عن اللعب في "حلبة" تطفو في الفضاء

عن اللعب في "حلبة" تطفو في الفضاء

17 ابريل 2021
عبد المنعم عماري وباسل خياط بطلا مسلسل "قيد مجهول" (تويتر)
+ الخط -

أغلب الانتقادات الموجهة للمسلسلات القصيرة، أو تلك التي تعتمد صيغة الحلقات القليلة، تتعلق بحيادها المفرط، كما في "المنصة"، أو خجلها في مساءلة مرجعياتها الواقعيّة كـ"قيد مجهول". ونقصد هنا أنَّ الفضاءات التي تتحرك ضمنها هذه المسلسلات متخيّلة ومثالية، ولا تلعب دوراً في دفع الأحداث، والأهم، لا تحاكي "الواقع"، تلك الكلمة الرنانة التي تستخدم لإخفاء الاتهام الحقيقي.

الممول هو من يتحكم بما يقال وما لا يقال، وبطبيعة الحكايات التي تظهر على الشاشة. هذا الطفو في الفضاء، يجعل مساحة اللعب أو الشاشة من دون مرجعيات مقنعة للمقارنة، كأسماء المدن مثلاً، أو أسماء "الأصدقاء" و"الأعداء". هذا التقسيم السياسي يظهر ضمن العمل بوضوح، ولا نقول هنا إن الجمهور غير معتاد على المتخيل، أو يرفض مشاهدة ما هو متخيل.

فـ"صراع العروش" يدور في فضاءات متخيلة، و"الكواسر" و"الجوارح" وغيرها أيضاً، لا توجد مرجعيات واقعية لها. إشكالية هذا اللامكان أنه عصي على التصديق، والعلاقات ضمنه تبدو هشة، خصوصاً أننا لا نتحدث عن دراما سوريّة. فالإنتاج متنوع والأماكن كلها "عربيّة" والممثلون عرب أيضاً، لكن هناك تصوراً مسبقاً عما يجب أن يقال وما لا يقال. مثلاً، في مسلسل "المنصة" الذي يبث على "نتفليكس"، لا نعلم من هم الأعداء بوضوح، الإرهابيون، المرتزقة، تنظيم "داعش"؟ أي فئة من هؤلاء هم من يجب كراهيتهم، خصوصاً أن الأصدقاء، أو "الأخيار" بالمعنى الساذج للكلمة، هم أكثر الناس إثارة للجدل.

"المنصة" تجمع معلومات وتشك بكل من يستخدم الـ"دارك ويب" (شبكة الإنترنت المظلمة)، المكان المرعب والمخيف الذي للمصادفة أغلب التقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة تظهر ضمنه، في ظل حكومات تهيمن وتسيطر على الاتصالات وتخفي المعترضين و"المشاغبين"، وكل من يحاول تشويه الصورة الناصعة للبلاد. الأهم، هذا الحياد أو البياض يتضح، لأننا نتعامل مع أفراد وعينات لا مع جموع. هناك القليل من أولئك الذين يتحركون في الخلفية ويمارسون حياتهم الطبيعية (ربما السبب جائحة فيروس كورونا، لكن الموسم الأول من المنصة يحوي الإشكاليّة نفسها).

سينما ودراما
التحديثات الحية

أغلب ما نراه يدور في فضاءات مغلقة، لا تحوي عمقًا في اللقطة. ليظهر ما نراه أقرب للتعميمات لا العينات ذات الخصوصية التي لا يمكن استبدالها، ناهيك عن وجود هويات عربية متداخلة، واتهامات مبطنة وتبييض صور وتقبيح أخرى. وبالتالي ما نقوله عن اللاواقعية، يرتبط بأننا نشاهد ما هو غير مسيس، لا وضوح سوى لهوية الممول وفضاءاته، ناهيك عن أن اللهجات تلعب دوراً لا يمكن تجاهله، تقسم المؤدين إلى كتل من الصعب تجاهل انتماءاتها.

هذا التقسيم يقودنا إلى "اللعب" ومعانيه السياسية، فالمختلفون سياسياً وعلنياً تجمعهم الشاشة والمشاهد المختلفة، وكل ما هو خارجها، أي في الحياة الواقعيّة، يتلاشى في هذه الحلبة التي تدّعي اللعب "النظيف". مساحات النظام والمعارضة في حالة الممثلين السوريين تتلاشى. من يتهمون بعضهم بعضا بتبيض صورة النظام أو الإساءة لها يجتمعون في هذه الفضاءات المعلقة في الهواء، حيث الترفيه والمتخيّل يدّعي أن لا علاقة له بما يحصل، فهذا ما يريده الجمهور أو الممول.

هنا لا نعلم ما هي الصورة التي تحاول هذه المُنتجات نقلها لنا. الفن بريء من السياسة؟ لنفترض ذلك، الفنانون براء منها أيضاً؟ ما الذي يمكن لنا أن نفهمه نحن المشاهدين حين يؤدي من يفدي قائد الوطن بروحه إلى جانب من يرى "قائد" الوطن سببًا في كل البلاء الذي يمر به هو شخصياً وشعبه بأكمله؟ ربما الأمر أبسط من كل هذه التعقيدات و"الفذلكات"، فإما هناك أشخاص يريدون العمل، ولا مجال أمامهم من أجل الحفاظ على مهنهم سوى الانخراط في هذا الشكل من اللعب، أو أن العروض الماليّة مغريّة، وشهوة الشهرة قادرة على تجاوز الخلافات السياسيّة. لكن كل هذا لا يبرر اتهام الجمهور بأنه لا يقدر المتخيل أو لا يفهمه أو غير قادر على تلمسه، لأنه لو كان الأمر كذلك، لكانت نشرات الأخبار هي الأكثر مشاهدة في كل بقاع العالم.

المساهمون