عشيرة رمّو: قصة سطو معلن على متحف في ألمانيا

عشيرة رمّو: قصة سطو معلن على متحف في ألمانيا

02 ديسمبر 2020
جانب من مسروقات المتحف (Getty)
+ الخط -

بعد عام كامل من وقوع عملية السطو المذهلة على متحف Grünes Gewölbe للكنوز التاريخية في قلعة دريسدن بألمانيا، والتي أسفرت عن سرقة مجموعة نادرة من المجوهرات الباروكية الثمينة، ألقت الشرطة، في 17 من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، القبض على أحد الجناة في العاصمة الألمانية برلين، وأصدرت مذكرة اعتقال دولية لاثنين من أبناء عمومته. ولم تندهش الشرطة الألمانية حين اكتشفت أن المشتبه بهم جميعاً ينتمون إلى "عشيرة رمّو" الإجرامية، والتي تعود جذورها إلى المنطقة الواقعة بين تركيا وسورية، وهي إحدى العشائر التي تشكل ركناً أساسياً في تكتل مافيات "العشائر العربية" التي تقضّ مضجع الأمن الألماني منذ تسعينيات القرن الماضي.

تنتمي عائلة رمّو الضخمة إلى جماعة "المحلمية" العرقية، نسبة إلى القبائل القديمة التي سكنت منطقة جنوب تركيا وشمال سورية. ووفقاً لموقع دويتشه فيله، فإن أصول هذه الجماعة العرقية تعود إلى مقاطعة ماردين جنوب شرق الأناضول في تركيا، بالقرب من الحدود التركية السورية.

من هناك، هاجر أفراد عشيرة رمّو إلى المنطقة العربية، ويقال إن عدداً كبيراً منهم طُردوا من مناطقهم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، فغادروا في البداية إلى لبنان وبعض المناطق السورية، حيث عاشوا لسنوات من دون أوراق هوية وفي أجواء معيشية صعبة، وخلال سبعينيات القرن الماضي بدأ نزوحهم إلى ألمانيا الغربية، وزادت أعداد المهاجرين منهم إلى ألمانيا في الثمانينيات أثناء الحرب الأهلية اللبنانية.

تعود عملية السطو المثيرة لمتحف دريسدن إلى صباح الإثنين 25 نوفمبر 2019، عندما أضرم مجهولون النار في محطة للكهرباء بالقرب من منطقة Residenzschloss المتاخمة لمتحف Grünes Gewölbe في قلعة دريسدن الشهيرة، ما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي عن المنطقة بأكملها، بما في ذلك توقف معظم أجهزة الإنذار داخل المتحف، الأمر الذي سهّل على الجناة تسلّق أسوار المبنى والدخول إلى قاعة عرض مجموعات تاريخية نادرة من المجوهرات الباروكية.

وعلى الرغم من انقطاع التيار الكهربائي، إلا أن كاميرات المراقبة لم تتوقف عن العمل داخل قاعات المتحف، بفضل مولد الطوارئ الإضافي. وأظهرت صور الكاميرا لاحقاً كيف قام أحد الجناة الملثّمين بإخراج فأس وتحطيم زجاج خزانة العرض، ليستولي الملثمون على 11 قطعة من مجوهرات القرن الثامن عشر، كلها من الكنوز المصنوعة من الألماس والياقوت والذهب والفضة التي لا تقدّر بثمن. وصلت سيارات الشرطة الأولى بعد ثماني دقائق من عملية الاقتحام، إلا أن الجناة اختفوا تماماً ومعهم حمولتهم من المجوهرات الثمينة. ويقدّر الخبراء ثمنها بما يفوق المليار يورو، واعتبر الإعلام الألماني حادثة السطو حينها "أكبر سرقة فنية في تاريخ ألمانيا بعد الحرب".

عشيرة رمّو
كانت الإشارة الملموسة الوحيدة لدى شرطة ولاية ساكسونيا في ذلك الحين، هي صور سيارة الهروب السوداء، والتي تم العثور عليها في وقت لاحق محترقة داخل مرآب في مكان آخر من مدينة دريسدن. لكن التحقيقات كشفت، في ما بعد، أن الجناة استقلوا سيارة أجرة إلى العاصمة برلين، وفي هذه السيارة عثرت الشرطة على آثار الحمض النووي التي أدت إلى تحديد هوية المشتبه بهم.

