علماء يحلون لغزاً جديداً في تطور التيروصورات

علماء يحلون لغزاً جديداً في تطور التيروصورات

12 ديسمبر 2020
نسخة من تيروصور في "متحف علوم الأرض" في ريو دي جانيرو (فرانس برس)
+ الخط -

في 17 ديسمبر/ كانون الأول عام 1903 نجح الأميركيان الأخوان أورفيل وويلبر رايت في إجراء أول تجربة طيران ناجحة عن طريق آلة أثقل من الهواء. لكن تجارب الطيران الحقيقية على الأرض سبقت الأخوان رايت بملايين السنين، حين كانت الأرض تحت سطوة الديناصورات.

على مدار 150 مليون سنة كانت التيروصورات هي أول الزواحف التي تمكنت من تطوير قدرات ناجحة على الطيران قبل الطيور والخفافيش. ومع ذلك، فإن التفاصيل الأساسية لأصلها التطوري وكيف اكتسبت قدرتها على الطيران ظلت لغزاً يحاول علماء الحفريات الفقارية حله منذ 200 عام.

انقرضت التيروصورات من على الأرض قبل نحو 66 مليون سنة في الفترة نفسها التي يرجح أن الديناصورات انقرضت خلالها. ومن أجل معرفة المزيد عن تطورها وسد بعض الفجوات في السجل الأحفوري، كان من الضروري تحديد أقرب أقربائها، وهو ما نجح فيه فريق بحثي دولي من خلال دراستهم المنشورة في دورية "نيتشر"، يوم الأربعاء.

بالاستعانة بالجماجم والهياكل العظمية التي اكتشفها الفريق البحثي في أميركا الشمالية والبرازيل والأرجنتين ومدغشقر في السنوات الأخيرة، كشف الباحثون أن مجموعة من "أسلاف الديناصورات" والتي تسمى اللاجيربيتيدات lagerpetids، هي أقرب أقارب التيروصورات.

كانت اللاجيربيتيدات زواحف صغيرة عديمة الأجنحة عاشت خلال معظم العصر الترياسي (قبل ما يقرب من 200 مليون سنة). جمعت أول الحفريات التي تنتمي إلى اللاجيربيتيدات لأول مرة في تكساس في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين. لكن لم يتم التعرف عليها بشكل صحيح حتى عام 2009.

كانت هذه الحفريات عبارة عن جمجمة جزئية محفوظة جيداً، وقاعدة مخ. بعد العثور على المزيد من أنواع اللاجيربيتيدات في أميركا الجنوبية، تمكن علماء الحفريات الفقارية من تكوين صورة جيدة لما كانت عليه هذه المخلوقات.

وفي الخمسة عشر عاماً الماضية، اجتمعت خمس مجموعات بحثية من ست دول مختلفة وثلاث قارات لتصحيح بعض الأخطاء في التاريخ التطوري للتيروصورات، بعد اكتشاف العديد من الجماجم والأطراف الأمامية والفقرات من الولايات المتحدة والبرازيل والأرجنتين ومدغشقر.

قد لا يبدو لنا هذا أمراً مثيراً للاهتمام، لكن بالنسبة لمارتين دي إيزكورا، المؤلف الرئيسي للدراسة وعالم الحفريات في متحف "بيرناردينو ريفادافيا" للعلوم الطبيعية في الأرجنتين، كانت نتيجة الدراسة أمراً بالغ الروعة والإدهاش، إذ تخلق العلاقات التطورية التي اكتشفها وفريقه نموذجاً جديداً لفهم أصل التيروصورات، مما يوفر إطاراً جديداً تماماً لدراسة أصل هذه الحيوانات وقدراتها على الطيران.

"كان أصل التيروصورات من أكثر القضايا الغامضة في علم الحفريات منذ اكتشاف التيروصورات لأول مرة في أواخر القرن الثامن عشر. ظهرت التيروصورات في العصر الترياسي، وكانت أجسامها نموذجية للطيران، وبالتالي، هناك فجوة كبيرة للربط بين شكل أقدم التيروصورات المعروفة والزواحف الأخرى"، يقول إيزكورا في تصريح خاص لـ "العربي الجديد".

