عندما تغلبُ "محاسِن موتاكم" النقدَ

عندما تغلبُ "محاسِن موتاكم" النقدَ

26 مايو 2021
سمير غانم وابنته دنيا: الكوميديّ غير المُقدَّس (عمرو مراغي/ فرانس برس)
+ الخط -

 

تُثير تعليقات فيسبوكية عدّة، إثر رحيل الكوميديّ المصري سمير غانم (1937 ـ 2021)، نقاشاً، رغم إدراكٍ مسبق بعدم تحقيق النقاش أيّ نتيجة. غالبية التعليقات لمصريين ومصريات، غير متردّدين في تجاوز كلّ الحدود بهدف رسم صورة تقديسية للممثل، وحمايتها ممّا يرونه اعتداءً عليه وعليها معاً. للممثل مئات الأعمال في السينما والمسرح والتلفزيون والإذاعة، تنضوي كلّها في إطار الكوميديا، ما يعني أنّها لن تكون كلّها ذات سوية فنية واحدة، لأنّ الوفرة غالبةٌ، والنوع المُقدَّم واحدٌ، لكنّ القيمة الفنية والجمالية والدرامية أقلّ حضوراً ووهجاً وتأثيراً.

التعليقات غير راغبةٍ في كلامٍ كهذا. هناك من يرى غياباً تاماً لأيّ "عمقٍ" في أعمال غانم، فينتفض بعض هؤلاء، موبّخين قائله بحدّة، ومتكلّمين معه بلسان الراحل، للقول إنّه مُوافق على هذا، ومقتنع به، وملتزم إياه في سيرته المهنية والحياتية، وفي هذا شيءٌ حقيقيّ، وإنْ يمتلك الراحل وجهاً واحداً، ويفتقد تجديداً فعلياً. هناك من يُهاجم "مثقّفين" لترفّعهم عن الكوميديا، كما يقول هؤلاء (والقول صحيحٌ إلى حدّ)، خصوصاً إنْ تكن الكوميديا منضوية في إطار "الفنّ للفنّ".

التحدّث بلسان راحل (يُفترض بهذا أنْ ينبثق من متابعة دقيقة لحوارات الممثل ومواقفه المُعلنة) يُشير إلى ثقافة بوليسية وحراسة أخلاقية لقيم وموروثات، وأحكامٍ جاهزة وثابتة. مفردة "مُثقّف" تُستخدم، عادة، بين مزدوجين، إمّا للسخرية وإمّا للاحتقار، مع تعميم خاطئ، إذْ ليس المثقّفون جميعاً متشابهين. هذان الاحتقار والسخرية يُسيئان أولاً إلى مُستخدمهما، وإنْ يكن بين المثقّفين من يدّعي علماً ومعرفة ووعياً وفهماً وحسّاً أخلاقياً وديمقراطياً حقيقيّاً. الاحتقار والسخرية، رغم استخدامٍ فيسبوكي لهما، يُسيئان دائماً إلى مُستخدمهما، مع أنّ السخرية عامةً تبقى أجمل وأهمّ، لأنّها جزءٌ من ثقافة وفنون وحياة.

في جوهر الاتّهام شيءٌ من صواب، إذْ يبدو مُدّعو ثقافةٍ وعلمٍ ومعرفة (ومثقفون أيضاً)، لبعضهم سلطة ثقافية وإعلامية، أنّهم أرفع شأناً من أنْ يوافقوا على ضحكٍ صافٍ، لجدّيةٍ يظنّها هذا البعض رديفاً ضرورياً لـ"المثقّف".

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

التقديس شأنٌ عربيّ معروف. برحيل نجومٍ وشخصياتٍ عامة، تتعرّض كلّ كتابةٍ تريد شيئاً من نقدٍ جدّي، إلى هدفٍ لاتّهاماتٍ شتّى، منها التعالي وعدم احترام الميت، مع استشهادٍ بتلك المقولة الملتبسة: "اذكروا محاسن موتاكم". لكنّ قائلين بها ينسون أنّ النقدَ غير مُسيء، وأنّ تبيان خللٍ أو طرح سجال لحظة الرحيل غير مُنتقِصَين من صاحبهما وأعماله، خصوصاً إنْ تكن هناك أعمالٌ ذات قِيَم مختلفة. هذا يترافق و"الأسْتَذة"، فهؤلاء بارعون في مخاطبة غير المتوافقين معهم ومع آرائهم بتعالٍ وعجرفةٍ، فهم ـ كما يرون أنفسهم ـ مالكو الحقيقة المطلقة، والعارفون بخفايا الأمور.

القول إنّ أعمال سمير غانم، السينمائية مثلاً، غير عميقة، لن يكون انتقاصاً من اشتغاله سنين مديدة في مجال الكوميديا، وإنْ يتبيّن من قولٍ كهذا نوعٌ من استهزاءٍ أو شتمٍ يقول بهما البعض. النقد يُدرك أهمية تلك الكوميديا، من دون التغاضي عن خللٍ فيها أو تبسيطٍ أو تكرار، فأناسٌ كثيرون يرغبون في الضحك لمجرّد الضحك، وسمير غانم بارعٌ في هذا من دون تجديدٍ أو إضافاتٍ. رفض كوميديا سمير غانم، لأنّها "فنّ للفنّ"، حقّ لقائلٍ بهذا، إنْ يتوافق القول مع واقع اشتغالات الممثل الراحل أو لا يتوافق.

التعليقات الفيسبوكية، المتعالية أو المتهكّمة أو التقديسية، تبقى تعليقات افتراضية، وإنْ يُحرِّض بعضها على كتابةٍ واقعية.

المساهمون