طلال الجردي: التداخل ما بين الحقيقة والتمثيل أمرٌ واقع

طلال الجردي: التداخل ما بين الحقيقة والتمثيل أمرٌ واقع

28 مارس 2021
لماذا لا يقدم المنتجون في لبنان مسلسل عن سرقة أموال المودعين (العربي الجديد)
+ الخط -

يُعتبَر الصدق السِمة الأكثر حضوراً في مسار الممثل اللبناني طلال الجردي. صدقٌ في المواقف الوطنية والسياسية والفنية، يقابله صدقٌ في الأداء الذي طبع مشواره المُمتد لأكثر من 25 عاماً من التمثيل في السينما والمسرح والدراما. بالنسبة له: "مخاطبة الواقع على الشاشة والخشبة حاجةٌ وضرورة تماماً، كما أن للخيال والفانتازيا أيضاً مساحتهما الخاصة في الأعمال التمثيلية"، وهو يستعد حالياً للمشاركة في عمل تاريخي ضخم يوثّق لمرحلة سياسية حسّاسة من تاريخ المنطقة، على ما يكشف في هذا الحوار الخاص الذي أجرته معه "العربي الجديد".

لا يرى الجردي أن الأولوية اليوم في الإنتاجات الدرامية هي "للأعمال الرومانسية أو لقصص الحب التقليدية والكوميديا الخفيفة". بالنسبة له "الواقع يلقي بوزنه الثقيل على كل شيء من حولنا. والمزاج الدرامي يجب أن يحاكي المزاج الشعبي ويواكب نبض الأحداث المتسارعة والضاغطة، لا سيّما في لبنان"، ويقول: "هناك زحمة أعمال حالياً، وربما عكس ما قد نتوقع نظراً لظروف كورونا والأوضاع الاقتصادية المتردية في البلد. وأنا حالياً أشارك في أحد هذه الأعمال، لكن من دون أي راحة نفسية، لأنني قلق ومضطرب من كل ما يجري من حولنا". ويعترف بأن "قرار الهجرة أو البقاء في البلد هو الخبز اليومي الذي أتناوله أنا وأصدقائي.

ليس سهلاً أن نترك كل شيء ونرحل في هذا العمر وبعد كل هذا المسار، ولكن ليس سهلاً أيضاً البقاء في هذا المكان الذي نتشاركه مع مجموعة فاسدين ومجرمين ونصّابين. إنّه حرق للأعصاب، ولا ندري ما العمل أو كيف الخلاص".

الجردي، الذي يجد أن التداخل ما بين الحقيقة والتمثيل أمرٌ واقع، لا يرى أنه يمكن فصل الممثل عن محيطه أو عما يجري من حوله، ويقول: "قد لا تكون لدي حماسة المشاركة في أعمال جديدة بسبب الوضع النفسي المتعب الذي أتشاركه مع أبناء بلدي وجيلي، ولكنني سعيد إلى حدٍ ما بالعمل الذي أصوّره حالياً في القاهرة، لأنّه يتضمن حيّزاً تاريخياً مهماً ويحاكي شقاً سياسياً مرتبطاً بتاريخ المنطقة.

أمّا لو كان العمل درامياً ببعد عاطفي رومانسي وبطرح مجاني لا يحاكي واقعاً ما، فلا أعتقد أنه كان ليبدو منطقياً أو يحمل إحساساً تجاه ما يحصل اليوم على أرض الواقع". ويضيف: "أجد أنه من المستحسن أن يعتكف الفنان في هذه الأيام، على أن يشارك في عمل لا يشبهنا ولا يعكس واقعنا.

أمّا من يقول إنّ الناس تحتاج إلى من يخرجها من الأجواء والظروف السيئة التي تعيشها ويرفّه عنها، فأنا أقول له إنني أجد نفسي غير قادر على ذلك، إذ إنني أجلس بين الناس وأرى الوضع النفسي الصعب الذي بتنا جميعاً نعاني منه".

