غابرييل غارسيا ماركيز: مركزٌ يحتفي بـ"غابو" وإرثه

17 ابريل 2025
صمم المركز المهندس روخيليو سالمونا (صندوق الثقافة الاقتصادي)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أعلنت كولومبيا الحداد على غابرييل غارسيا ماركيز في 2014، الذي أثرى الثقافة الكولومبية وحصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1982.
- افتتح مركز غابرييل غارسيا ماركيز الثقافي في بوغوتا عام 2008، ويعتبر رمزاً للاتحاد الثقافي بين المكسيك وكولومبيا.
- يتميز المركز بتصميم معماري فريد ويستقبل أكثر من 30 ألف زائر شهرياً، ويعزز الهوية الثقافية المشتركة بين كولومبيا وأمريكا اللاتينية.

في 17 إبريل/نيسان 2014، أعلنت الدولة الكولومبية الحداد لمدة ثلاثة أيام على أحد أبنائها المفضلين: "غابو". بالنسبة للعالم أجمع، كان غابرييل خوسيه دي لا كونكورديا غارثيا ماركيث (غابرييل غارسيا ماركيز) الروائي والصحافي الأكثر شهرة في أميركا اللاتينية، والمبدع الذي وضع التقنية الأدبية المعروفة بالواقعية السحرية بين يدي القرّاء وسحرهم بها، وتحديداً من خلال روايته "مائة عام من العزلة". لكن بالنسبة لكولومبيا، كان "غابو" مصدر فخر لها؛ كان لكتاباته تأثير ملحوظ على الثقافة الكولومبية، إذ وفرت عدسة مكّنت الكولومبيين والعالم من فهم تاريخ البلاد وسياساتها وواقعها الاجتماعي. وزاد بلاده فخراً عندما حاز جائزة نوبل في الأدب عام 1982، وهو الكاتب الكولومبي الوحيد الحاصل على هذه الجائزة حتى اليوم.

غابرييل غارسيا ماركيز (أولف أندرسن/ Getty)
توفي غابرييل غارسيا ماركيز في 17 إبريل 2014 (أولف أندرسن/ Getty)

إلا أن كولومبيا لم تنتظر حتى ممات ماركيز لتظهر حبها وتقديرها له؛ عام 2004 أنشأ صندوق الثقافة الاقتصادي، الذي يعد من أشهر دور النشر المكسيكية، مركزاً ثقافياً وسط مدينة العاصمة الكولومبية بوغوتا، ليكون مقراً رئيسياً لها في كولومبيا. عام 2008 افتتح مركز غابرييل غارسيا ماركيز الثقافي، بعد عام على وفاة المهندس روخيليو سالمونا الذي صمّم هذه الجوهرة المعمارية. وبحسب منسق الشؤون الإعلامية في مؤسسة صندوق الثقافة الاقتصادي في كولومبيا، خوان فيرناندو روخاس خاراميليو، فقد اختير اسم الكاتب لتمثيل هذا المركز أولاً "لأنه المؤلف الأكثر تمثيلاً لأميركا اللاتينية في عصره، والحائز جائزة نوبل في الأدب، وهو أعظم ممثل للسرد الكولومبي"، وثانياً لأنه "وعلى الرغم من أنه مولود في في أراكاتاكا في كولومبيا، فإنه يعتبر رمزاً للاتحاد الثقافي بين المكسيك وكولومبيا. عاش في كلا البلدين في أوقات مختلفة من حياته، وطوّر عاطفة خاصة تجاه المكسيك"، وفقاً لحديثه لـ"العربي الجديد".

وتكمن أهمية الموقع الجغرافي لمركز غابرييل غارسيا ماركيز الثقافي في توسّطه المركز التاريخي للعاصمة بوغوتا، المعروف بحي لا كانديلاريا. هذا الحي في الواقع يضم ثمانية أحياء تمتد على مساحة 1.83 كلم مربع. ويمثل حي لا كانديلاريا موقع التأسيس الرسمي لمدينة بوغوتا في السادس من أغسطس/آل عام 1538، في ما يعرف اليوم بـ"بلازا دي بوليفار". يخلق الموقع مركزاً ثقافياً، متصلاً بالعديد من المباني المجاورة بما في ذلك مكتبة لويس أنخيل أرانجو، ومتحف بنك الجمهورية، و29 كياناً جامعياً، و24 مؤسسة تعليمية، و7 مكتبات، ومجمعاً من المتاحف بدءاً من العصر الاستعماري وحتى العصر الحديث. ولعل اللافت في هذا المركز التاريخي هو أنك إذا ما بدأت بجولتك من مركز غابرييل غارسيا ماركيز الثقافي في الشارع رقم 11، ستنهيها في الشارع رقم 13 عند حديقة الصحافيين التي سمّيت أيضاً على اسم الكاتب الكولومبي الراحل.

