صناعة الأزياء: الموضة على مقاس الاحتلال
استمع إلى الملخص
- تستثمر شركات مثل "نايكي" في مشاريع الطاقة المتجددة الإسرائيلية على أراضٍ مصادرة، مما يعزز السيطرة الإسرائيلية ويُعتبر جزءاً من "الغسل الاستعماري بالأخضر"، حيث تُبنى محطات الطاقة على أراضٍ مهجّرة.
- تُعد "دلتا غليل" لاعباً رئيسياً في صناعة النسيج الإسرائيلية، وتواجه "إتش آند إم" و"زارا" انتقادات بسبب توسعها في إسرائيل، مما يثير حملات مقاطعة عالمية.
منذ سنوات، ينظر إلى صناعة الأزياء باعتبارها قطاعاً يعتمد على الابتكار والجمال، لكن خلف واجهات المتاجر المضيئة تكمن شبكة معقدة من الاستغلال والهيمنة. في الحالة الفلسطينية، يصبح هذا الاستغلال مضاعفاً، إذ تُسخّر الموضة لتثبيت الاحتلال الإسرائيلي وتطبيع جرائمه. تقارير متعدّدة، من بينها شهادات ناشطين وحملات حركة المقاطعة BDS، تكشف أن علامات كبرى مثل "بوما" و"ريبوك" و"نايكي" و"إتش آند إم" و"زارا"، إلى جانب مجموعات فاخرة من قبيل LVMH وشركات تجميل مثل "لوريال" و"إستي لودر"، متورطة بدرجات مختلفة في دعم الاحتلال، سواء عبر رعاية اتحادات رياضية إسرائيلية أو التصنيع في المستوطنات أو الاستثمار في مشاريع الطاقة على الأراضي المسلوبة.
شركات الملابس الرياضية
في مايو/أيار 2023، نشر ناشط بيئي على "إنستغرام" سلسلة فيديو بعنوان "وصفة لكارثة" (Recipe for Disaster)، فضح فيها ممارسات شركات كبرى في التلميع الأخضر واستغلال العمال والبيئة. من خلال فيديو عن شركة بوما، أشار إلى أن العلامة الألمانية كانت الراعي الدولي الرئيسي لاتحاد كرة القدم الإسرائيلي (IFA)، الذي يضم فرقاً متمركزة في مستوطنات غير شرعية في الضفة الغربية المحتلة. "بوما" حاولت الترويج لحملتها الدعائية "أصوات التجديد" على أنها التزام تجاه المتضرّرين من أزمة المناخ، لكنّها تجاهلت عمّالها في مصانع الملابس، واختارت بدلاً من ذلك مؤثرين من أسواقها الاستهلاكية الأساسية. الضغط الفلسطيني والدولي، عبر حملات المقاطعة والتظاهرات، نجح بعد خمس سنوات في إجبار الشركة على إنهاء رعايتها للاتحاد الإسرائيلي في ديسمبر/كانون الأول 2023، فيما وُصف بالنصر "المرّ والحلو" لحركة المقاطعة BDS.
لكنّ انسحاب "بوما" فتح الباب لشركة أميركية أخرى: "ريبوك". ففي مطلع 2024 أعلنت الشركة أنها الراعي الجديد لاتحاد كرة القدم الإسرائيلي، متحدية إدانات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان التي اعتبرت المستوطنات جرائم حرب. مفارقة أن "ريبوك" تملك مجموعة مخصّصة تحت اسم Human Rights Now تزعم فيها التزامها بحقوق الإنسان، بينما رعايتها للاتحاد الإسرائيلي تساهم في شرعنة المستوطنات وتوسّعها. حركة المقاطعة طالبت "ريبوك" بالانسحاب على خطى "أديداس" التي كانت قد أوقفت رعايتها عام 2018، و"بوما" لاحقاً في 2023.
تقرير آخر لموقع !COSH سلط الضوء على شركة نايكي، ليس فقط عبر مصانعها وإنما أيضاً من خلال استثماراتها في مشاريع الطاقة المتجدّدة الإسرائيلية. ففي تقرير استجابة المناخ لعام 2023، اعترفت الشركة بشراء شهادات طاقة متجدّدة (RECs) من إسرائيل، من دون الإفصاح عن مصادرها. ويُحتمل أن تكون هذه الشهادات مرتبطة بمشاريع شمسية ورياح أقيمت على أراضٍ صودرت من الفلسطينيين والسوريين. ففي النقب بُنيت محطات الطاقة الشمسية بعد تهجير 90% من السكان البدو بين 1948 و1953. كثيرون ما زالوا يعيشون في "قرى غير معترف بها" بلا كهرباء أو ماء، فيما تنعم المستوطنات بالخدمات. وفي مايو/أيار 2024 وحده هُدم 47 منزلاً. أما في الجولان السوري المحتل، فمشاريع طاقة الرياح التي توسّع السيطرة الإسرائيلية وتضرّ بالمزارع والحياة البرية، وُصفت بأنها "غسل استعماري بالأخضر". إلى جانب ذلك، تعتمد "نايكي" على "دلتا غليل" أكبر شركة نسيج إسرائيلية، التي تدير مصانع في كرمئيل، وهي مدينة بُنيت عام 1964 على أراضٍ زراعية فلسطينية صودرت من قرية رمية الفلسطينية.
"دلتا غليل": الإمبراطورية الخفية
تُعد "دلتا غليل" Delta Galil لاعباً محورياً في هذه الشبكة، إذ إنها أكبر مصنع تسويق نسيج في إسرائيل وأحد أكبر المنتجين العالميين للملابس الداخلية الخاصة بالعلامات الكبرى. أُدرجت الشركة عام 2020 على قائمة الأمم المتحدة للشركات العاملة في المستوطنات. ومن أبرز عملائها: "أديداس"، و"كالفن كلاين"، و"تومي هيلفيغر"، و"فيكتوريا سيكريت"، و"كونفرس"، و"كولومبيا"، إلى جانب "ديزني" عبر إنتاج ملابس تباع في السوق الإسرائيلية.
"إتش آند أم" و"زارا"
منذ عام 2010، دعت اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة (BNC) إلى مقاطعة عالمية لسلسلة المتاجر السويدية H&M بسبب توسعها في إسرائيل وافتتاحها متجراً في مركز المالحة التجاري في القدس المحتلة، على أرض قرية فلسطينية هُجّرت عام 1948. بالنسبة للفلسطينيين، لا يمثل هذا مجرد نشاط اقتصادي بل مشاركة مباشرة في مشروع استيطاني مستمر. استثمارات H&M جاءت في وقت كانت إسرائيل تكثّف فيه بناء المستوطنات وتشنّ عدواناً جديداً على غزة، وهو ما اعتبره الناشطون تواطؤاً واضحاً مع انتهاكات القانون الدولي، في تناقض مع التزامات الشركة بالميثاق العالمي للأمم المتحدة.
على صعيد آخر، في أواخر 2023، واجهت سلسلة متاجر زارا عاصفة من الغضب بعد حملة تسويقية تضمنت صوراً لأجساد مغلفة بالبلاستيك وسط ديكورات تشبه مناطق حرب. رآها كثيرون استهزاءً بمعاناة غزة. الشركة أزالت الحملة لاحقاً، لكنّها لم تعتذر بوضوح. رئيس فرع "زارا" في الأراضي الفلسطينية المحتلة جوي شويبل استضاف الوزير اليميني المتطرف إيتمار بن غفير في منزله قبل الانتخابات، ما عُدّ مؤشراً على عمق العلاقات السياسية بين الشركة والاستيطان.