صحافيو القدس يواجهون خطط الاحتلال لخنق الحقيقة

صحافيو القدس يواجهون خطط الاحتلال لخنق الحقيقة

القدس المحتلة

محمد محسن

محمد محسن
14 يونيو 2021
+ الخط -

 

لم يكن الاعتداء الأخير الذي تعرضت له مراسلة قناة "الجزيرة" في الأراضي الفلسطينية، جيفارا البديري، ومصور القناة نفسها نبيل مزّاوي، حدثاً شاذاً، بل هو نهج مستمر ومتواصل يعتنقه الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً في حيّ الشيخ جراح في مدينة القدس المحتلة، وفي نقاط المواجهة والصدام المتكرر في مناطق أخرى، سواء في باب العمود، أو في بلدة سلوان.

وثّق ناشطون معظم الاعتداءات والانتهاكات بحق الصحافيين، كما يقول لـ "العربي الجديد" المصور الصحافي الشاب، إبراهيم السنجلاوي، الذي تعرّض بدوره لاعتداء متكرر من قبل قوات الاحتلال، سواء في الشيخ جراح، أو في البلدة القديمة من القدس والمسجد الأقصى. ويأمل السنجلاوي أن تشكل قائمة التوثيقات بهذه الاعتداءات مادة مهمة لتضمينها في أيّ دعاوى مستقبلية ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين تكررت اعتداءاتهم على صحافيين محليين وآخرين من وكالات عالمية.

ومن بين تلك الوقائع اعتداء قوات الاحتلال على مراسل شبكة "سي أن أن" الأميركية بن ويدمان، وزميل له، في حيّ الشيخ جراح، وحتى الاعتداء على أعضاء كنيست من اليسار الإٍسرائيلي، مناوئين لسياسات الاحتلال.

وفي هذا السياق، تقول مراسلة وكالة "معاً" الإخبارية المحلية في القدس، ميسة أبو غزالة، إنّها تعرضت لإصابة مباشرة ومتعمدة بقنبلتين صوتيتين في العاشر من مايو/ أيار الماضي، خلال تغطيتها اقتحام قوات الاحتلال باحات المسجد الأقصى، وطاول الاستهداف نفسه زميلات أخريات كنّ معها، رغم ارتدائهن سترة تشير إلى طبيعة عملهن. وتضيف أبو غزالة في حديثها إلى "العربي الجديد": "كنت مع مجموعة من الصحافيين و4 مسعفين بزيهم الخاص على سطح مسجد قبة الصخرة في الحرم القدسي، فاقتحمت فرقة من جنود الاحتلال المكان، وأبعدتنا عنه. وخلال سيرنا لاتخاذ مكان آمن والابتعاد عن الجنود، ألقوا القنابل الصوتية بكثافة في اتجاهنا ومن مسافة قريبة، أصابت واحدة منها منطقة الركبة عندي، فيما أصابت ثانية منطقة الصدر".

وتشير إلى أنّها واصلت المشي رغم الألم هرباً من القنابل، ولم تتمكن من الوصول إلى عيادة الأقصى لوجود مجموعة من جنود الاحتلال عند المخفر كانت تطلق الأعيرة المطاطية. وتوضح: "تمكنت من الوصول إلى إحدى الغرف، وحضر مسعف إلى المكان، وساعد الزميلات في تقديم العلاج الأولي لي، إذ تبينت إصابتي بحروق ورضوض، وبقيت في الأقصى حتى ساعات الظهيرة، وبعد انسحاب قوات الاحتلال توجهت إلى المركز الصحي لعلاج الإصابة التي أثرت بعملي الميداني لعدم القدرة على المشي والحركة نحو أسبوعين". 

المصورة الصحافية المقدسية، لطيفة عبد اللطيف، تعرضت لاعتداء بالضرب من قبل جنود الاحتلال الذين حاولوا نزع حجابها، فيما تمكنت من توثيق الاعتداء عليها وعلى عدد من الشبان الذين حاولوا الدفاع عنها. تقول عبد اللطيف لـ"العربي الجديد" إنّ هذه الاعتداءات لم تسلم منها زميلاتها أيضاً "إذ لا يريد الاحتلال نقل انتهاكاته للعالم وتصوير همجيته في التعامل مع المدنيين الفلسطينيين ووسائل الإعلام".

ووقع صحافيون آخرون ضحية شكل آخر من الاستهداف بضربهم بعنف ووحشية من قبل قوات الاحتلال، كما حدث مع جيفارا البديري، ومن قبلها ما تعرضت له زينة الحلواني، ووهبي مكية، اللذان يعملان في قناة "الكوفية" الفضائية من سحل واعتداء بالضرب بأعقاب البنادق، تلاهما اعتقال لأيام، وتقديمهما للمحاكمة، قبل إطلاق سراحهما، لكن مع الإبعاد عن حيّ الشيخ جراح لشهر كامل.

