استمع إلى الملخص
- "Monster's Fall" يحاول كشف النظام الذي سمح لديدي بالاستمرار في جرائمه، لكنه يفشل في تقديم تحليل عميق، ويظهر كيف أن ديدي كان نتاجاً لبيئة غذّتها المنظومة الإعلامية والقانونية.
- كلا الفيلمين يعكسان كيف تخلق الثقافة الأمريكية أبطالاً ثم تدمرهم، مسلطين الضوء على التناقض بين الصورة العامة والواقع.
في أساطير الشعوب غالباً ما يبدأ الشيطان ملاكاً له حظوة وفرادة في السماوات العليا، ويمتلك الجمال والقوة، ثم يدفعه كبرياؤه إلى التمرد، وينتهي منبوذاً في الجحيم. قصة شون كومز ليست مجرد سيرة مغنّي هيب هوب تحوّل إلى مجرم، بل هي انعكاس لماهية الشيطان في عصرنا الحديث. بتوصيفٍ آخر، ملاك الموسيقى الذي اختار أن يصبح شيطاناً.
الفيلمان الوثائقيان الصادران أخيراً، Diddy Monster's Fall وDiddy: The Making of a Bad Boy، يحاولان تتبع مسار هذا التحوّل، لكنهما يقدمان روايتين مختلفتين بمعالجتين تقليديتين، فيركّز الأول على البناء الدرامي للأسطورة من صعود إلى الذروة ثم انهيار، بينما الثاني يركّز على تفكيكها. المشترك بينهما هو المفهوم الشعبي الشهير "أميركا تصنع أبطالها ثم تدفنهم". هذه العبارة مفصلة تماماً على مقاس شون "ديدي" كومز: تحوُّله من نجم الهيب هوب الملقب بافي إلى الشيطان المُتّهم بالاتجار بالبشر. لم يكن ذلك سقوطاً تراجيدياً فردياً، بل نتيجة حتمية لثقافةٍ تخلط بين النجاح والإفلات من العقاب.
الإشارة الأولى إلى شخصية شون ديدي كومز العدوانيّة كانت في The Making of a Bad Boy. هناك حادثة وقعت عام 1991 قُتل فيها تسعة شباب، وذلك في حفلة مزدحمة كان هو المروج لها. هذه الحادثة لم تُوقف صعوده، بل زادته شهرةً. التسويات المالية مع عائلات الضحايا تُقدَّم للجمهور كتفاصيل عابرة، بينما هي في الحقيقة أول تدريب لشون كومز على أسلوبه في شراء الصمت والتنازل. يُقترَح شون كومز بوصفه مثالاً أعلى على العصاميّة، يتيماً يتحدّى الصعوبات بشجاعة، أسّس إمبراطورية "باد بوي" الموسيقيّة وأصبح رمزاً لذوي البشرة السوداء. هذه الرواية مليئة بالفراغ العاطفي بسبب مقتل الأب، وتتناسى أن الإمبراطورية بُنيت على جثث الضعفاء، ولا تقدّم حفلات الأم الماجنة والانتماء إلى عصابات الشوارع كمفاتيح لفهم تحوّله إلى شخصيةٍ عدوانية، وتتجاهل تحقيقات استمرت لسنوات حول اتهامات بالاغتصاب والعنف، وتقدّمه لنا ضحيةً للظروف، بينما الضحايا الحقيقيون يتحولون إلى هوامش في سرديّة صناعة النجم.
الفيلم الثاني، Monster's Fall، يحاول فضح هذه الآلية، لكنه يفشل بسبب اعتماده على المقاطع الإعلامية بدلاً من البحث والتنقيب. لقطات اعتقال "ديدي" في منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي والفيديوهات المسربة تخلق إحساساً بالعدالة السريعة، لكنها تخفي حقيقة أن الاتهامات كانت تخرج إلى العلن منذ عقود. ما تغيّر ببساطة هو أن ديدي لم يعد قادراً على تحمل الكلفة، حاول الفيلم أن يظهر كيف أن الوحش لم يولد من العدم، بل في بيئة خصبة، غذّته المنظومة الإعلامية والقانونية ورأت في سمعته مصدراً للربح. أيضاً، كسر الفيلم الصورة الرومانسية ولم يهتم بطفولة ديدي بقدر ما رصد تراكم جرائمه، وأشهرها فيديو الاعتداء على كاسي فينتورا الذي كشف وحشيته للعلن. المونتاج السريع للقطات الإخبارية ولحظات الاعتقال يعكس فوضى القضية نفسها ويفشل في تقديم تحليلٍ عميق لكيفية تحوّل الفتى الذهبي إلى شيطان منبوذ.
المقارنة بين العملين تكشف تناقضاً صارخاً؛ فالأول يروي قصة صعود ملاكٍ معذّب إلى مصاف الآلهة، والثاني يسرد سقوط شيطانٍ إلى قعر الجحيم، وكلاهما يتشارك في الاعتماد على مفاجأة المشاهد وإثارته بالأحداث وتقديم التشويق الرخيص أو ما نسميه كشف المستور. مقارنة أخرى حاضرة أيضاً، الفيلم الأول يستخدم شهادات الضحايا خلفيةً دراميّة، بينما الفيلم الثاني يحوّلها إلى أرقام في قضية جنائية، ولا أحد يسأل لماذا استغرق الأمر ثلاثة عقود لسماع هذه الأصوات. الإجابة تكمن في نظامٍ سمح لجرائمه بالاستمرار وكيف يكافئ النظام الأميركي الانتشار الإعلامي حتى لو كان مبنياً على اتهامات بالاغتصاب الجماعي.
من حفلات هامبتونز حيث كان دونالد ترامب ضيفاً، إلى صفقات التسويات المالية التي أخفت جرائم الاغتصاب والعنف، نتعلم أن قصة شون كومز ليست عن شيطانٍ سقط، بل عن أميركا ووحوشها المدللة. نرى كيف تخلق الرأسمالية أبطالاً مزيفين ثم تضحي بهم على مذبح زيادة نسب المشاهدات، الخيط الذي يبدأ من العنف اللفظي ويصل إلى الاغتصاب الجماعي ليس مجرد شرّ فردي، بل هو ثقافةٌ كاملة تبيع الوهم ثم تعاقب من يصدّقه. الشيطان الحقيقي هنا ليس رجلاً، بل نظاماً يكتب الفصل الأخير من مأساةٍ كان قد بدأ بتأليفها وحده.