صحافيو مصر... إخفاء وتعذيب ومحاكمات عسكرية

صحافيو مصر... إخفاء وتعذيب ومحاكمات عسكرية

05 فبراير 2021
عشرات الصحافيين في السجون ومقار الاحتجاز (شيماء أحمد/الأناضول)
+ الخط -

بعد نحو 75 يوماً من القبض على الصحافي المصري حسين علي أحمد كريم من منزله في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، لا تزال السلطات المصرية تنكر وجوده لديها في أي من أقسام الشرطة أو مقار الاحتجاز. تقدمت أسرته بشكوى إلى نقابة الصحافيين المصريين في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لكن لم تتحرك إلى الآن، بحسب الأسرة.

وحسين علي أحمد كريم ليس وحده، بل إنه واحد في كشف يحتوي على أسماء عشرات الصحافيين والصحافيات في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة هذا العام ومنذ سنوات، لكن الفارق أنّ مصيره لا يزال غامضاً، في انتظار ظهوره في نيابة أمن الدولة كسابقيه.

ففي الخامس من يناير/ كانون الثاني الماضي، اعتقلت قوات الأمن المصرية المصور الصحافي حمدي الزعيم، بعد اقتحام منزله، وظل رهن الاختفاء القسري لمدة 12 يوماً، قبل أن يظهر في نيابة أمن الدولة في التجمع الخامس، ويُحقق معه على ذمة القضية 955 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا.

لكن الظهور في نيابة أمن الدولة العليا لا ينهي مأساة الاختفاء القسري، فهناك مأساة أخرى تتجدد بتدوير الصحافيين على ذمة قضايا جديدة، لضمان استمرار حبسهم لأطول فترة ممكنة، تحايلًا على فترة الحبس الاحتياطي المقدرة بعامين فقط. كما حدث أخيراً مع الصحافي المصري سيد عبداللاه، المعتقل في سجن طرة المزرعة، والذي يعاني منذ اعتقاله واستمرار حبسه  لما يقرب من عام ونصف، بعدما داهمت قوة أمنية منزله في مدينة السويس يوم 22 سبتمبر/ أيلول عام 2019، وألقت القبض عليه وأدرج على ذمة القضية 1338 لسنة 2019. وبعد اعتقال دام لمدة 13 شهراً، استُبدل الحبس الاحتياطى بالتدابير الاحترازية وإخلاء سبيله.

تقوم السلطات المصرية بتدوير الصحافيين على ذمة قضايا جديدة، لضمان استمرار حبسهم لأطول فترة ممكنة، تحايلًا على فترة الحبس الاحتياطي المقدرة بعامين فقط

ويوم 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي رُحل إلى قسم عتاقة تمهيداً لإنهاء إجراءات إخلاء سبيله، ليتعرض للاختفاء القسري لمدة 16 يوماً، قبل أن يظهر مجددا على ذمة قضية أخرى برقم 1106 لسنة 2020، ويحبس 15 يوما على ذمة التحقيقات، باتهامات الانضمام لجماعة إرهابية، ويودع سجن مزرعة طرة مجدداً.

ويعاني في محبسه حالياً من آلام مزمنة في الكلى وأعصاب الأطراف وعرق النسا، إضافة إلى اكتئاب شديد بات ملازماً له، لابتعاده عن أبنائه فترة طويلة، فضلًا عن تعرضه للتعذيب خلال فترة إخفائه قسرياً، حسب أسرته.

هذه المعاناة تماماً كالتي تعيشها أسرة الصحافي المصري عامر عبد المنعم الذي ألقت قوات الأمن المصرية القبض عليه من منزله في 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، واختفى قسرياً، قبل أن يظهر بعد بضعة أيام في نيابة أمن الدولة المصرية التي قررت حبسه 15 يومًا على ذمة التحقيق لاتهامه بـ"نشر أخبار كاذبة ومشاركة جماعة في تحقيق أهدافها".

وعبد المنعم على مشارف الستين من عمره، مريض بالسكري، وكان في فترة نقاهة بعد عملية جراحية لإزالة مياه بيضاء في كلتا عينيه قبل القبض عليه مباشرة. وكان يعمل لسنوات طويلة في صحيفة "الشعب" المصرية، لكنه ترك الصحافة قبل سنوات.

