استمع إلى الملخص
- تتفاقم الأزمات بسبب فقدان المعدات والضغوط النفسية، لكنهم يواصلون تغطية الجرائم الإسرائيلية رغم المخاطر، واصفين التغطية الحالية بالأطول والأصعب.
- يهدف الاستهداف الإسرائيلي إلى كتم التغطية، لكن الصحافيين يواصلون عملهم في ظروف صعبة لكشف زيف الرواية الإسرائيلية، مما يزيد من استهدافهم.
تتعاظم الأزمات والتحديات التي تواجه الصحافيين الفلسطينيين في قطاع غزة جراء الاستهداف الإسرائيلي المتصاعد منذ بدء العدوان في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي وصل إلى حد حرقهم أحياء لكتم أصواتهم وإغلاق أعينهم التي تنقل صور المجازر بحق أهلهم للعالم. وقتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي 212 صحافياً وعاملاً في المجال الإعلامي منذ بدء حرب الإبادة في غزة، وآخرهم المصورة والكاتبة فاطمة حسونة التي استشهدت هي وعشرة من أفراد عائلتها باستهداف منزلهم الأربعاء.
وتشتد عمليات القصف منذ استئناف العدوان الإسرائيلي على غزة قبل أكثر من شهر، والتي باتت تستهدف الصحافيين مباشرة سواء داخل بيوتهم وخيام النزوح الخاصة بأسرهم، أو خلال مواصلة تغطيتهم الميدانية لحرب الإبادة الجماعية التي تسببت باستشهاد وفقدان وإصابة ما يزيد عن 176 ألف فلسطيني. ومنذ بداية العدوان ظل الصحافيون في قلب الميدان بعد فقدانهم مكاتبهم ومقار عملهم، حيث تقدموا إلى الخطوط الأمامية لنقل الحقيقة للعالم، الأمر الذي جعلهم هدفاً رئيسياً للقوات الإسرائيلية، رغم كل القوانين والمواثيق الدولية التي تحظر استهداف الصحافيين في مناطق النزاع. وعلى الرغم من كون الصحافيين مدنيين محايدين، فإنهم يجدون أنفسهم في مرمى نيران الاحتلال بشكل دائم، على الرغم من الاحتياطات الوقائية البسيطة التي يحاولون اتباعها، عبر ارتداء السترات والخوذ الزرقاء المُميِّزة. وشهد قطاع غزة حالات مروعة استشهد فيها صحافيين بشكل وحشي، إحدى أبشع صور القتل تمثلت في استهدافهم أثناء محاولتهم تغطية الهجمات الجوية، وفي بعض الحالات تعرض الصحافيون لحروق شديدة جراء انفجار قذائف أو صواريخ أصابت مناطق كانت فيها كاميراتهم ومعداتهم، أو تحويلهم إلى أشلاء بعد استهداف مركباتهم المميزة بشارات الصحافة المتعارف عليها دولياً.
وبينما تتفاقم الأزمات التي تواجه الصحافيين، سواء على صعيد الأمن الشخصي لتعرضهم وأسرهم للخطر جراء الاستهداف المباشر، والتحديات التقنية نتيجة فقدان المعدات والإمكانيات، إلا أن التغطية الميدانية ما زالت متواصلة، بهدف كشف الجرائم الإسرائيلية غير المتوقفة. ولم تكن مواصلة التغطية سهلة حيث يتعرض الصحافيون لصدمات نفسية شديدة بسبب مشاهد الدمار والموت التي يعاينونها يومياً، علاوة على أن القلق المستمر على حياتهم وحياة زملائهم وأسرهم يخلق بيئة عمل مشحونة.
"نسأل أنفسنا: من سيكون التالي"؟
يقول مراسل التلفزيون العربي، عبد الله مقداد، إنه قام على مدار مسيرته بتغطية مختلف الحروب والجولات السابقة، إلا أن التغطية للعدوان الإسرائيلي الحالي فيصفها بـ"الأطول والأصعب والأكثر إرهاقاً وخطراً"، فقد امتدت على مدار أكثر من ثمانية عشر شهراً متواصلة من دون استقرار أو أي فرصة لالتقاط الأنفاس. ويبين مقداد، لـ"العربي الجديد"، أن الصحافيين خلال العدوان على غزة يعيشون تحدياً كبيراً يتمثل في عدم وجود خطوط حمراء إسرائيلية في استهدافهم، إلى جانب الضغوط المختلفة المتعلقة بالحياة اليومية والأسرية، كذلك التحديات الخاصة بضعف الإمكانات جراء منع دخول المعدات. ويلفت إلى الضغوط النفسية الهائلة التي يسببها الاستهداف المباشر للصحافيين، ويقول: "عند سماعنا عن استشهاد أي زميل يسأل بعضنا بعضاً من سيكون الزميل التالي، في ظل تواصل مسلسل الاستهداف الإسرائيلي من دون أي رادع أو مراعاة للقوانين المتعلقة بحماية الصحافيين". ويضيف: "رحيل الزملاء كان صعباً، ويؤثر علينا بشكل كبير، ويدفعنا دوماً لوضع أنفسنا في المشهد بعد أن نتخيل ما الذي سيجري لأسرنا في حال استهدافنا"، مشيراً إلى أن الاحتلال يسعى عبر استهداف الصحافيين إلى خلق حالة من الردع، إلا أن ذلك لم يمنعهم عن مواصلة التغطية.
