سكان واحة فجيج المغربية متشبثون بنمط عيشهم التقليدي

سكان واحة فجيج المغربية متشبثون بنمط عيشهم التقليدي

27 مارس 2021
واحة فجيج الصحراوية على الحدود المغربية الجزائرية (فرانس برس)
+ الخط -

يقف عبد المجيد بودي وسط بساتين خضراء، معرباً عن فخره بزراعة هذه الأرض "المتوارثة أباً عن جد" في واحة فجيج الصحراوية على الحدود المغربية الجزائرية، في شاهد على الأمجاد الغابرة لمنطقة شكّلت سابقاً محوراً رئيسياً للقوافل التجارية.

على خطى أجداده، يعيش هذا المزارع البالغ 62 عاماً على بيع التمور التي ينتجها في حقلين وسط "قصر" زنادة، وهي التسمية التي تطلق على الأحياء السكنية المسيجة بأسوار عالية في الواحات المغربية، الواقعة في الغالب على السفوح الشرقية لجبال الأطلس عند تخوم الصحراء الكبرى.

يحافظ المزارعون هنا على التقنيات اليدوية الموروثة من الأجداد في تلقيح الزهور وجني الفواكه، متسلقين جذوع النخل برشاقة لا يختلّ معها توازنهم.

ويقول بودي: "ثقافتنا جد مرتبطة بالزراعة، الحياة في الواحة نمط عيش قائم بذاته". ويتولى هذا المزارع أيضاً مهام "الزرايفي"، وهي وظيفة حيوية في حياة الواحة تقوم على توزيع حصص الماء المخصص لسقي الحقول من خلال شبكة ريّ معدة بعناية موروثة عن الأجداد.

"أطلال"

وتضيف قريبته رجاء: "الناس هنا مرتبطون بأرضهم، عروقنا ترويها هذه الجذور". مثل الكثير من المتحدرين من الواحة، غادرت هذه المدرّسة الأربعينية فجيج للعمل، لكنها "تعود كلما أمكن" لزيارة أهلها.

لكن المهاجرين يساهمون أيضاً في استمرار الواحة، من خلال الاستثمار في بساتين نخيل جديدة في محيطها التاريخي، كما يشير المؤرخ مصطفى لالي الذي تحمّل مسؤوليات في بلدية فجيج ما بين 1992 و2016.

الأرشيف
التحديثات الحية

يعيش سكان الواحة "وسط تضامن وثيق فيما بينهم"، وفق يامينة حقو (58 عاماً)، وهي صاحبة نزل سياحي تستمتع بمرافقة السياح للتجوال وسط البساتين والأحواض المائية والبيوت المقامة وفق نمط عمراني خاص يمزج الأحجار بالطين وخشب النخل.

في حيّ زناكة الذي تخترقه أزقة ضيقة متداخلة، وهو أحد أحياء القصر الستة المحصنة بأسوار، يعرف السكان جميعاً بعضهم، ويتحدثون بالأمازيغية. ويقول محمد جيلالي، وهو رئيس جمعية محلية: "حافظنا على لغتنا وقاومنا كل شيء".

لكن الواحة فقدت خلال العقود الأخيرة نحو نصف سكانها، بينما بات ما يقرب من ثلث بساتينها مهملة، فيما حوالى ألفين من البيوت العتيقة "تدهورت أو أصبحت أطلالاً"، وفق دراسة جامعية.

يعيد مصطفى لالي أفول نجم هذا الممر الرئيسي للقوافل التجارية إلى عام 1845 عندما وُقِّعت اتفاقية "لالة مغنية" بين المغرب وفرنسا، التي كانت تستعمر وقتها الجزائر. وجاءت هذه الاتفاقية بعد عام من هزيمة المغرب أمام الجيش الفرنسي في معركة إيسلي

الواحة فقدت خلال العقود الأخيرة نحو نصف سكانها، بينما بات ما يقرب من ثلث بساتينها مهملة، فيما حوالى ألفين من البيوت العتيقة "تدهورت أو أصبحت أطلالاً"

رغم أن المنطقة نجت نسبياً من دمار القصف الذي شنّه عليها الجيش الفرنسي انطلاقاً من الجزائر في عام 1903، وأيضاً من تداعيات حرب "حرب الرمال" بين المغرب والجزائر المستقلة في 1963، إلا أنها تضررت جراء الكساد التجاري بفعل إغلاق الحدود بين البلدين منذ 1994، على خلفية توتر العلاقات الدبلوماسية بينهما.

"مجال حيوي"

تضررت الواحة أيضاً، وعلى الخصوص بسبب تقلص "مجالها الحيوي" المشكل منذ قرون من أشجار نخيل متفرقة تحيط بوادٍ أصبح يمثل الحدود بين البلدين.

وتؤدي الخلافات بين الدبلوماسية المتكررة بين الجارين إلى طرد مزارعين مغاربة من "أرض أجدادهم" الواقعة في الجانب الجزائري من الحدود، كما يذكر لالي.

وقد نشرت القوات الجزائرية الأسبوع الماضي وحدات على الحدود، لمنع مرور المزارعين المغاربة نحو واحة العرجة (العروضة في الجزائر)، الذين كان وجودهم حتى الآن مقبولاً رغم إغلاق الحدود.

فقدَ هؤلاء المزارعون نحو 1500 هكتار ترتبط بشبكة الكهرباء المغربية وتسقى من المياه الجوفية. ويضاف هذا الفصل إلى ما يعتبره المغاربة "سطواً" على أراضيهم شمل منذ عام 1955 ما يقارب 130 ألف نخلة على حوالى ألفي هكتار. ويضيف مصطفى لالي: "الأسر هنا تعيش فقط على زراعة التمور، هذه الخسارة الجديدة ستفاقم الوضع الاقتصادي".

رغم الطبيعة الخلابة للمنطقة، يبقى السياح نادرين فيها، بسبب بعدها الجغرافي عن المدن الرئيسية، مثل العاصمة الرباط أو فاس ووجدة.

(فرانس برس، العربي الجديد)

 

المساهمون