سوار في الكاحل لمكافحة العنف الزوجي

سوار في الكاحل لمكافحة العنف الزوجي

26 أكتوبر 2020
ينقل مركز القلق والتوتر من المرأة إلى الرجل (آلان جوكارد/ فرانس برس)
+ الخط -

ما زالت فرنسا تواجه مشكلة العنف ضد النساء من قبل أزواجهن او أصدقائهن. العام الماضي، 146 امرأة قُتلت لذات السبب، وهو العنف من قبل الشركاء. وبالرغم من القوانين التي تنتصر للمرأة ومراكز الإيواء، إلا أن التهديد دائم، وخصوصاً أن الإجراءات القضائيّة والجزائيّة، لا تعوق حركة المتهم، بل على العكس تهدّد المرأة المعنَّفة نفسها التي يتحول الخارج بالنسبة إليها إلى تهديد بالضرب أو القتل، فالأوامر القضائيّة الخاصة بالابتعاد أو عدم الاقتراب، قائمة على إطاعة هذا الأمر من قبل المتهم أو الجاني، دون إمكانية تطبيقها فعلاً. 

لمواجهة هذه المشكلة، ومنذ العام الماضي، بدأت فرنسا كما إسبانيا قبلها، بتطبيق ما يُسمّى "سوار منع الاقتراب"، وهي وسيلة لحماية النساء اللاتي أصدرن أوامر قضائية بعدم الاقتراب ضد شركائهم. السوار يوضع في قدم المعتدي، وتزوّد المرأة بجهاز تبقيه معها، وفي حال اختراق المعتدي للمساحة المحددة قانونياً، تُنبَّه المرأة مباشرة، ثم تُعلَم الشرطة التي تتواصل مع حامل السوار لتغيير طريقه أو مساره. وإن لم يقم بذلك، تتدخل دورية قريبة للحد من اقترابه. السوار سيطبَّق استخدامه حالياً في 5 محافظات فرنسيّة، وفي نهاية العام سيعمَّم على الأراضي الفرنسيّة كافة. 

ما يقوم به هذا الجهاز هو نقل مركز القلق والتوتر من المرأة إلى الرجل، فحين الاستماع إلى شهادات النساء المعنَّفات، نتلمس القلق والخوف الذي ينتابهن في أثناء الحركة في الفضاء العام، إذ يتجنبن بعض الأماكن والشوارع خوفاً من أن يظهرالمعتدي  أو يتسلل، في حين أنه يتحرك بحريّة يتسلل ويراقب إن افترضنا سوء النيّة، أي أن مسؤولية تجنبه كانت تقع على المرأة المهددة دوماً والمعرّضة للخطر. أما الآن، فمن يرتدِ السوار، تقع عليه مسؤولية الحذر والتمهل وضبط تحركاته، لكون الاقتراب من الضحيّة سيجعله تحت عين الشرطة والملاحقة دوماً. وهذه المقاربة أثبتت نجاحها في إسبانيا، ومنذ عام 2009، لم تقتل امرأة من قبل رجل تراقبه الشرطة عبر هذا السوار. 

السوار حسب ما عرفه غيوم أراندال مدير المشروع هو: "جهاز مراقبة إلكترونيّ يسمح بتحديد مكان شخصٍ يجب حمايته من خطر حقيقي أو مفترض، يمكن أو يوقعه عليه شريك منزلي"، تعريف الجهاز يبدو مرعباً، خصوصاً أنه فعّال في 98% من الأراضي الفرنسيّة، وفي الأماكن التي قد تتعطل فيها الإشارة هناك شبكة أخرى تفعّل، خصوصاً أن فقدان الإشارة يعني أن المشتبه فيه يحاول الهرب أو تعطيل الجهاز، ما يستدعي أيضاً تدخل السلطات. ويشير غيوم إلى أن استخدامه سيكون في حالات العنف المنزلي الشديد، ويمكن تطبيقه من قبل المحاكم الجزائية أو المدنيّة، وفي الحالات المدنيّة يُوضَع بموافقة الطرفين، وفي حال رفض الرجل ذلك، تنتقل القضية إلى المحكمة الجزائيّة، وهناك يمكن القاضي أن يقرر حتى قبل الإدانة. 

هذا التدخل من قبل السلطة في جسد مواطنيها العنيفين أو المتهمين بالعنف، يحرك متخيلاً ديستوبياً، ولا نحاول هنا أن نقلل من قيمة هذه الجرائم، لكن في الوقت الذي يفتضح فيه المتحرشون والعنيفون، كان القرار السيادي بوضعهم تحت المراقبة، وربط جريمتهم بضحية واحدة وهي "الشريكة السابقة"، في محاولة لجعل الجريمة فرديّة، دون تواطؤ ثقافي وسياسي على جعلها غير مرئيّة. لكن ماذا لو كان العنيف يمارس ما يمارسه ضد كل شريكة له، لا فقط واحدة، أي ماذا لو كان الأمر نسقاً؟ هل يزداد عدد النساء الممنوع عليه الاقتراب منهن؟ ما نحاول قوله أن هذا النوع من الجرائم ليس فردياً ولا استثنائياً، بل هو نتاج ثقافة ذكوريّة، مراقبة الجاني نعم تنقذ حياة الكثيرين، لكنها أيضاً تترك أخريات مهددات من ذات الشخص. 

المساهمون