في آخر استغاثة لها نشرت عبر "فيسبوك"، كتبت ابنته "والدي الكاتب الصحافي عامر عبد المنعم اعتقل وتم ترحيله لسجن ليمان طرة بتهمة نشر أخبار كاذبة وتم العرض على النيابة وأخذ 15 يوما ثم تم التجديد له 15 يومًا إضافية في 3 يناير/كانون الثاني الماضي. وقد قمنا بزيارته أخيراً، وكان والدي بحالة سيئة لا يقدر حتى على الكلام، حيث إنه يوجد بعنبر مساحته حوالي 50 مترا مع 39 آخرين، نصفهم من المدخنين، ما أثر سلبا على جهازه التنفسي، علماً أن والدي مريض سكر واحتمالية إصابته بأي عدوى كبيرة جدا". وتابعت ابنته "نحن نتخوف على حياته، حيث إن إدارة السجن ترفض دخول أي من المعقمات والمطهرات رغم حالته الصحية وتكدس المعتقلين في العنبر في ظل جائحة كورونا وسهولة انتشار العدوى. نطالب نقابة الصحافيين وعلى رأسها النقيب ضياء رشوان، بسرعة التدخل للإفراج عن والدي الصحافي مع تقديم بلاغ للنائب العام وإرسال محامي النقابة لمتابعة قضية بابا، وإبلاغ المنظمة المصرية لحقوق الإنسان للتدخل للإفراج عن أبي حفاظا على حياته".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

أما الصحافية المصرية سولافة مجدي، فقد تعرضت أخيرًا للتعذيب والتحرش الجنسي في سجن النساء. إذ وثقت في آخر جلسات تجديد حبسها أنه في مساء يوم 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 جاءت لزنزانتها ثلاث سجانات وأخذنها خارج العنبر، وعصبن عينيها، واصطحبنها إلى غرفة كان فيها شخص مجهول قال لها: "أنا اللي هخرجك من هنا لو سمعتي كلامي، وعايزك تجاوبي على كل الأسئلة اللي هسألها ليك". وأكدت مجدي أنه كان يريد تجنيدها للعمل معه، عبر معاونته بإبلاغه بأسماء أشخاص وطلب معلومات عنهم. وعندما رفضت طلباته، هددها بعدم رؤية ابنها مرة أخرى.

الصحافية المصرية سولافة مجدي تعرضت أخيرًا للتعذيب والتحرش الجنسي في سجن النساء

كما أكدت مجدي أن هذا الشخص تحرش بها. وقالت إنه أثناء ترحيلها من السجن لحضور الجلسة في اليوم نفسه، 19 يناير/ كانون الثاني 2021، سحلت داخل السجن واعتُدي عليها، بداية من ادعاء تفتيشها، إذ أجبرتها السجانة على خلع جميع ملابسها بما في ذلك الملابس الداخلية، في حين سحلها أمين شرطة من غرفة التفتيش حتى عربة الترحيلات.

وعندما زارتها والدتها بعد هذه الواقعة بثمانية أيام، يوم 27 يناير/ كانون الثاني الماضي، وجدتها في حالة إعياء شديدة، وسندتها اثنتان من السجانات من اليمين واليسار حتى تتمكن من الانتقال من عنبرها إلى مكان الزيارة داخل السجن، كما أبلغت والدتها بأنها مصابة بنزيف حاد. وكان قد سبق لسجن القناطر أن كشف قسرياً على الرحم، وأصيبت مجدي بنزيف بسبب هذا الكشف.

وهناك حالات محاكمات عسكرية لصحافيين مصريين، آخرهم الصحافي والباحث المصري أحمد أبو زيد الطنوبي الذي قضت محكمة عسكرية مصرية، مطلع فبراير/ شباط الحالي، بسجنه عشر سنوات، في القضية المعروفة إعلاميًا باسم "اللجان الإعلامية في سيناء".

كانت قوات الأمن المصرية قد عاودت اعتقال أبو زيد بعد إخلاء سبيله في فبراير/شباط عام 2020، ضمن مجموعة أخرى من المتهمين في قضايا سياسية، بعد نحو عام و8 أشهر من الحبس الاحتياطي على ذمة القضية رقم 621 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا التي واجه فيها اتهامات بنشر أخبار كاذبة ومشاركة جماعة إرهابية. وفوجئ المحامون خلال إنهاء إجراءات إخلاء سبيله، بنزوله متهما على ذمة قضية جديدة تحمل رقم 1956 لسنة 2019 حصر أمن دولة، بالاتهامات نفسها، استناداً إلى تحريات الأمن الوطني التي تقول إنه "خلال فترة الاحتجاز أجرى لقاءات واجتماعات مع عناصر أخرى بهدف الإضرار بالأمن القومي".

وثقت "منظمة العفو الدولية" وجود ما لا يقل عن 36 صحافياً محتَجزاً لمجرد ممارستهم عملهم المشروع أو لتعبيرهم عن آرائهم عبر منصاتهم الشخصية

ومنذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى ُسدة الحكم، "قمعت السلطات العمل الصحافي المستقل، وحجبت تعسفاً مئات المواقع الإلكترونية، وداهمت وأغلقت تسع منصات إعلامية على الأقل، واعتقلت العشرات من الصحافيين تعسفاً"، حسب "منظمة العفو الدولية" التي أكدت أنها وثقت وجود ما لا يقل عن 36 صحافياً محتَجزاً لمجرد ممارستهم عملهم المشروع أو لتعبيرهم عن آرائهم عبر منصاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.

المساهمون