طرد الأرواح الشريرة: خرافات تسبب أضراراً نفسية وجسدية

طرد الأرواح الشريرة: خرافات تسبب أضراراً نفسية وجسدية

14 ديسمبر 2020
هناك رابطة لطاردي الأرواح الشريرة في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية (Getty)
+ الخط -

طالب ممثلو الكنيسة الأرثوذكسية الروسية المواطنين بالكف عن "طرد الأرواح الشريرة" بأنفسهم، مؤكّدين أن مسألة "الاستحواذ الشيطاني" يجب أن تُناقش مع الكهنة، وأن أي "مبادرة ذاتية" في هذا الشأن غير مقبولة تمامًا، وذلك على خلفية انتشار ظاهرة معالجة "المس الشيطاني" بين المواطنين الروس بجهود ذاتية، ودون الرجوع إلى رجال الكنيسة، ما تسبب بأضرار نفسية وجسدية للكثيرين، وصلت إلى وفاة عدد من "الممسوسين". وقال المطران، هيلاريون من فولوكولامسك، الأسبوع الماضي، إنَّ القضايا المتعلقة بـ"الاستحواذ الشيطاني" يجب أن تكون تحت إشراف الكنيسة. وذلك تعليقاً على تسجيل فيديو نشره والدان من منطقة فولغاغراد، يحاولان فيه "طرد الشياطين" من ابنهما البالغ من العمر عشر سنوات، بمساعدة الثوم والماء المقدس. وفسر الوالدان أفعالهما بأن الطفل يتصرف بغرابة في الكنيسة ولا يحتمل رؤية الأيقونات. في الوقت ذاته، أشارت رئيسة الدير الذي تم إحضار الطفل إليه، بأنه فتى طبيعي يتمتع بصحة جيدة ومستعد للاتصال والتحدُّث مع الكاهن والاعتراف بالذنوب. والآن، بات على الوالدين التعامل ليس فقط مع "الأرواح الشريرة"، بل أيضاً مع سلطات الوصاية على الأطفال ووكالات إنفاذ القانون في المنطقة، بعدما لفت التسجيل انتباهها، واعتباره إساءة معاملة لقاصر.

وتعليقاً على هذه القضية عبر أثير برنامج "الكنيسة والسلام" الأسبوعي على قناة "روسيا 24"، أشار المطران هيلاريون إلى "التناقض الصارخ بين تصرفات هؤلاء الآباء وتعاليم وممارسات الكنيسة". وقال رجل الدين إن "هناك طقوساً في الكنيسة تسمّى طرد الأرواح الشريرة، وفي اللغة الشائعة (الرقية)، حين يتم إحضار شخص ممسوس بالشيطان إلى كاهن، ويقرأ الكاهن صلوات خاصة لإخراج الشياطين. ولكن: أولاً، لا يخضع الأطفال لهذه الطقوس أبدًا. ثانيًا، لا يمكن لأي كاهن أن يؤدي هذه الطقوس، بل فقط أولئك الذين حصلوا على مباركة من الأسقف لهذا الغرض. ثالثًا، والأهم من ذلك، يجب ألا نخلط بين ظواهر نفسية معينة والاستحواذ الشيطاني". وفي رأي رجل الدين الأرثوذكسي، يشير سلوك والديّ هذا الطفل إلى أنهم، على الأرجح، ببساطة لا يفهمون جيدًا ما هو الدين، وما هو الإيمان الأرثوذكسي، "فهم لا يؤمنون بالله والشيطان فحسب، بل أيضًا بالعين والأعمال، أي ما تعتبره الكنيسة من الخرافات".

