سكورسيزي وسحر السينما الضائع

سكورسيزي وسحر السينما الضائع

23 فبراير 2021
دينيرو وسكورسيزي في لقطة من "تاكسي درايفر" (Getty)
+ الخط -

نشر مارتن سكورسيزي، أخيراً، مقالاً في مجلة "هاربرز" بعنوان "المايسترو: فيديريكو فلليني وسحر السينما الضائع". يفتتح سكوريزي المقال بمشهد يصف فيه الذهاب إلى السينما بداية الستينيات، كونه يشير إلى اقتراب عرض فيلم "حتى انقطاع النفس" لـ جان لوك غودار. يلخص المشهد تجربة مشاهدة السينما بوصفها فناً شخصياً واجتماعياً، حدثاً قد يغير أثره فيلم ما العالم، أو على الأقل فرداً واحداً. 

يشير سكورسيزي، بداية، إلى أن السينما فقدت قيمتها، أو تفقد قيمتها على حساب "المضمون"، إذ يتلاشي الشكل السينمائي بسبب هيمنة الإعلانات وأفلام الأبطال الخارقين وفيديوهات القطط. وكأنه يقول إن الشكل الفني مهدد ويتلاشى على حساب المضمون المثير، ذاك الذي نشاهده في المنزل، وليس في الصالة. ويشدد على كيفية عرض الفيلم، متحدثاً عن الذوق، فعرض الأفلام ومشاهدتها كان مغامرةً، تحتاج شجاعة، ما يعني دفع الشكل الفنيّ إلى الأمام بناء على هذه المغامرات التي تقدم أفلاماً "جديدة".

يركز سكورسيزي على العناصر الجمالية والإنتاجية في السينما

لكن، مع الخوارزميات التي تحدد الذوق على منصات البث المنزليّ، أصبحت الأفلام تعرض كوجبات متشابهة، ذات الشكل ولو تغير المضمون، ما يجعل إنتاج الفيلم نفسه وصناعته أقرب للعمل الآلي، لا مغامرة تحوي "الكرم" الذي يتم عبره المخاطرة في تمويل الأفلام وعرضها. يركز سكورسيزي على العناصر الجمالية والإنتاجية في السينما، إذ يحدثنا عنها كفن أساسه أسلوب سرد الحكاية مع وعي بأدوات هذا الفن من قبل صانعيه، وهنا يميز بين من يعرفون تاريخ السينما ويصنعون "الفن"، وبين من يعملون في "صناعة السينما" القائمة على الربح والتكرار في سبيل الربح أكثر، إذ لم تعد الأفلام تجربةً شخصية، بل مُنتج يشغل وقت الفراغ. 

سينما ودراما
التحديثات الحية

لا نختلف مع تعريفات سكورسيزي للسينما أو موقفه منها، خصوصاً أنه ذوّاق، لا فقط صانع أفلام، لكنه يظهر كمن يشاهد ما أحبه وأفنى عمره فيه وهو ينهار، إذ لم يعد التفكير "في السينما" وداخلها كفن وعلاقته مع التاريخ والواقع، بل أًصبح التركيز على السوق، وتحول أولئك الذين يفكرون في الفنّ إلى "آلهة"، عظماء نعم، لكن من الصعب أن تتكرر تجاربهم، خصوصاً الآن مع غياب الصالات، وتحول شرط التلقي إلى ما يشبه العشاء الجاهز، يمكن التحكم بسرعته وزمنه، بل وتجاهله في حال رن الهاتف. 

المثير للاهتمام أن قراءة سكورسيزي لـ فيليني نابعة من تجربته الشخصيّة كمخرج وصديق، وأيضاً من السياق التاريخي الذي ظهرت ضمنه أفلامه وعلاقتها مع الفنون الأخرى؛ إذ يقارن فيليني بـ بوب ديلان عند الحديث عن ضغوط "التميز" و"تجاوز الذات" التي وجدا أنفسهما ضمنها، ما دفعهما إلى التفكير أكثر في صنعتهما وأسلوب تعبيرهما. وهنا يظهر مفهوم "الشكل" مرة أخرى، أي كيفية النظر في الأداة الفنية والتلاعب بها واللعب معها، لا بوصفها فقط أسلوباً للتشفير الذي ينقل رسالة محددة، بل أداة تخاطب التاريخ والفرد والفن وتقدم معنى يحضر خارجها. لكن، هذه "المعرفة" بتاريخ السينما وتواريخ الفنون، ليس من المفترض أن يمتلكها الجميع، وبسبب شكل العصر الحالي وطبيعة تدفق المعلومات والصور، نحن أمام مشكلة لا ترتبط فقط بالسينما، بل بوعينا بالعالم بأكمله، وانهيار التاريخ على شاشتنا الشخصية دفعة واحدة، لنتصفحه من دون أن "نستوعبه"؛ أي هناك معايير فنية مختلفة، وأيضاً هناك كثيرون ممن لهم ذات تجارب سكورسيزي مع أفلام أخرى قد يراها الأخير "تسلية"، أو "تصلح لتمضية الوقت"، لكنها تحمل لمن رآها عمقاً شخصياً قد يفوق ما يمكن أن يحصل عليه إن شاهد ذات الفرد فيلماً لـ فيليني. 

المساهمون