عاصي ومنصور الرحباني... "تعا ولا تجي"

21 مايو 2025
عاصي الرحباني وفيروز (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يحتفل العالم بمئوية ولادة الأخوين الرحباني عبر فعاليات متعددة، وصدر كتاب "تعا ولا تجي" لعبيدو باشا، الذي يوثق حياة وإرث عاصي ومنصور الرحباني، مسلطاً الضوء على عبقرية عاصي وتأثيره المتبادل مع شقيقه.

- يتناول الكتاب جوانب خفية من حياة منصور وعلاقته المعقدة مع عاصي وفيروز، ويبرز إبداع عاصي في المسرح والموسيقى، معتبراً زياد الرحباني الوريث الفني الوحيد.

- يهدف الكتاب لإثارة النقاش حول إرث الرحابنة بعيداً عن المديح التقليدي، ويكشف عن علاقات ملتبسة داخل العائلتين أثرت على توثيق التاريخ الرحباني.

في 3 مايو/ أيار الحالي، مرّ 102 عام على ولادة عاصي الرحباني، بينما حلت مئوية ولادة منصور الرحباني مطلع العام الحالي، ويتخلّل العام منذ بدايته احتفالات وندوات وحفلات عدة استعادة لذكرى وإرث الأخوين الرحباني، وكان آخرها، حفل لعمر الرحباني، حفيد منصور، في الدوحة نهاية الأسبوع الماضي.
نعود هنا بهذه المناسبة إلى الكتاب الصادر عام 2023 عن دار "نلسون" في بيروت، والممتد على 554 صفحة، ويقدّم فيه الصحافي والناقد المسرحي المخضرم عبيدو باشا عملاً توثيقياً استثنائياً بعنوان: "تعا ولا تجي - مئة عام على ولادة عاصي الرحباني".
لا يكتفي باشا بكتابة سيرة ذاتية تقليدية، بل يفرض قواعد خاصة لهذا النوع من الكتابة، فيحولها إلى دراسة نقدية موسعة، تتقاطع فيها تجربته الشخصية -مستشار إعلامي سابق لمنصور الرحباني- مع عالم عاصي الرحباني الفني، وصولاً إلى منصور نفسه، ومن ثمّ أبناء الجيل الثاني من آل الرحباني.
يسلط المؤلف الضوء على جوانب خفية من شخصية منصور الرحباني، الذي يحتفل هذا العام بمئوية ولادته، غير أنّ التركيز الأكبر يبقى على عاصي، عبقري الموسيقى والمسرح، الذي يُفصح باشا عبر سطور كتابه أنه من أولئك "الذين لا يموتون، وإن ماتوا، لا يذهبون".
يدعو عبيدو باشا القارئ إلى الولوج معه في ذاكرة الرحابنة، لكشف الإنسان في عاصي، وفنّه، وجمال موسيقاه ومسرحه، في تمازج خلاق مع شعر شقيقه منصور. يصف عاصي بأنه "لم يُخفق في شيء... سوى في حياته"، ويضيف: "كلما تقدم في العمر، لم يعد بمقدوره أن يكون ما يجب أن يكونه كزوج وأب. المنطق كان شمسه العالية، لعبه، عذابه... ولأنه كذلك، أُرهق كما يُرهق المثال من كثرة الاستعمال". يشبّه باشا عاصي بـ"الملك لير"، الذي "أهدى مملكته بعد أن ترك رائحة المكان في أنفه"، ويكتب عنه بإعجاب: "حين يؤلف لا يقيس، حين يلحن لا يقيس. مؤلفاته موعد غرامي مع الصباح، جلوس في حضرة النور".
أما منصور، فيصوّره الكاتب على أنه "ناطحة سحاب"، لكنها "لا تعلو على عاصي". ويشير إلى علاقة التأثير المتبادل بين الشقيقين، ويكتب: "منصور لم يقع في أسر عاصي. من المستحيل أن يهجر الواحد الآخر، وكان كل منهما يحدث تأثيره في الآخر بالطرق الجيدة".
يتعمّق الكتاب في كواليس العلاقة بين عاصي وفيروز، كاشفاً عن وجه آخر لعلاقة معقدة ومضطربة، تحكمها البرودة. ويرى باشا أن عاصي "عاش حباً فطرياً مع شريكة ضائعة في منزل جمعهما"، ويعتبر أن فيروز عاشت محطتين فارقتين: الأولى مجد الأولمبيا، والثانية نجاة عاصي من الجلطة الدماغية، التي أعادته، ولو جزئياً، إلى فنه وناسه.
ويعدد باشا بإعجاب رصيد عاصي الإبداعي، من "سفر برلك" إلى "بنت الحارس"، مخصصاً فصولاً كاملة لأعماله المسرحية والموسيقية داخل لبنان وخارجه. ويصرّح بأن زياد الرحباني هو "الوريث الوحيد" لفن الأخوين في الجيل الثاني.
في حديثه لـ"العربي الجديد"، يصف باشا عمله هذا بأنه "تكريمي للأخوين الرحباني"، موضحاً أن النقد لا يُنافي التكريم، بل يحيي المبدع. ويعلّق على بعض الانتقادات الموجّهة إليه بالقول: "نعيش في مجتمعات ترى في التكريم جانباً واحداً هو المديح، بينما النقد الحقيقي هو ما يمنح المبدع حياة جديدة".
ويضيف: "كلام المديح عابر، يحوّل المبدع إلى تمثال في متحف. أما المجتمعات الشرقية، فهي يقينية لا تقبل النقد ولا تنتجه".
في كلامه عن المسرح الرحباني، يشير إلى أن "رأسمال الرحابنة كان الأغنية والشعر"، بفضل عاصي الملحن العبقري، ومنصور شاعر الأغنية والقصيدة. ويشدد على أن منصور "شاعر من طراز عالمي، سواء كتب بالعامية أو الفصحى".
وحول العنوان المرتبط بمئوية عاصي، يوضح باشا أن ذلك لم يُلغ الحديث عن منصور، "لأن الفصل بين الأخوين غير جائز ولا حاجة إليه".

لكنه يكشف في المقابل عن علاقات ملتبسة داخل العائلتين، تعمّدت الفصل بين التجربتين لأسباب "شخصية ومصلحية"، ما أدى إلى حجب التاريخ الرحباني عن المناهج الدراسية، وسحب مسرحيات الأخوين من الأسواق.
يتساءل باشا عن انزعاج البعض من كشف كواليس حياة الأخوين الرحباني، ويؤكد: "لم أتطرق إلى العلاقات الحميمة، بل إلى السلوك الفني والعلاقات المهنية". ويختم: "أجريت بحوثاً دقيقة، واستشرت موسيقيين، واطلعت على الإنتاج الفني لعاصي. الكتاب عمله أن يثير الملاحظات والتحفظات والاتفاقات، ومن لديه اعتراض أو نقد، فليكتب ملاحظاته"

المساهمون