صحافيون يمنيون في المنفى: صوتهم لا يغيب

اليمن صحافة (عبدالناصر الصديق/الأناضول)
21 سبتمبر 2020
+ الخط -

ما حصل بعد الواحد والعشرين من سبتمبر/ أيلول 2014 في اليمن ليس كما قبله. تغيّرت حيوات كثير من أهل الصحافة والإعلام، إذ لم تعد المساحة صالحة للعيش بحريّة، فغادروا البلاد واجتهدوا لبناء حياة جديدة.
فجر 21 سبتمبر/ أيلول 2014 اجتاحت جماعة أنصار الله (الحوثيين) العاصمة اليمنيّة صنعاء بمساعدة من قوّات الرئيس الراحل علي عبد الله صالح. وهو الذي كان يسيطر على المناطق الشمالية حتّى بعد إعلانه التخلّي عن السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي. مرّت الأيام وقتلت الجماعة صالح، فصارت المناطق الشمالية تحت سيطرتها. من يومها، تبدّل كل شيء في جغرافية الحياة الإعلامية اليمنية، حيث صارت ناطقة بلون واحد، هو صوت جبهتها، وأيّ صوت مُغاير يُعتبر صوتاً مناهضاً لـ "ثورتهم" ومُسانداً لـ"العدوان". 
على هذا، غادر صحافيون كثر العاصمة صنعاء، وانتقلوا للحياة في غير مكان، إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة غيرهم أو إلى بلاد عربية وأجنبية أُخرى. فيما بقي آخرون في العاصمة صنعاء، منهم من بقي في بيته بلا عمل، ومنهم من اضطر إلى الذهاب والعمل في الصحافة التابعة لأنصار الله.
هنا، نستعرض شهادات لبعض من الإعلاميين الذين تركوا صنعاء وذهبوا لصناعة حياة جديدة لهم. 

"حين استحكم اليأس فينا بعد نكبة 21 سبتمبر، لم نستسلم له كلياً، فحاولنا الخلاص عبر مكافحته ومن جاؤوا به، وبالعمل من داخل صنعاء، لكننا لم نفلح في النهاية"، يقول الصحافي صدام أبو عاصم في شهادته لـ"العربي الجديد". من يومها بدأت رحلة البحث عن فرصة لمغادرة الوطن الذي عشقه، فجاء بها يوليو/ تموز 2015. وبمساعدة أصدقاء، خرج من اليمن إلى الرياض، ولم يستقر فيها طويلاً. ويقول: "ربما لأنها لم تناسب طموحي المهني ولا تتسق ونبض الضمير والصوت المستقل وسط التزلف وهدير آلات الحرب".
في ديسمبر/ كانون الأول 2015 استقر به الحال في سويسرا لاجئاً، وهناك بدأت رحلة أُخرى في استعادة التوازن الذهني والروحي كي يواصل مشوار الحياة المهنية السليمة في خدمة "مجتمعي وبلدي". وفي سويسرا شرع أبو عاصم بتعلم لغة البلد المستضيف، ولا يزال إلى اليوم، وبدأ على نحو فردي بالتواصل مع المنظمات ووسائل الإعلام والمهتمين من أجل إيصال صوت الناس العاديين في اليمن. يقول في حديثه لـ"العربي الجديد" إن "الكثير هنا لا يعلم شيئاً عن سلب الحرب لحقّ اليمنيين في الحياة، وثمة صورة مغلوطة أيضاً عمّا يدور في بلد حضاري ومتجذر ينشد أهله الخير والسلام مع الجميع". 
يروي أبو عاصم كيف أنه بدأ بقيادة زوار متحف بيرن التاريخي - متحف إينشتاين - وبشكل أسبوعي منظم إلى جنبات المتحف، محدثاً إياهم عن اليمن وحضارته وطبيعته وتاريخه ومستقبله. ويقول: "أحياناً نشعر بالعجز، بأننا لا نقوى على فعل شيء كثير لأجل اليمن، وخصوصاً مع تدهور الأوضاع الإنسانية يوماً عن آخر منذ بداية الحرب، لكن التزامي كصحافى تجاه اليمن يكمن في إيضاح الصورة المغلوطة عنه، وإظهار الجانب المضيء والمشرق للبلد العريق. لفت انتباه العالم إلى اليمن ومأساته، جزء من العمل والضغط للوصول إلى عملية سلام دائمة في اليمن".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