ومن المثير للاهتمام أنَّ هذه الحادثة ليست الوحيدة من نوعها، إذ تتابعت في السنوات القليلة الماضية محاولات أولياء أمور "طرد الأرواح" من أطفالهم، ما تسبب في بعض الحالات بأضرار جسدية للأطفال، وفي بعض الأحيان وفاتهم. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، تمَّ العثور في منطقة يكاتيرينبورغ، على جثة طفل يبلغ من العمر تسع سنوات مكبلاً ومكمماً، ليتضح لاحقاً أنه لقي حتفه خلال محاولة والدته طرد الشياطين منه، بمساعدة سوط وإنجيل. وقبل هذه الحادثة، تسبب والدان بمقتل ابنتهما البالغة من العمر 24 عاماً، بعد أن حاولا تطهيرها من الأرواح الشريرة عبر دوسها بالأقدام.

ولا تقتصر هذه الممارسات على أشخاص وحالات منفردة، بل باتت تقليداً يتبعه الكثير من رجال الكنيسة. وأصبحت جلسات طرد الأرواح الجماعية في الكثير من الكنائس تقليداً أسبوعياً، يتم خلاله علاج مجموعات كبيرة من رواد الكنيسة، وتحريرهم من مختلف الشياطين والعفاريت، مثل "شيطان الخمر" و"عفريت المخدرات" و"روح الإنترنت الشريرة وشياطين الآيفون". كما كان الحال مع الكاهن السابق في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية المثير للجدل، الأب سيرغي رومانوف، الذي ظهر في تسجيل فيديو، وهو يطرد الشياطين من أجساد رواد الكنيسة، ليكتشف أن إحدى المراهقات كان مسكونة بـ "شيطان الآيفون".
وفي حادثةٍ أخرى لافتة، ظهر رجل دين يتبع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في بريدنيستروفيا بمولدوفا، وهو يمتطي شاباً "ممسوساً"، مؤكداً أنّه سيتوجه على ظهره إلى كنيسة القيامة في القدس، لكي يطهر جسده من الشياطين، ما لم يقل "المجد للرب" عن اقتناع، ويكف عن تشكيكه بالدين. في حين كان الشاب يشكو من ثقل جسد الكاهن البدين، ويطالب المحيطين بإنقاذه، متسائلاً "أين حقوق الإنسان وأين الرحمة؟"، من دون أي تأثر على "المؤمنين" الموجودين أثناء الحادثة ومن ضمنهم أطفال صغار.

واللافت أنه رغم التقدم العلمي والتكنولوجي والانفتاح الذي تشهده البلاد، ورغم انخفاض نسبة الروس الذين يؤمنون بالسحر والشياطين والظواهر الخارقة، إلا أن أكثر من ثلث الروس ما يزالون يؤمنون بالسحر والشعوذة والاستحواذ الشيطاني، وفق مسحٍ أجراه مركز عموم روسيا لدراسات الرأي العام، كشف في يوليو/ تموز عام 2019 أن 33 بالمائة من الروس يؤمنون بالظواهر الخارقة بمختلف أنواعها. وفي المقابل، يعتقد خبراء أن مسألة طرد الأرواح الشريرة باتت مألوفة في الثقافة الشعبية في الآونة الأخيرة، بفضل الأفلام الغربية عن الكهنة الكاثوليك. حتى أن هناك رابطة لطاردي الأرواح الشريرة في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وتعقد الدورات والمؤتمرات لهم. في حين أن الخبراء من أكاديمية موسكو اللاهوتية يعتبرون أن ممارسة طرد الأرواح الشريرة أمر غريب على المسيحية الأرثوذكسية.

ولا تقتصر ممارسة طرد الأرواح الشريرة والتخليص من المسّ الشيطاني في روسيا على رجال الكنيسة وأتباعها، بل تنتشر أيضاً بين أتباع الديانات والمعتقدات الأخرى، مثل طارد الجن أبو جعفر من جمهورية داغستان، والذي يعالج الممسوسين بتلاوة آيات قرآنية وأدعية إسلامية، مع ضرب الجن في جسد الممسوس بعصاه. ومعالج آخر من أتباع ديانة الفودو الكاريبية، اشتهر في مدينة سان بطرسبورغ، بطرد العفاريت من أجساد الناس، وذلك بذبح ديك أسود فوق أجسادهم العارية وتلطيخهم بدمائه.

المساهمون