عرض فيلم "ممنوع" تأسيسٌ لحياة سورية جديدة

22 يناير 2025
زياد كلثوم: "الرقيب الخالد" في دمشق بعد زمنٍ (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- إحياء الحياة الثقافية والفنية في سوريا: بعد سنوات من القمع، تُعرض أفلام سورية في دمشق، مما يعكس رغبة في إحياء الحياة الثقافية والفنية التي شوهها النظام الأسدي على مدى 54 عامًا، مع التركيز على التنوع والابتكار في الفنون.

- عرض أفلام تاريخية في دمشق: عرض "نجوم النهار" و"الرقيب الخالد" يمثل احتفاءً بالسينما السورية، ويعكس حيوية الشارع السوري بعد فرار بشار الأسد، مع توقعات بمزيد من العروض التي تعكس واقع سوريا.

- تفكيك الواقع السوري عبر السينما: الفيلمان يكشفان عن قسوة الحياة في المجتمع السوري، ويطرحان تساؤلات حول السينما ودورها في توثيق وتحليل الواقع السوري، خاصة في ظل التحديات الحالية.

 

عرضُ أفلامٍ سورية في دمشق، بعد سنين من المنع والرفض والإقصاء، جزءٌ من تفعيل حياةٍ يُشوّهها نظامٌ أسدي في 54 عاماً، بل يقضي على مفاصلها الحيوية. هذان التشويه والإقصاء يتمثّلان أيضاً، إلى الفعل المُباشر لكلّ منهما، في أشكال أخرى من حياةٍ، ثقافية وفنية تحديداً، تنعكس في مهرجانات ومعارض واحتفالاتٍ، تتلاءم مع تفكيرٍ سلطوي يُلمِّع صورته، ويُخفِّف من ثقل الجُرم الأسديّ. فالحياة المنشودة، في الثقافة والفنون (وغيرها أيضاً)، ترتكز على إتاحة حيّز كبير لاشتغالاتٍ مختلفة، لن تكون كلّها بالضرورة متوافقة ومفردات الإبداع والابتكار والجماليات، فتناقضات كهذه صحّية، ومن يُشاهد ويقرأ ويتابع ويسمع يُفترض به أنْ يُدرك الفرق بين كلّ ما يُقدَّم إليه، بتنويعاتٍ شتّى، لا أنْ يُكتفَى بتقديم صنفٍ واحدٍ توافق عليه سلطة حاكمة بالقمع والتغييب والتهجير والنفي.

في المُقدَّم سابقاً بعض المُفيد، الذي يستحيل إنكار حضوره في المشهدين الثقافي والفني، في سورية "الأسد"، رغم أنّ وسائل التقديم وأمكنته غير باهرةٍ، شكلاً على الأقلّ. فصالات سينمائية معطوبة منذ زمنٍ، ودور نشر عاملة في البلد غير مُبدعةٍ في تصميمٍ وطباعة، ومهرجانات (سينمائية ومسرحية وموسيقية) تحتاج إلى تأهيل جذري. هذه أمثلة معلومة في بلدٍ منكوبٍ بجُرم أسديّ، مُتداول (الجرم) سابقاً، وإنْ بحذر ونُدرة، والتمنّيات وفيرة بأنْ يُكشَف المُخبّأ، رغم ثقل جراحه، في المقبل من الأوقات.

عرض "نجوم النهار" (1988) لأسامة محمد و"الرقيب الخالد" (2014) لزياد كلثوم في دمشق احتفاءٌ متعدّد الجوانب. فإلى كونه حقّاً، يتأخّر تحقيقه زمناً، يكتسب العرض حيوية تتزامن وشيءٍ من حيوية الشارع السوري، غداة فرار بشّار الأسد (ليلة 7 ـ 8 ديسمبر/كانون الأول 2024)، مع أنّ تساؤلات جمّة تُطرح حول آلية عمل "الإدارة" الجديدة للبلد. والعرض، إذْ يستقطب أناساً يتوقون إلى مشاهدة نتاجٍ يعكس بعض واقعٍ، يُتوقّع أنْ يؤسِّس مرحلةً، وإنْ تكن مؤقّتة، تشهد عروض أفلام أخرى، مُنجزة زمن القمع الأسديّ، ولحظة "الثورة السورية"، المدنية والسلمية، قبل تحويلها إلى حربٍ ضد شعب وبلد واجتماع وعمارة، وأنْ تحثّ هذه العروض على نقاشٍ مطلوب، عن المعروض أولاً، وعن موقع السينما في لحظة الانقلاب ـ الانتقال تلك، المليئة بتحدّيات عيشٍ وعلاقات وتأمّل واشتغال، من أجل بلدٍ يجب أنْ يكون "سورية" فقط.

والفيلمان، اللذان يجهدان في تفكيك آليات واقع سوريّ، يكشفان، إلى حساسية سينمائية في بناء درامي ومقاربة جمالية، قسوة حياة في اجتماع ذكوري قروي وعلاقة أبناء الريف بالمدينة، وغيرها من مسائل مرتبطة بهذا ومفتوحة على وقائع حياةٍ سورية (نجوم النهار)، وتطرح سؤال السينما (تصوير فيلمٍ عن تصوير فيلمٍ آخر، سيكون "سلّم إلى دمشق" لمحمد ملص، 2013)، عبر بحثٍ بصريّ في معنى الخدمة العسكرية الإلزامية، خاصة في بدايات "الثورة اليتيمة" (عنوان كتاب لزياد ماجد، 2013)، قبل نحرها الأسديّ (الرقيب الخالد).

عرض الفيلمين في دمشق قبل أيامٍ خطوة مطلوبة، في بلدٍ يريد نهوضاً حقيقياً من موته، وينشد خلاصاً من خرابه.

المساهمون