بدوره، يقول الصحافي أسامة الكحلوت إن جيش الاحتلال لم يتوقف عن استهداف الصحافيين منذ اليوم الأول للمقتلة على الرغم من ارتداء كل العلامات المميزة لهم، "وهذا ما بات يشعرنا بالإحباط، لدرجة أننا نخلع تلك السترات أحياناً ليقيننا بعدم جدواها". ويوضح الكحلوت، لـ"العربي الجديد"، أن "الصور التي خرجت من قطاع غزة للمجازر الإسرائيلية والضحايا المدنيين، والتي ساهمت في التأثير على العالم، كانت من أبرز دوافع الاحتلال لاستهداف طواقم الصحافيين وحرقهم داخل خيام التغطية بهدف تغييب الصوت وتحييد الصورة". ويؤكد أن "كل المحاولات الإسرائيلية الخاصة بوقف التغطية ونقل الرواية الفلسطينية إلى العالم باءت بالفشل، حيث تتواصل التغطية على الرغم من تزايد التحديات الخاصة بفقدان المعدات التقنية ومعدات الأمن والسلامة، إيمانا بضرورة نقل الرسالة على أكمل وجه".
من جانبها، تبين مراسلة تلفزيون فلسطين، بيداء معمر، أن الاحتلال يواصل سياسته الممنهجة في الاستهداف المتكرر والمتعمد للصحافيين، إذ استهدف خيام الصحافيين في مستشفى ناصر للمرة الثالثة، ما تسبب بحرق اثنين منهم أحياء. وتهدف المحاولات الإسرائيلية، وفق معمر، إلى طمس الحقيقة وإخفاء الجرائم المقترفة بحق أبناء الشعب الفلسطيني في كل لحظة. وتقول: "عندما يرتقي أحد الزملاء يفكر زميله بأنه هو من سيتم استهدافه في المرة المقبلة". وتوضح مدى صعوبة الواقع المعيشي الذي يمر فيه الصحافيين الموزعين في الشوارع والمستشفيات ويعملون بإمكانات بسيطة في ظل واقع يفتقر إلى أدنى مقومات الحماية، وسط شعور دائم بالقلق على حياتهم وحياة أسرهم. ومع ذلك، فإن "الصحافي الفلسطيني يمارس عمله بنقل رسالة الحقيقة والإنسانية إيماناً منه بقضية شعبه وحقه في الأرض، على الرغم من الجرائم الدموية المتواصلة". وتشدد معمر على أن مشاهد القتل والدماء والشهداء تعتبر الحافز الأكبر لمواصلة التغطية ونقل حقيقة ما يجري على الرغم من المخاطر وضعف الإمكانات، وتضيف: "نتحدى بكل صعوبة وعنفوان الواقع المرير من أجل مواصلة رسالة الأمانة والحقيقة".
أما مراسلة وكالة معاً الإخبارية، فداء حلس، فتوضح أن مشهد استهداف الصحافيين وحرقهم أحياء كان "قاسياً ومرعباً، ويدلل على استخدام الاحتلال لأسلحة حارقة وفتاكة ومحرمة دولياً في مواجهة الصحافيين وغير الصحافيين". وتبين حلس، لـ"العربي الجديد"، أن الصحافيين يعيشون ما يعيشه أبناء شعبهم الذين ترتكب إسرائيل إبادة جماعية بحقهم منذ أكتوبر 2023. وتلفت حلس إلى أن الاستهداف المتكرر للصحافيين بات يخلق هاجساً لدى المواطنين أنفسهم بأن وجودهم يشكل خطراً، إلى جانب أنه قد يخلق لحظة خوف عند الصحافي، سواء على نفسه أو على محيطه. وتؤكد حلس على أن تواصل جرائم الاحتلال يدفع الصحافيين إلى التشبث أكثر في العمل ومواصلة نقل الرسالة، وتقول: "وطنيتنا ومعاناة شعبنا في كل دقيقة وثانية تحتم علينا مواصلة العمل. هذا واجب علينا تجاه ما نعانيه في ظل استمرار القتل والقصف".
إسرائيل تقتل صحافيي غزة للتعتيم على جرائمها
يوضح أمين سر نقابة الصحافيين الفلسطينيين، عاهد فروانة، أن الاستهداف الإسرائيلي المتواصل والمتكرر يهدف إلى كتم التغطية التي تفضح جرائم الاحتلال أمام العالم، حيث مارس الكذب والتضليل منذ اللحظات الأولى للحرب، وكان يريد لروايته التي صدقها عدد من دول وقادة العالم أن تكون المسيطرة. ويشير فروانة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الجهود الجبارة التي قام بها الصحافي الفلسطيني ساهمت في كشف زيف الرواية الإسرائيلية، الأمر الذي لم يعجب الاحتلال الذي شرع في استهداف الصحافيين بشكل غير مسبوق، وتسبب باستشهاد هذا العدد الكبير من الصحافيين خلال الحرب". ويبين أن الاحتلال تعمد خلال الحرب قتل الصحافيين واعتقالهم وتدمير مقار عملهم واستهداف بيوتهم وعوائلهم ومكاتبهم ومنع دخول المعدات وقطع الإنترنت والكهرباء والاتصالات، بهدف إرهابهم وثنيهم عن مواصلة التغطية. ويشدد أمين سر النقابة على أن الممارسات الإسرائيلية دفعت الصحافيين إلى العمل في ظروف غير مريحة من داخل المستشفيات والخيام، في ظل نقص الوقود الذي يحد من حركة مركباتهم ويجبرهم على السبر لمسافات طويلة. ويلفت إلى أن الصحافيين يمتلكون القدرة على تحمل الظروف الراهنة على الرغم من صعوبتها وقساوتها، وتكييفها لإيصال رسالة شعبهم للعالم بعدة لغات، وإبقاء الرواية الفلسطينية حاضرة.