بعد دخول الحوثيين صنعاء بعدة أشهر، باعت إحدى صديقات الصحافية والإعلامية في القناة الفضائية اليمنية أبها عقيل، محل كوافير كانت تملكه، منطلقةً هي وزوجها برحلة بحث عن عمل في إحدى دول الخليج. تقول لـ"العربي الجديد": "وقتها حاولت ثنيها وإقناعها بالبقاء في البلد، عسى أن تصطلح الأحوال، لكنها أجابتني، قائلة: بلادنا ببداية تدمير مجتمعي، ولم تعد صالحة لتربية أطفالي وتعليمهم. شعرتُ حينها بالسخط والغضب "فنحن المجتمع ونحن أقوى من التدمير. لكن بعد ثلاث سنوات أدركت بُعْدَ نظرها. فأنا كأم، جلّ ما يهمني تعليم أطفالي في بيئة تجعلهم يتقبلون التعليم والتغيير، وهذا أصبح شبه المستحيل في اليمن، فالطالب ما بين مدارس مهدمة أو مدارس خاصة مملوكة، ولو جزئياً، لقادة الحروب". وتضيف أن "مصر كانت وجهتها، فمصر بساطها أحمدي تقبل الجميع في حاراتها ومستشفياتها، وكذلك مدارسها بلا تعقيدات، بل فاجأتنا بقرار أن يعامل اليمني والسوري معاملة المصري في التعليم والصحة، رغم صعوبة العيش فيها، وكذلك صعوبة أو استحالة البحث عن عمل فيها، لكن لكل مهاجر هدف، وأهمية تعليم أطفالي التعليم اللائق هي إكسير بقائي في مصر". هناك عملت عقيل في بعض المشاريع الإعلامية اليمنية التي لم تكتمل، إلى أن وصلت للعمل في موقع إلكتروني متخصص في الأخبار اليمنية. 

أما الناشط الإعلامي عبد الواحد عوبل، فكانت وجهته العاصمة الماليزية كوالالمبور. فبعد أن احتل الحوثيون صنعاء في يوم 21 سبتمبر، احتلت في اليوم التالي مجموعة مسلحين بقيادة محمد علي الحوثي الشركة الحكومية التي كان يعمل فيها، وتعرض لاعتداء بالضرب من قبل مرافقي الحوثي. وطُردَت إدارة الشركة السابقة وأُتيَ بمدير تابع للحوثيين. في حديث مع "العربي الجديد"، يقول العوبلي إنه أُبعِد من وظيفته وجُرِّد من مستحقاته. "حاولت التعايش مع الوضع، ولكن لم أستطع. حتى جاء يوم بداية "عاصفة الحزم" يوم 26 مارس/ آذار 2015. اليوم التالي كان مختلفاً جذرياً، لأن الحوثيين بدأوا بفرز الناس وتصنيفهم حسب معاييرهم، "بعد فترة بسيطة قطع الحوثيون راتبي، وبعثوا برسائل وتهديدات إلي بأني من أنصار العدوان، الأمر الذي اضطرني إلى بيع ما أملك للتمكن من شراء تذكرة سفر ومغادرة البلد بعد انتظار حجز طيران لأكثر من شهرين، وأتمكن بعدها من السفر والوصول إلى وجهتي بعد أكثر من 48 ساعة ما بين طيران وترانزيت في أكثر من دولة والاضطرار إلى الانتظار داخل المطارات لعدم تمكننا من دخول دول كانت متاحة لنا في السابق". 
ويواصل العوبلي المتخصص في الشأن النفطي حديثه قائلاً: "بعد خمس سنوات من الشتات، ما زلنا نحاول البدء من جديد، ولم نتمكن بعد في ظل ظروف صعبة والتزامات مادية وأسرية في اليمن، ما يشكل أعباءً تعوق تحقيق أي تقدم". ويضيف: "الجدير بالذكر أن خلال الخمس سنوات الماضية حدث الكثير من التحولات والانقلابات، والانقلابات على الانقلابات، وتغيير في المواقف واكتشاف سيناريوهات وخطط جميعها لا تصبّ في مصلحة الشعب اليمني، الأمر الذي زادت معه الظروف تعقيداً وصعوبة على من هم داخل البلد، وأصبح لزاماً علينا في الخارج أن نعمل على فضح الفساد وتجار الحروب الذين يقتاتون على استمرار الحرب". ويقول العوبلي: "لجأت إلى الكتابة مرة أُخرى عن تجاوزات مليشيا الحوثي ونهبها لأموال الدولة وإيراداتها، بالإضافة إلى المنظمات الأممية المتواطئة مع المليشيا والحريصة على استمرار الحرب. وكان من الضروري فضح تورط قيادات في الشرعية بنهب إيرادات الدولة واستغلال النفوذ والتماهي مع المليشيا الانقلابية في الشمال أو الجنوب".

المساهمون