسئلة أساسية، لكنّها معلّقة في حياتها.

تصوير أمكنة مغلقة (منزل، ملهى، غرفة صفّ، صالة عرضٍ سينمائي)، بعتمتها وإضاءتها، يُلازمه غالباً تصوير لقطات مقرّبة، كأنّ نبض الحكاية يسري في حميميةٍ تريد ابتعاداً عن جماعة تحاصرها، فيُحصِّن التصوير، والتوليف لاحقاً، هذه الحميمية بلقطاتٍ، تبدو كأنّها تُلغي الأوسع، حمايةً لفردية فتياتٍ يكتشفن أنفسهنّ والعالم حولهنّ. أما الإجابات، فلن يُصرَّح عنها، باستثناء لحظاتٍ تتحايل على المُباشر لقولٍ مبطّن عبر صورة أو ملمحٍ أو نظرة عينين، أو مكانٍ يُعانِد مخفياً، ويكاد ينفي كلّ ثرثرة مُسيئة لوقائع.

"الفتيات" (2020، إسبانيا، 97 دقيقة)، نصّاً (سيناريو بيلار بالوميرو) واشتغالاتٍ، اختبار بصريّ لكشف عوالم مرتبكة بصمتٍ، ومتمرّدة بهدوء يكاد (الهدوء)، لشدّة حضوره فيهنّ، يُخفي كلّ تمرّد انفعاليّ. التصالح، كتقليص المسافات، أهمّ، وأقدر على تحديد إجابات لن يُعنى النصّ بها مباشرة.

المساهمون