استمع إلى الملخص
- يلعب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير دورًا في التحريض على وسائل الإعلام، حيث تم حظر بث قنوات ومنع الإعلام الأجنبي من تغطية الأحداث، مما يعكس استخدام الإعلام كأداة سياسية.
- تفرض القوانين الإسرائيلية رقابة عسكرية صارمة على الإعلام منذ عام 1953، حيث تم حظر أو تعديل آلاف المواد الصحافية، مما يعزز التدخل العسكري في الإعلام.
ليست ثمة مقارنة بين الحريات الصحافية في إسرائيل وبقية دول المنطقة، لكن ذلك لا يعني أن إسرائيل "جنة حريّات" في المنطقة، بل إنها تنحدر بتسارع كبير نحو الديكتاتورية والعسكرة في إدارة الإعلام، خاصة في زمن التوترات والحروب، وهي كثيرة ومتواصلة في إسرائيل، ما يعني أن التراجع مرشّح للمزيد.
وبحسب مؤشر حرية الصحافة الذي تصدره سنوياً منظمة مراسلون بلا حدود، فإن دولاً مثل موزامبيق والسنغال وأنغولا وزيمبابوي وصربيا وزامبيا تتقدّم على إسرائيل في مؤشر المنظمة الذي يرصد واقع الحريات الصحافية في دول العالم، فبينما تحتل إسرائيل مراتب عُليا في مؤشرات التقدّم التقني أو التسلّح والبحث العلمي في العالم، فإنها تحتل مراتب متأخرة، وتأتي في النصف الثاني غالباً من قوائم الحريات التي تصدرها المنظمات المعنية، وتتقدّم عليها دول تنتمي إلى العالم الثالث، ما يجعل من إسرائيل دولة عالمثالثية بامتياز على هذا الصعيد، في تناقض يكشف لاوعياً متوحشاً، وأحادياً، ومتسلّطاً ومتخلّفاً لدولة لا تنفك تدّعي أنها واحة الحريات في المنطقة.
وبحسب مؤشر "مراسلون بلا حدود"، فقد تراجعت إسرائيل إلى المرتبة 112 هذا العام، بعد أن كانت تحتل مرتبة 101 في العام الماضي، أي أن التراجع مريع، ويجد تمثّلاته في المشاهد التي يظهر فيها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وهو يهاجم وسائل الإعلام ويحرّض عليها، مثل أي مسؤول في دولة عالمثالثية، يحكمها انقلابيون وعسكر، تتعرّض لانتقادات واسعة ومتكررة في تقارير الخارجية الأميركية السنوية.
ولا يقتصر تحريض بن غفير على قناتي الجزيرة أو الميادين على ما حدث أخيراً من حظر بث وملاحقة، بل يشمل تغطيات وسائل الإعلام الأجنبية كلها التي مُنعت تماماً من تغطية حرب الإبادة على غزة، وكذلك الإعلام المحلي الذي تعتبر الرقابة العسكرية جزءاً تأسيسياً من نشوئه قبل أكثر من سبعين عاماً.
وللأمر صلة بمفهوم احتكار دور الضحية، وإنتاج الصورة في سياق "التوظيف" السياسي، داخلياً وخارجياً، أما حرية التعبير والنشر فمجرد أوهام تُسوّق في محيط يفتقر إلى الحريات أصلاً، فليست ثمة ميزة لإسرائيل هنا على الإطلاق.
يقدّم تقرير لصحيفة 972+ (إلكترونية انطلقت في عام 2010) صورة حقيقية وفاضحة وكاشفة لأوهام الحريات المضخّم في إسرائيل، وللتعالق البنيوي بين دولة عسكرية وإعلام تابع بطبيعته وبمبادرة منه، لأسباب أيديولوجية وأخرى ذات صلة بأوهام الواجب الوطني ومسؤولية النخب عن الحفاظ على صورة الضحية، حتى لو دفعه هذا إلى خيانة المهنة وفاءً للصورة، وهي مختلقة ومفبركة وتحتاج مزيداً من الإخفاء لجوانبها المظلمة على الدوام، وهو ما يفعله صحافيون يندر أن سمعنا تذمراً منهم أو رفضاً لعسكرة مهنتهم.
تفرض القوانين الإسرائيلية الخاصة بالإعلام عرض المواد الصحافية التي يُعتقد أنها حساسة أو ذات طبيعة أمنية على الرقابة العسكرية، وهذا نظام معمول به منذ عام 1953. وتتبع هذه الرقابة جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان)، وتتمتع بغطاء قانوني لفحص أي مادة تنظر فيها وتقييمها، وإجراء التعديلات التي ترتئيها حذفاً أو حتى حظراً تاماً، وهو ما لم ترفضه وسائل الإعلام الإسرائيلية أو تعترض عليه إلا في حالات نادرة وفردية، ما يعني فعلياً التواطؤ والشراكة وإنتاج ظواهر شعبوية، مثل بن غفير الذي يخرج متقافزاً على شاشات التلفزة، مثيل أي بلطجي صغير في مواقف النقل العام وهو يهدّد ويتوعد، من دون أن يجد من يعترض عليه، فاللعبة قائمة على التواطؤ ما دام ثمة "عدو" في الجوار، و"صورة" ينبغي الحفاظ عليها وتكريسها.
في العام الماضي الذي شهد أكبر مجازر إسرائيلية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، قدّمت المؤسسات الصحافية نحو 20 ألفاً و770 مادة صحافية للرقابة العسكرية للمراجعة، فحظرت الأخيرة 1635 مادة منها وتدخلت بالحذف الجزئي في 6265 مادة أخرى، ما يعني توحّش التدخل العسكري، إذ إن الأرقام السابقة ضِعف أرقام التدخل في العام السابق (2023) وأربعة أضعاف تدخّل الرقابة في عام 2022، وتلك مجزرة مفتوحة تتساوق مع مجازر الجيش الإسرائيلي التي ارتُكبت في قطاع غزة، وبعد ذلك أو قبله قد يخرج علينا أحد ابناء جلدتنا مفاخراً بديمقراطية إسرائيل، وأولى به أن يندّد باستلابه وتخلّف دولنا وتمزّق مجتمعاتنا.