وربطت بيانات الشرطة الجنائية سريعاً بين عملية اقتحام متحف دريسدن العام الماضي، وعملية السطو التي وقعت فجر 27 مارس/ آذار عام 2017 في متحف بود في برلين، والذي يقع قبالة منزل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، حيث نجح مجهولون، بالأسلوب ذاته، في سرقة نسخة من عملة Big Maple Leaf أو "ورقة القيقب الكبيرة"، والتي تزن 100 كيلوغرام من الذهب الصافي، وتحمل صورة وجه الملكة إليزابيث الثانية، وقد أصدرت العملة التذكارية في كندا عام 2007، ويقدّر ثمنها بنحو 4 ملايين يورو، وقد استعارها المتحف من مالك مجهول. وتمت سرقتها بطريقة تبدو أكثر هزلية من السرقة التي تمت في متحف دريسدن، إذ قام الجناة، وهم وسام وأحمد ووجيه رمّو، خلالها، بكسر زجاج عرض القطعة الذهبية المضاد للرصاص بفأس مشابهة، وحملوا العملة الثمينة على عربة يدوية، لينطلقوا بها إلى نافذة حطّموها مسبقاً بغرفة خلع ملابس العاملين في المتحف، إلى حيث كانت تنتظرهم سيارة الهروب.

حينها قادت تحقيقات الشرطة إلى التأكد من أن العملة الذهبية قد تم بيعها مجزأة بعد صهرها، ولكن تم العثور على الجناة، وكان الجاني الرئيسي في العملية يدعى "وسام رمو" (23 عاماً) وحكم عليه بالسجن 4 سنوات ونصف السنة، لكنه كان أحد الجناة الثلاثة الذين تم تحديد هوياتهم في سرقة متحف دريسدن، وألقي القبض عليه في برلين يوم 17 نوفمبر 2020، والسبب في وجوده حراً طليقاً رغم إدانته السابقة، أن محاميه استطاع استئناف الحكم بحبسه، فسُمح له بانتظار الحكم في بيته بحرية، وحتى عندما تم رفض الاستئناف من قبل المحكمة، فشل القضاء الألماني أيضاً في إصدار أمر قضائي بحبسه، فظل طليقاً ليقع في أيدي الشرطة بعد سرقة كنوز المتحف النادرة. أما المشتبه بهما الآخران فهم من أبناء عمومة الجاني الرئيسي وسام رمو، وهما التوأم عبد المجيد ومحمد رمّو (21 عاماً)، وأصدرت الشرطة مذكرة للإنتربول الدولي بالقبض عليهما.

عشائر برلين
تعيش "عشيرة رمّو"، مثلها مثل "آل الزين" و"أبو شقير الفلسطيني"، وكلها من العشائر سيئة السمعة، من تهريب المخدرات وغسل الأموال عبر مقاهي الشيشة والمتاجر الليلية وبيوت الدعارة، وعمليات الاحتيال الاجتماعية واسعة النطاق، بما فيها من ابتزاز رواد الأعمال المحليين في مجال المطاعم. ويتمركزون بشكل رئيسي في برلين ومنطقة الرور. وتتكون العائلات من مئات الأعضاء، وتتزايد أعدادهم يوماً بعد يوم، بسبب سياستهم الصارمة في الزواج داخل الأسرة. وقد تم تأريخ جرائم هذه العشائر في المسلسل التلفزيوني "Four Blocks" الذي قدمه التلفزيون الألماني عام 2017. ووفقاً للخبراء وضباط الشرطة، فإن أحداث المسلسل الصادم لا تختلف كثيراً عن الواقع.