وعن تفاصيل المسلسل المرتقب، يكشف: "ما يمكنني قوله إنّه عمل تاريخي ضخم، ومن خلال مشاهدتي لبعض مشاهده أرى أنّه عمل رائع وكأنّه سينمائي، وهو من إخراج الليث حجو، وتدور أحداثه في المنطقة العربية، وبالتالي إنّ الشخصيات المشاركة فيه من جنسيات مختلفة وتتحدث بلهجات عدة".

الممثل الذي يحفل رصيده الدرامي بالأعمال العربية المشتركة، يعترف بأنه سيكون خارج السباق الرمضاني هذا العام، رغم قوّة مشاركته في السنوات الماضية بأعمال درامية استطاعت أن تبرز بين الإنتاجات المخصصة للعرض في الشهر الفضيل، والتي كان آخرها مسلسل "أولاد آدم"، العام الماضي، حيث أدّى شخصية رجل الأمن الفاسد والمرتشي ببراعة عالية. وهو يرى أن الدراما على رغم تقديمها نماذج مختلفة من الواقع، إلا أنها ما زالت بعيدةً نسبياً عن الحقيقة، حيث يقول: "صحيح أنني جسدت شخصية عنصر الأمن الفاسد، التي تشبه واقعنا، لكن بنحوٍ عام، الأعمال لا تحاكي هذه المواضيع أو تساعد على تسليط الضوء على الحقيقة. ففي لبنان لا نحب أن نضيء على الحقيقة بل نضيء على التضليل، تماماً كالتضليل الذي يحصل منذ بدء (ثورة 17 تشرين) عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، إلى أن انسحب التضليل أيضاً على منصات تحديد سعر صرف الدولار. فهناك من يعتبر نفسه كبيراً وقادراً على التلاعب بكل شيء، ولكن لا كبير إلا الله سبحانه وتعالى، وأنا متأكد من أنّ المصارف بنسبة 99 في المئة هي التي جمعت الدولارات من السوق، جراء تعميم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للمصارف الذي يقضي بزيادة نسبة رؤوس أموالها، وبالتالي جمعوا الدولارات من البلد بدلاً من أن يعيدوا الدولارات التي سرقوها وحوّلوها إلى الخارج. وإنّ أصحاب المصارف أوّل من يجب أن يُحاكموا في لبنان، فمحاكمتهم واجبة، كذلك كلّ القطاع المالي، تماماً مثل السياسيين الفاسدين. فهذه منظومة متكاملة تحمي بعضها بعضاً، وهناك خلفها آلاف المناصرين والجماهير... لذلك إنّ عملية الخلاص في لبنان معقدة".

ويسأل: "لماذا لا يقوم صنّاع الدراما بإنتاج عمل يتناول موضوع سرقة المصارف أموال المودعين في لبنان. هل من يجرؤ على تقديم عمل كهذا؟ هل من يفضح كيف سُرقت أموال المودعين من المصارف اللبنانية؟".

أما سينمائياً، فيكشف الجردي: "شاركت في فيلمين سينمائيين منذ نحو 3 سنوات، لم يعرضا حتى الآن، ولا أعلم مصيرهما. أحدهما مع المخرج إيلي خليفة بعنوان (قلتلك خلص)، وهو يشارك حالياً في مهرجانات سينمائية في الخارج ويحصد الجوائز، وقد صُوّر قبل الثورة ببضعة أشهر، والآخر مع المخرج ميشال كمّون، وهو بعنوان (بيروت هولدم)". ويضيف: "بنحوٍ عام، أرى أنّ السينما هي التي حفظت ماء وجه الدراما اللبنانية، فهي كانت الأقرب إلى الحقيقة. ولا أقصد الأفلام التجارية الموجهة للعائلة والتي تُعرض في فترة الأعياد ولا تكون من نوعية الأفلام التي يجري النقاش حولها كعمل سينمائي جاد. ولكن في المقابل هناك أعمال خارج إطار أفلام الأعياد، كانت محترمة وتستحق التوقف عندها، وأحدثت جدلاً، فالسينما تكون حيثما تخلق جدلية فكرية وإنسانية واجتماعية وسياسية".

المساهمون