علماء يكشفون النقاب عن أول صورة لثقب أسود عملاق في مجرّة درب التبانة

علماء يكشفون النقاب عن أول صورة لثقب أسود عملاق في مجرّة درب التبانة

12 مايو 2022
الثقب الأسود في درب التبانة (إيفنت هوريزون تيليسكوب/ تويتر)
+ الخط -

كشف فريقٌ دوليٌّ من علماء الفلك اليوم الخميس عن أوّل صورةٍ لثقبٍ أسود هائلٍ في مركز مجرة درب التبانة، يحمل باسم "ساجيتاريوس إيه*" *Sagittarius A.

كان فريق من العلماء في مشروع "إيفنت هوريزون تيليسكوب" Event Horizon Telescope قد أنتج صورة الثقب التي تمثّل أوّل تأكيدٍ بصريّ مباشر لوجود هذا الكائن غير المرئي، وذلك بعد ثلاثة أعوام على ظهور أوّل صورة لثقبٍ أسود يقع في مجرّة بعيدة.

تعرَّف الثقوب السوداء بأنّها مناطق في الفضاء، تكون فيها قوّة الجاذبيّة كبيرةً جدّاً، إلى حدٍّ لا يمكن معه أيّ شيءٍ الهروب منها، بما في ذلك الضوء.

بالتالي، لا تظهر الصورة الثقب الأسود نفسه، لأنه مظلم تماماً، ولكنّها تظهر الغاز المتوهّج الذي يحيط به في حلقةٍ ساطعةٍ من الضوء.

وقال العالم في المشروع جيفري باور: "لقد حسّنت هذه الملاحظات غير المسبوقة بشكل كبير فهمنا لما يحدث في مركز مجرتنا". وأضاف في بيانٍ قدّمه المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية أن الملاحظات قدّمت "رؤى جديدة عن كيفية تفاعل هذه الثقوب السوداء العملاقة مع محيطها".

علوم وآثار
التحديثات الحية

تلسكوب افتراضي

افتُرض وجود هذا الثقب الأسود منذ عام 1974، وذلك بعد الكشف عن مصدر تردّدات غير عاديّة في مركز المجرة.

لاحقاً، في تسعينيات القرن الماضي، رسم علماء الفلك خرائط لمدارات ألمع النجوم المحيطة بمركز مجرة ​​درب التبانة، ما أكّد وجود جسم مضغوط فائق الكتلة هناك، وهو الأمر الذي أدى إلى حصول فريق الباحثين على جائزة نوبل في الفيزياء عام 2020.

على الرغم من أنّ الاعتقاد بوجود ثقبٍ أسود كان سائداً، بحكم أنّه التفسير الوحيد المعقول، فإنّ الصورة الجديدة وفّرت أوّل دليل بصريٍّ على ذلك. ولأنه يبعد عن الأرض مسافة تعادل 27000 سنة ضوئيّة، فإنه يظهر في السماء بذات حجم كعكة الدونات على سطح القمر.

يتطلب التقاط صورة لمثل هذا الجسم البعيد ربط ثمانية مراصد عملاقة عبر الكوكب لتشكيل تلسكوب افتراضي واحد "بحجم الأرض" يسمى "إيفنت هوريزون تيليسكوب" EHT.

عبر هذا التلسكوب الافتراضي جرت مراقبة الثقب الأسود لساعاتٍ متواصلةٍ على امتداد ليالٍ عدّة، وهي طريق مماثلة للتصوير الفوتوغرافي بالتعريض الضوئي، وهي العملية نفسها التي استُخدمت لإنتاج أوّل صورة لثقب أسود عام 2019، الذي يعرف باسم "إم87*" *M87.

وأشادت عالمة الفلك في جامعة أريزونا، فريال أوزيل، في مؤتمر صحافي في واشنطن بما أطلقت عليه "أوّل صورة مباشرة للعملاق الجميل في وسط مجرتنا" التي تظهر فيها حلقة متوهجة بالأحمر والأصفر والأبيض حول مركز أشدّ ظلمة وقتامة.

هدفٌ متحرّك

يحمل الثقبان الأسودان أوجه تشابه مذهلة، بالرغم من أن "ساجيتاريوس إيه*" أصغر بألفَي مرّة من "إم87*".

تصرّف كل من الثقبين الأسودين بالطريقة نفسها التي تنبّأت بها النظريّة النسبيّة لأينشتاين عام 1915، والتي تنصّ على أنّ قوّة الجاذبية تنتج من انحناء المكان والزمان، وتغيّر الأجسام الكونية هذه الهندسة.

على الرغم من حقيقة أن "ساجيتاريوس إيه*" أقرب إلينا كثيراً، فإن تصويره مثّل تحدّياً فريداً.

يتحرّك الغاز الموجود بالقرب من الثقبين الأسودين بالسرعة نفسها، وهي سرعةٌ تقارب سرعة الضوء. ولكن بينما استغرق الأمر أسابيع من الدوران حول "إم87*"، فإنّ إكمال الجولة حول "ساجيتاريوس إيه*" لم يستغرق سوى دقائق معدودة.

كان على الباحثين تطوير أدواتٍ جديدة معقّدة لحساب الأهداف المتحركة. لذا عمل أكثر من 300 باحث في 80 دولة على امتداد خمسة أعوام من أجل إنتاج هذه الصورة.

الآن، يتوق العلماء إلى مقارنة الثقوب السوداء لاختبار النظريّات حول كيفيّة تصرف الغازات حولهما، وهي ظاهرةٌ غير مفهومة بشكلٍ جيد بعد، ولكن يعتقد بأنّها تلعب دوراً في تكوين النجوم والمجرّات الجديدة.

يمكن سبرَ أغوار الثقوب السوداء أن يساعد الفيزيائيّين على تعميق فهمهم للجاذبيّة وتطوير نظريّاتٍ أكثر تقدّماً.

المساهمون