استمع إلى الملخص
- الحلقة لم تحظَ بتغطية إعلامية واسعة رغم الدعم الإعلامي، مما أثار تساؤلات حول طبيعة عودته ودوافعها، خاصة مع الإعلان عن سلسلة حلقات خاصة له.
- مسيرة يوسف الإعلامية كانت جريئة في النقد السياسي، لكنه اضطر لمغادرة مصر بسبب الضغوط ليستقر في الولايات المتحدة، وعودته الأخيرة افتقرت للحدة والنقد السياسي.
بعد أكثر من عشر سنوات على مغادرته الشاشات المصرية، عاد الكوميدي باسم يوسف للظهور عبر قناة أون تي في، المملوكة لجهاز المخابرات العامة، في مقابلة أثارت الجدل بقدر ما أثارت الدهشة. فبينما توقّع كثيرون أن تكون عودته حدثاً استثنائياً يعيد أجواء السخرية السياسية التي ارتبطت بثورة يناير، مرّ اللقاء باهتاً خالياً من الحدّة التي طبعت شخصيته الإعلامية.
اللقاء الذي بُثّ مساء الثلاثاء، عبر برنامج "كلمة أخيرة" مع المذيع أحمد سالم، وجرى الترويج له عبر المنصات الرسمية للقناة قبل أيام، حمل عنوان "باسم يوسف بعد الغياب"، وتناول مسيرته السابقة في برنامج "البرنامج" وتجربته في المهجر، لكنّ الحوار خلا من أي طابع نقدي أو كوميدي، وهو ما اعتبره متابعون "عودة شكلية" جاءت في سياق محسوب ضمن المشهد الإعلامي الرسمي، أكثر منها عودة فعلية لصوت ساخر ومعارض.
ورغم الدعم الكبير الذي حظي به يوسف من طارق نور، رئيس مجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية التابعة للأجهزة السيادية المصرية، والحملات التسويقية الواسعة التي سبقت عرض الحلقة، كان لافتاً أنّ القناة لم تنشر أيّ مقاطع منها على المنصات التابعة للمجموعة أو المواقع الإعلامية المدعومة من الدولة، فيما تجاهلت الصحف الرسمية أي تغطية أو متابعة لردّات الأفعال. كانت "المتحدة للخدمات الإعلامية" أعلنت عن استضافة "أون تي في" لباسم يوسف، في سلسلة حلقات خاصة يستضيفه من خلالها أحمد سالم في برنامجه "كلمة أخيرة"، ووفقاً لبيانٍ نشرته المجموعة عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك"، فإنّ السلسلة هذه "تنطلق ابتداءً من 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، في ظهور مرتقب لباسم يوسف إلى جمهوره المصري والعربي بعد عشر سنوات قضاها في الولايات المتحدة"، وأضاف البيان نفسه أن هذه الخطوة "تأتي هذه لتؤكد التزام شبكة أون بتقديم محتوى نوعي يجمع بين الجرأة والمصداقية، ويمنح المشاهد فرصة فريدة لمتابعة رحلة واحد من أبرز الأصوات الإعلامية العربية، وأكثرها تأثيراً في العالم".
مسيرة باسم يوسف الإعلامية حافلة بالمغامرة والجرأة في النقد السياسي، إذ كان من أوائل من كسروا التابوهات الإعلامية عقب ثورة 25 يناير 2011، حين بدأ في إبريل/نيسان من العام نفسه تقديم برنامجه الشهير "البرنامج" عبر قناته على "يوتيوب". وبإمكانات بسيطة وموهبة لافتة في السخرية السياسية، استطاع تحقيق ملايين المشاهدات وتأسيس قاعدة جماهيرية ضخمة في مصر والعالم العربي. بعد أشهر من النجاح الرقمي، تبنّت شبكة أون التجربة غير المألوفة، وخصّصت له برنامجاً تلفزيونياً بالاسم نفسه، إذ عُرف بجرأته في نقد الرئيس الراحل محمد مرسي والأحزاب والمسؤولين، لكنّ التجربة لم تستمرّ طويلاً، ليعود عام 2014 عبر شاشة MBC مصر بالمشروع نفسه، قبل أن يتوقف بعد أربعة أشهر فقط، إثر دعابات طاولت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. أثارت آراؤه آنذاك غضب عدد من المسؤولين في نظام 30 يونيو، وتقدّم بعض المحامين بدعاوى قضائية ضده بتهمة "الإساءة للنظام المصري" ما دفعه إلى مغادرة البلاد في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 خوفاً من الاعتقال.
لجأ باسم يوسف أولاً إلى دبي، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة حيث يقيم بشكل دائم، بعدما اعتبرت المحاكم أن برامجه قد "تثير اضطرابات عامة". وفي لقاء سابق مع شبكة "سي أن أن"، روى يوسف تفاصيل مغادرته لمصر قائلاً: "كنت أكبر اسم في هذا البلد، وفجأة وجدت نفسي أهرب... جهزت حقيبتَين فقط، وغادرت من دون وداع حقيقي لعائلتي". منذ انتقاله إلى الخارج، خاض يوسف تجارب متعدّدة، منها تقديم عروض The Middle Beast الكوميدية التي عرضها في دول عدّة، وبرنامج Ask Bassem الذي ركّز على الصحة والتغذية، إلى جانب تأليفه كتاب "Revolution for Dummies" (الثورة للمبتدئين) عام 2017.
وخلال ظهوره الأخير على شاشة "أون تي في" سخر يوسف من الأحاديث المتداولة حول أجره قائلاً: "ليست 22 مليون جنيه... أنا بـ22 مليون دولار! ومستعد أن أقدّم حفلات زفاف وأعياد ميلاد أيضاً". في المقابل، تكتمت القناة على أجره الحقيقي مقابل الظهور، كما أوضح سبب عدم إعادة تقديم برنامجه في الولايات المتحدة، قائلاً إنّ "الكوميديا السياسية عمرها قصير لأنها تعتمد على أحداث آنية، والحديث عن بلد لا أعيش فيه لم يعد مناسباً".
ورغم الشعبية الجارفة التي تمتّع بها في السابق، رأى متابعون أنّ عودته الأخيرة كانت باهتة، إذ غابت عنها سخريته السياسية اللاذعة، فبدت شخصيته كمذيع تقليدي بلا جدل أو طاقة نقدية. وكتب أحد المتابعين عبر "فيسبوك": "مشاهدة باسم مضيعة للوقت، وهذا تمهيد لعودته ببرنامج جديد عبر القاهرة والناس"، بينما علّقت أخرى: "مللت من الحلقة بعد 15 دقيقة".
لم يُدرك كثيرون أن عودة باسم يوسف إلى الشاشة جاءت عبر اليد نفسها التي تُحكم قبضتها على المشهد الإعلامي وتضيّق الخناق على الحريات العامة. وعلّق الأكاديمي ثروت نافع، أستاذ القانون في جامعة تورنتو الكندية واللاجئ إلى كندا منذ أحداث 30 يونيو 2013، قائلاً إنّ "باسم تنازل عن مبادئه ليعود إلى مصر، بعد أن كان يردد بين الجاليات المصرية في كندا أنّه لن يعود لأنها تغيّرت"، مضيفاً أنّه "أنكر في المقابلة الأخيرة حديثه عن السياسة، رغم أنه سجّل حواراً مفتوحاً مع المصريين في كندا استغرق ساعتين وكان كله في السياسة".