ويبقى السؤال الأهم: أين المجوهرات التي استولى عليها الجناة من متحف دريسدن العام الماضي؟
لم يكن هناك أثر للمسروقات يوم 17 من نوفمبر 2020 حين ألقت الشرطة الألمانية القبض على المشتبه به الرئيسي وسام رمّو، إلا أن تحقيقات الشرطة أفادت بأنه قد تم الإعلان قبل عدة أشهر عن عرض عدد من المجوهرات النادرة للبيع عبر الويب المظلم من خلال شركة أمنية إسرائيلية، ثم من خلال شركة أخرى تسمى "Mitteldeutscher Rundfunk"، وفي هذا العرض طلب الجناة 9 ملايين يورو من عملات بيتكوين. وخلال المؤتمر الصحافي الذي عقده المتحدث باسم شرطة ساكسونيا عقب القبض على وسام رمو، أكد أنه "لم يتم العثور بعد على أي من قطع المجوهرات المسروقة"، مشيراً إلى أن الأمر يتعلق بثلاثة رجال مقيمين في ألمانيا، وأن: "أحد المشتبه بهم قد أدين بالسرقة بالفعل في متحف بود عام 2017" وأنهى حديثه بالقول الألماني: "لكن يبدو أن الأمل يموت في العثور على المسروقات".

وكشف بيان صحافي، في وقت لاحق، أن عملاء الشرطة الألمانية كانوا يحققون في 18 منزلاً ومرآباً وسيارة تعود جميعها إلى أفراد عشيرة رمّو منذ سبتمبر/أيلول الماضي، كما داهمت الشرطة أيضاً عدداً من الشقق ومقاهى الإنترنت في برلين، وقاموا بمصادرة عدد كبير من الحواسيب الشخصية والهواتف الذكية لأفراد العشيرة الإجرامية. فيما أشارت صحيفتا "برلينر تسايتونج" و"برلينر مورجنبوست" تحديداً إلى أن حملة المداهمات ضد العشيرة قد أسفرت منذ عام 2018 عن مصادرة 77 عقاراً صغيراً تملكها عائلة رمو في برلين، وصلت قيمتها إلى أكثر من 12 مليون يورو، وهي العقارات التي امتلكتها العائلة نتيجة عمليات غسل أموال، وكانت العائلة تؤجر هذه العقارات للحكومة الألمانية لتسكين المهاجرين الجدد بأسعار خيالية. كما أمرت المحكمة بمصادرة إجمالي ما قيمته 3 ونصف المليون يورو من المدانين.

لايف ستايل
التحديثات الحية

قائمة المسروقات
أراد حاكم مقاطعة ساكسونيا القوي "أغسطس الثاني" (1670-1733) إنشاء قصر تحت اسم gesamtkunstwerk لصناعة المجوهرات والتحف الفنية غالية الثمن، فتم تشييد مبنى في دريسدن خلال فترة حكمه في الفترة من 1723 وحتى 1730 على الطراز الباروكي للتعبير عن رؤيته للثروة والسلطة، ويعكس هذا القصر الذي أصبح الآن متحف Grünes Gewölbe علامة ثراء لعصر الباروك، ولا يزال حتى يومنا هذا مليئاً بالأعمال الفنية المهمة والمجوهرات القيمة. تم فتح المتحف للجمهور في وقت مبكر من عام 1724، ولم يُسمح للزوار بالدخول إلا في مجموعات صغيرة، ودائماً بملابس أنيقة ونظيفة، وفقاً لرغبة الملك.

ضمت مجموعة الكنوز المسروقة عدداً من المجوهرات الماسية لملكات ساكسونيا السابقات، إضافة إلى نجمة "وسام النسر الأبيض" البولندي العسكرية، والتي صنعها الصائغ جان جاك بالارد بين سنوات 1746 و1749، مستخدماً في ترصيعها الألماس والياقوت والذهب والفضة. ويؤكد أغلب المؤرخين أن الحصول على هذه النجمة من قبل الناخب الساكسوني وملك بولندا القوي "أغسطس الثاني" كان يعد شرفاً نادراً، وكان قد منح هذا الوسام إلى 40 فارساً فقط خلال توليه الحكم.
كما ضمت المجموعة المسروقة أيضاً قطعة تُعرف باسم "aigrette"، مصممة على شكل شمس، وتم صنعها في الفترة بين 1782 و1807، وتنتمي إلى مجموعة المجوهرات المملوكة لملكات ساكسونيا السابقات، وتتكون من 127 ماسة صغيرة مثبتة على خيوط من الفضة الخالصة.

أما السيف المرصع بالألماس، فقد تم تصميم مقبضه من قبل عدد من أمهر صائغي المجوهرات في القرن الثامن عشر، ويتكون من تسع ماسات كبيرة و770 ماسة صغيرة، إضافة إلى عدد من العناصر الفضية والذهبية والفولاذية والمخمل.

المساهمون