مركز غابرييل غارسيا ماركيز في بوغوتا (صندوق الثقافة الاقتصادي)
(صندوق الثقافة الاقتصادي)

أما على الصعيد الهندسي، فقد أبدع روخيليو سالمونا في تسخيره الفراغ فوق العناصر المبنية، بأسلوب يحقق فيه التصميم المعماري تفاعلاً آسراً بين المستويات والأحجام المتقاطعة بدقة، مما ينتج ترتيباً مكانياً جذاباً. يضفي هذا التكوين ديناميكيةً وتنوعاً على المساحات، بحيث يساهم في تعزيز المساحات العامة، ومعالجة مشكلة الأرصفة المحدودة في الحي. يندمج المبنى بمهارة مع تدفقات المشاة، ويجذبهم ببراعة إلى الداخل، إذ يمتد على طول 80 متراً على الشارع رقم 11 في لا كانديلاريا فيُنشئ شبكة من المسارات، مُعيدًا تعريف شكل الطريق وموفراً مسارات متنوعة للاستكشاف.

ويحتوي المركز على تسع مساحات مختلفة حيث يمكن للزوار الاستمتاع بمختلف التعبيرات الثقافية، مثل قاعتين للمؤتمرات والندوات والعروض الفنية، وقاعة عرض يقدم فيها معرض فني مختلف كل شهر، وغرفتين تُستخدمان للدروس التربوية، ومكتبة المكسيك، وهي أكبر مكتبة في كولومبيا بمساحة 880 متراً مربعاً وأكثر من 130 ألف كتاب من جميع الأنواع متاحة للقراء مع مساحة كاملة مخصصة لأعمال غارسيا ماركيز، وممر ماكوندو (المدينة الخيالية التي تدور أحداث رواية مائة عام من العزلة فيها)، وساحة مدينة مكسيكو، وتراسين مع إطلالات على التلال الشرقية لمدينة بوغوتا، وغرفة القراءة "أليبريخي"، وهي مشروع صندوق الثقافة الاقتصادي لتشجيع القراءة، عبر تسخير مساحة تمكّن القراء الصغار من الوجود بين الكتب والاستمتاع بالأنشطة التي تهدف إلى متعة المطالعة.

مركز غابرييل غارسيا ماركيز في بوغوتا (صندوق الثقافة الاقتصادي)
(صندوق الثقافة الاقتصادي)

وأفاد خوان روخاس، لـ"العربي الجديد"، بأن متوسط عدد زائري المركز يصل إلى أكثر من 30 ألف زائر شهرياً، بمن في ذلك الطلاب والسياح والباحثون والعائلات والقراء من جميع الأعمار، مما يوضح التأثير الثقافي الذي يحدثه المركز على المدينة والبلاد.
وأضاف متحدثاً لـ"العربي الجديد" عن أهمية الدور الثقافي الذي يلعبه المركز: "يعد مركز غابرييل غارسيا ماركيز الثقافي بمثابة جسر بين كولومبيا وبقية أميركا اللاتينية، سواء من خلال ارتباطه بصندوق الثقافة الاقتصادي ــ دار نشر ذات روح أميركية لاتينية ــ أم من خلال مهمته في الاحتفال بأصوات الفنانين ونشر معرفتهم الثقافية وطرقهم في التعبير عن روح القارة اللاتينية. ومن خلال أنشطتنا، نعمل على تعزيز التفكير النقدي، والوصول الديمقراطي إلى المعرفة، والتقارب بين الثقافات المتنوعة. بالإضافة إلى ذلك، يشارك المركز في دوائر الترويج الثقافي الدولية، ويستضيف مؤلفين وفنانين من بلدان مختلفة، وينشر أعمالاً رئيسية للفكر اللاتيني الأميركي، ويساهم بشكل فعال في تعزيز الهوية المشتركة في المنطقة".

وفي الذكرى الـ11 لوفاة أحد أهم مؤلفي القرن العشرين في العالم، على صعيد اللغة الإسبانية، يقيم مركز غابريال غارسيا ماركيز الثقافي أنشطة مختلفة من بينها قراءات من أعماله، وميكروفون مفتوح حتى يتمكن جميع الزوار من الانضمام إلى القراءة والمشاركة معنا، بالإضافة إلى شاشة رقمية لنشر الوعي بهذا التاريخ المهم لجميع محبي الثقافة والقراءة، لأن "هدفنا هو الحفاظ على عمل غابو وإرثه حياً، وخاصة بين الأجيال الشابة"، أكد خوان روخاس.

المساهمون