يعزو كثير من الصحافيين ارتفاع وتيرة استهدافهم وتعمد عرقلة عملهم إلى النجاح الكبير الذي حققته تغطيتهم لما يجري في الشيخ جراح، وتدويل قضية محاولة تهجير أهله، إلى جانب محاولات تهجير أهالي حيَّي بطن الهوى والبستان في بلدة سلوان، جنوبي المسجد الأٌقصى. تقول الصحافية مرام البخاري، التي تعرضت، الأسبوع الماضي، للقمع مع عدد من زميلاتها خلال تغطيتها الأحداث في القدس، خلال حديثها لـ"العربي الجديد" إنّ قوات الاحتلال ترمي عبر استهدافها الصحافيين إلى ترهيبهم، والضغط عليهم لعدم تغطية اعتداءاتها على المواطنين المتضامنين والمعتصمين، سواء في الشيخ جراح، أو في باب العمود. ويشاركها في الرأي وهبي مكية، الذي يقول لـ"العربي الجديد" إنّ الاستهداف "عرقل في الغالب عملنا ومنعنا من نقل صورة ما يجري من انتهاكات من قبل الاحتلال".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

 وبالإضافة إلى الاستهداف المباشر للصحافيين بالضرب وإطلاق الرصاص المطاطي وقنابل الغاز باتجاههم، بات الاحتلال يضع عراقيل أمام مزاولتهم عملهم، من خلال رفضه الاعتراف ببطاقة الصحافة الدولية أو تلك الصادرة عن نقابة الصحافيين، مشترطاً فقط حيازة بطاقة الصحافة الإسرائيلية الصادرة عن بيت الصحافة الحكومي (بيت أغرون) الإسرائيلي. وترمي قوات الاحتلال من وراء ذلك - كما تقول الصحافية مرام البخاري - إلى إبعاد الصحافيين المحليين عن نقاط المواجهة الساخنة، فيما ليس هناك ما يمكن أن يفعله هؤلاء الصحافيون لمواجهة هذا الاستهداف الإسرائيلي بحقهم. 

يبدو أنّ تلك الاعتداءات دفعت بشبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية إلى أن تعرب أخيراً عن قلقها لتصاعد الاعتداءات التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الصحافيين الفلسطينيين والعاملين في المؤسسات الإعلامية، مؤكدة أنّ هذه الاعتداءات أخذت منحىً خطيراً خلال الفترة القريبة الماضية. ويقول "المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان" (غير حكومي) إنّ "تصاعد الاعتداءات على الصحافيين خلال عام 2021، يجعل قوات الاحتلال العدو الأول للصحافة خلال العام، خصوصاً في مدينة القدس". ويؤكد المركز أنّ استهداف الصحافيين يشكل جريمة منظمة لإخراس صوت الصحافة، ولمنعها من تغطية ما تقترفه قوات الاحتلال من جرائم بحق المدنيين في الأرض الفلسطينية المحتلة.

 واستناداً إلى ما وثقته مجموعة من الصحافيين من اعتداءات بحقهم، يقول هؤلاء إن ما لديهم من توثيقات ليست نهائية، إذ يجري التعرض يومياً للصحافيين، وبعضهم يتعرض لانتهاك أكثر من مرة، لكنّ قائمة الاعتداءات لديهم تشمل نحو 40 صحافياً. وبينما تقف نقابة الصحافيين الفلسطينيين بلا حول ولا قوة أمام الاستهداف الإسرائيلي الممنهج ضد الصحافيين الفلسطينيين في القدس، بمن فيهم حملة بطاقتها الصحافية، تشير تقارير النقابة إلى عدد كبير من الاعتداءات سجلت خلال الهبّة الأخيرة، تمثلت بـ44 حالة منع من التغطية لأفراد وطواقم إعلامية.

ووثقت نقابة الصحافيين 35 اعتداءً بالضرب، و32 حالة اختناق بالغاز السام، و31 إصابة بالرصاص المعدني والحي، و22 إصابة مباشرة بالجسد بقنابل الصوت والغاز، و12 اعتقالاً، وأشكالاً أخرى من الاعتداءات، مثل الإبعاد عن العمل في محيط الأقصى والشيخ جراح، والتهديد والمحاكم والغرامات، ومصادرة المعدات وتحطيمها، والرش بالمياه العادمة، وغيرها.

ذات صلة

الصورة
مجمع الشفاء الطبي في شمال قطاع غزة بعد تدميره - 16 إبريل 2024 (حمزة قريقع/ الأناضول)

مجتمع

حذّرت وزارة الصحة في قطاع غزة من أنّ أكثر من 730 ألف فلسطيني في شمال القطاع يفتقرون إلى خدمات صحية حقيقية، وسط الحرب الإسرائيلية المتواصلة لليوم 195.
الصورة
 (لا تكنولوجيا للأبارتهايد/إكس)

منوعات

اعتقل عدد من موظفي شركة غوغل مساء الثلاثاء، من مكتبيها في نيويورك وسانيفيل (كاليفورنيا)، بعد تنظيمهم اعتصامات للاحتجاج على تعاونها مع الحكومة الإسرائيلية.
الصورة
فرحة الحصول على الخبز (محمد الحجار)

مجتمع

للمرة الأولى منذ أشهر، وفي ظل الحصار والإبادة والتجويع التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي على شمال قطاع غزة، تناول أهالي الشمال الخبز وشعر الأطفال بالشبع.
الصورة

سياسة

رغم مرور عشرة أيام على استشهاد الأسير وليد دقة (62 عاماً) تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي احتجاز جثمانه، متجاهلة مناشدات عائلته.

المساهمون