ويشرح المؤلف الرئيسي أن هذه الفجوة أعاقت الكشف عن مجموعة من الحيوانات التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتيروصورات التي من شأنها أن تسمح بتفسير التطور المبكر للتيروصورات.

في الدراسة الحالية، دمج الفريق معلومات تشريحية جديدة حول مجموعة من الزواحف الشبيهة بالديناصورات، تسمى اللاجيربيتيدات. تتشابه الأدمغة والآذان الداخلية في كل من التيروصورات واللاجيربيتيدات، مما يشير إلى أن بعض الخصائص في الأنظمة الحسية للتيروصورات قد تطورت أولاً قبل تطور قدرتها على الطيران.

تظهر نتائج الدراسة أن وضع اللاجيربيتيدات كسلف للتيروصورات يشير إلى أن الأخيرة لم تتطور أسرع من مجموعات الزواحف الرئيسية الأخرى في اكتساب مخطط جسمها غير المعتاد. للوصول للنتائج، استخدم الفريق معدات ومنهجيات مختلفة للحصول على معلومات تشريحية من العظام المكتشفة.

استعان الباحثون أولاً بالملاحظة التقليدية بالعين المجردة والمجاهر (الميكروسكوب) ثنائية العينين. لكن كان من الضروري أيضاً استخدام تقنيات أكثر تطوراً مثل التصوير المقطعي المحوسب، وهي تقنية لا تختلف كثيراً عن التصوير المقطعي الموجود في المستشفيات، لكنها تتمتع بدقة أعلى بكثير.

لإعادة بناء العلاقات التطورية بين التيروصورات والزواحف الأخرى، استخدم الباحثون طريقتين: الأولى هي "التصنيف التفرُّعيّ" من خلال تصنيف الكائنات في مجموعات بناء على السلف المشترك الأقرب، بالإضافة إلى إجراء تصنيف إحصائي قائم على السلالات.

يتابع إيزكورا: "قمنا بتحويل ملاحظاتنا التشريحية إلى مصفوفة مكونة من أرقام يمكن تحليلها بواسطة أجهزة الكمبيوتر باستخدام برامج محددة. واستخدمنا أيضاً طرقاً جديدة تسمح باستخدام نماذج ثلاثية الأبعاد مباشرة في هذه التحليلات، وقمنا بتضمين التشريح ثلاثي الأبعاد للأذن الداخلية لهذه الزواحف في التحليل".

دمج الباحثون كمية هائلة من المعلومات استغرق الحصول على نتائج منها أسبوعا تقريباً من العمل الحاسوبي. وأخيراً، حصلوا على أشجار تطورية توضح العلاقات بين الحيوانات، أمكن من خلالها إعادة بناء أكثر من 5000 تحول تطوري، لشرح النتائج.

ورغم ما تكشفه النتائج من كون التيروصورات واللاجيربيتيدات أكثر ارتباطاً ببعضها البعض من أي مجموعة زواحف أخرى، لكن الباحثين لا يقولون بأن التيروصورات قد تطورت من اللاجيربيتيدات، ولا أن التيروصورات هي من الديناصورات.

يتوقع المؤلف أن يتفق معظم مجتمع الحفريات مع فرضيته، لكنه يشير إلى وجود "عدد قليل" من العلماء الذين رفضوا فكرة أن التيروصورات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالديناصورات، وهم من يتوقع إيزكورا ألا يرحبوا بفرضيته على الفور. ويضيف: "ومع ذلك، أتوقع أن الاكتشافات والدراسات الجديدة ستعزز الصلات الوثيقة بين التيروصورات واللاجيربيتيدات".

لم تعط الدراسة إجابة كاملة لكل الأسئلة المتعلقة بطيران التيروصورات وكيفية تشكيل أجنحتها، لذلك يقول إيزكورا إن عليه وفريقه مواصلة البحث عن المزيد والمزيد من الهياكل العظمية الكاملة، وكذلك عن الأنواع التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتيروصورات.

المساهمون