طرح الخطاط والفنان التشكيلي السوري عبد الرحمن نعانسه مجموعته الفنية الأخيرة "ضغط – حركة – أثر". ضمت المجموعة ما يزيد عن خمسين لوحة فنية، تعرض حالياً في مؤسسة Mason Exhibitions Arlington التي تنظمها وترعاها كلية الفنون التابعة لجامعة جورج مايسن، في مدينة أرلينغتون في ولاية فيرجينيا.
عند النظر إلى الإطار العام للوحات، سنشاهد أنساقاً صقلت رؤيةً جمالية، ينحو نعانسه من خلالها إلى تصميم توليفة متفرّدة له، في معرض الابتكار والتجديد في فن الخط العربي المعاصر. توليفة يرى فيها نعانسه هدفاً أساسياً لمسعى الفنان في طور اشتغالاته واكتشافاته.
وفي ضوء ذلك، يشير نعانسه، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، إلى أن "الفنان هو، كتعريف أساسي، باحث. وعملية البحث يجب أن تبقى في حالة نشطة ومواكبة لمشهد التطور، تأخذ من العصر ومن تجاربه ومعرفته. فالفن جزء من المعرفة والخبرة الإنسانية".
وعلى الرغم من الدراسات والتجارب العديدة التي أوصلته إلى ابتكار مسار خاص به، فإن نعانسه لا ينكر طريقه الطويل في عملية التجديد والابتكار اللذين، في اعتقاده، "لا تحدهما نتيجة نهائية". دفعه ذلك إلى تخصيص مجموعة صغيرة من بين اللوحات سميت بـ "أصوات"، كجزء تحضيري لمشروع تجريبي لاحق.
إن علاقة الخط العربي مع التيارات الحداثوية والفنون المعاصرة، لا تشترط الارتهان لمحددات كلاسيكية جامدة في الفن التشكيلي. لكنها ترزح تحت وطأة الإبداع ومتطلباته، لخلق مكونات تلبي روح العصر، وتجمع في تشكيلاتها أجناساً منتقاةً بعناية، تغذي مقارباتٍ توفق بين الكلاسيكي والمعاصر.
من هنا، سنجد في اللوحات تأثرات بالخط الديواني والثلث والنسخ والفارسي. أعمال مرسومة على الورق بمادة الحبر وأخرى على الكانفاس بمادة الأكريليك. وبالتالي، تصبح هذه التكوينات، بحسب نعانسه "انتقاءات مدفوعة بالحركة الحرة"، وهو ما تميل إليه خطوط نعانسه في تجربته المعاصرة.
يخاطب الفنان في مجمل لوحاته الإنسان والإنسانية. وهي حاجة أي فنان عايش الحرب في سورية، واللجوء خارجها، أي أن يفسر مكنونات قلبه وعقله بحثاً عن حرية مفقودة. فطفت، بين مجموعات خاصة، كلمات وجمل شعرية تحمل بصمةً انتقادية لواقع الحروب في سورية والعالم العربي، مكتوبة بلغة انسيابية ومرنة، فنجد لوحات تحمل عناوين مثل "إعادة ضبط" و"استقرار"، و"كانوا شعباً" و"هل نحن أحرار؟".
وقد ركز نعانسه، أيضاً، من خلال عدد من اللوحات، على فكرة الاندماج كما في كل من لوحة "اندماج – استقرار – تصحيح مسار"؛ إذ يصور عبرها تغيرات الإنسان التي تصيبه عند انتقاله من مكان إلى آخر. ولعلنا نشير أيضاً إلى مجموعة "وسعوا باحة السجن حتى أننا لم نعد قادرين على رؤية السور"، وهي جملة مقتطفة من قصيدة هايكو للكاتب والشاعر السوري عمار حمودي.
تصور لنا هذه اللوحات، كما يرى نعانسه، "المشهد السوري وما آلت إليه هموم الشعب من تفكك وهستيريا، لدرجة أصبح فيها السجن يحاصر دواخلنا". وكذلك مقطع من قصيدة للمؤلف نفسه، حملت عنوان "قصة قصيرة، أطالوها كثيرًا، القصة تشبه إلى حد كبير صيد السمك، لقد ابتلعنا الطعم ولكنهم يتسلون بأرجحتنا في الهواء ويضحكون. أما نحن فلم نعد نريد إلا أن نموت بهدوء في السلة".
اختيار مفردات مثل "ضغط - حركة – أثر" لتكون عنواناً خاصاً لمعرضه الأول في الولايات المتحدة، يؤكد مساعي نعانسه لخلق مفردات تتجاوز آثارها البعدين الخطي واللوني وتفسيراتهما، مرحباً بالذوق الشعري وانصهاره في كتلة لوحية واحدة تعبر عن تحرر يرتبط بثنائية الكلمة والحرف وصداهما في عين المشاهد وقلبه وعقله. وهو ما يشرحه نعانسه: "تبقى ممارسة أي فعل أشبه بعملية ضغط على الحركة العاطفية والاجتماعية للأشخاص، وشكل تلقيهم لهذا الضغط يحدد حجم المتغيرات على ثقافاتهم وحالتهم العاطفية، فتنتج عن ذلك آثار على مختلف الأصعدة تستدعي المراقبة، ومن هنا تبدأ محاولة فهم واستيعاب تلك الآثار. هل هي إيجابية أم سلبية؟ وبالتالي يمكن أن نسقط ذلك على الأحداث التي في سورية خاصةً والشرق الأوسط عامةً. يمكن أن تسميها طريقة مختلفة لتحليل الواقع في هذه البقعة الجغرافية".
الجدير ذكره أن الخطاط والفنان التشكيلي عبد الرحمن نعانسه قد شارك، بعد نزوحه إلى لبنان، في معرض مشترك في مركز "زيكو هاوس" حمل عنوان "عوالم موازية" عام 2022، فضلًا عن مشاركات له في معارض مشتركة في "بيت مسك" عام 2021، ومشاركته في معرض "غالا" الدولي للفنون في اليابان عام 2021. وحالياً تعرض مجموعة من أعماله في إسبانيا، بالتعاون مع "بلوم غاليري"، علماً أن جميع المعارض سالفة الذكر أقيمت بالتعاون مع "أرليني غاليري" بإدارة دزوفيك أرنيليان.