استمع إلى الملخص
- أظهرت المكتشفات الأثرية ثروة من المقتنيات مثل حُلي النحاس والفضة، وخرزات ملونة، وتمائم الإله المصري بِس، مما يشير إلى استخدام الموقع كمقبرة على طريق القوافل التجارية.
- تعتبر المقبرة "غامضة" لعدم وجود قرية قريبة، لكن يُرجح أن الرفات تعود لتجار من الجنوب العربي، مما يعزز فهم الديناميكية الحضارية والاقتصادية في المنطقة.
كشفت حفريات أثرية أجرتها سلطة آثار الاحتلال الإسرائيلي في مفترق طلليم، جنوبي مدينة بئر السبع، في صحراء النقب المحتلة، عن مقبرة عمرها 2500 عام تضم رفاتاً لقوافل تجارية مرّت في فلسطين سابقاً، من ضمنها قوافل من اليمن وفينيقيا ومصر.
إلى جانب الرُفات البشرية المدفونة، عثر الحفّارون وعلماء الآثار على أغراضٍ عدّة، من بينها رؤوس سهام يمنية نادرة. وطبقاً للباحثين الإسرائيليين، فإن المقبرة تُشكل دليلاً على الحركة التجارية التي شهدتها منطقة النقب في بادية فلسطين المحتلة، ومن ضمنها القوافل التي كانت تصل من منطقة جغرافية بعيدة كاليمن.
ونقلت صحيفة يسرائيل هيوم عن المتخصص في الأدوات الصوّانية يعكوف باردي قوله إنه "وجدت مجموعة كبيرة غير مألوفة لحجارة الصّوّان في الموقع، وهي غير موجودة في مكان آخر داخل البلاد، والمكان الوحيد الذي توجد فيه هو اليمن وعُمان"، حيث تشتهر اليمن بهذه الحجارة التي استخدمت تاريخياً في صناعة رؤوس السهام.
وبحسب العالِم، فإنه في "جزء من المقتنيات عُثر على المُغْرَة"، وهو حجر كانت تُستخرج منه مادة معيّنة استخدمتها الحضارات القديمة في طلاء الأجسام باللون الأحمر كترميز للدم، وبعد ذلك استخدمته الحضارات اللاحقة لأهداف أخرى، من بينها صبغ القماش وغيره. كما أشار باردي إلى أن "استخدام المُغرَة لطلاء أغراض معيّنة وتلوينها كان يدل على أنها أغراض مهمة وذات قيمة دينية أو شعائرية".
وفق ادعاء مديري عمليات الحفر والتنقيب، فإن المقبرة المكتشفة "غير مألوفة"، وتشكل دليلاً على العلاقات الواسعة بين الحضارات الجنوبية والشمالية العربية، وفينيقيا، ومصر، وجنوب أوروبا.
وأضاف المدراء: "في جزءي المقبرة المكتشفة، والتي تعود إلى الفترة بين القرنين الخامس والسابع قبل الميلاد، تكشفت ثروة نادرة من المقتنيات: حُلي من النُحاس والفضّة، ومئات الخرزات المصنوعة من الحجارة الملوّنة، والأصداف النادرة، وتمائم الإله المصري القديم بِس، وآنية لحفظ العطور الثمينة من جنوب شبه الجزيرة العربية، وغيرها الكثير".
وتدل الموجودات الأثرية المتنوّعة على أن الموقع الذي لم يكن معروفاً قبل الآن، استخدم كمقبرة على طريق القوافل التجارية لتلك الفترة، حيث كان التجار يدفنون موتاهم فيها، ويقيمون مراسم شعائرية معينة. أمّا بالنسبة إلى عدد الرفات الكبير، فيدل على احتمالين اثنين أساسيين: "الأوّل هو أن الموقع استخدم على مدى أجيال كثيرة موقعاً للدفن للقوافل التي مرّت بهذه النقطة، والثاني أنها قد تكون مقبرة جماعية أقيمت عقب حدث باغت إحدى القوافل، كتعرضها لهجوم".
وبحسب "يسرائيل هيوم"، لم يعثر المنقبون في موقع المقبرة على قرية أو قلّعة أو حصنٍ ما يمكّنهم من ربط الرفات بجذور أو أصول معيّنة، وهو ما جعلهم يعتبرونها "مقبرة غامضة".
مع ذلك يُرجح هؤلاء أن الهياكل العظمية "تعود لتجار من الجنوب العربي، الذين عُرفوا بأسفارهم الطويلة، لبيع العطور كاللبان والبخور"، وبحسبهم، فإن "طبيعة المكتشفات تدل على أن هذه الأسفار كانت طويلة وربما امتدت شهوراً وسط ظروف مناخية غير بسيطة، مع تعرضهم لتحديات عديدة، أبرزها قُطاع الطرق".
وقال العالمان بسترونك وإيركسون جيني: "هذا واحد من المواقع الأكثر أهمية التي عثرنا عليها"، وأضافا: "المبنى والموجودات المختلفة تعزز الاعتقاد بأن النقب كانت أكثر من مجرد محور عبور عالمي، وإنما تتخطى ذلك بصفتها نُقطة تلاق صاخبة للتجار والحضارات".
وفي ضوء اكتشاف أغراض معيّنة، يعتقد العُلماء أن جزءاً من الرفات المدفونة هي رفات نساء، مدعين أن ما سبق "يدل على أن القوافل عملت في تجارة النساء"، مستدلين بما زعموا أنه "نصوص كتبها التجار اليمنيون والتي تعود إلى منتصف الألفية الثانية حتّى الألفية الأولى قبل الميلاد".
أمّا الدليل الآخر على وجود النساء في المقابر، فربطه العلماء بتمائم الإله المصري بِس والتي استخدمت بحسبهم "لحماية النساء والأولاد من القوى الشريرة". وطبقاً لمدير سلطة الآثار إيلي أسكوزيدو، فإن المكُتشفات "تدل على أن وظيفة النقب الرئيسية في الزمن القديم كانت أنها شكلت مفترق طرق عالمياً وبوابة للتجارة والتلاقي بين الحضارات".
وأضاف أن المقبرة المكتشفة "تتيح لنا الوصول إلى لحظات زمنية مهمة في التاريخ لأولئك الأشخاص الذين ساروا هُنا في الصحراء قبل ألفي عام"، معتبراً أن "بحثاً متعدد المجالات من شأنه أن يتيح تعميق المعرفة بشأن الديناميكية الحضارية والاقتصادية في المنطقة قبل آلاف السنوات".