سانتياغو ميتري: "أحاول بلوغ جمهور جديد بأسلوب سرد معيّن"

08 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 08:36 (توقيت القدس)
سانتياغو ميتري في مراكش عام 2024 (ستفان كاردينالي/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فيلم "الأرجنتين 1985" للمخرج سانتياغو ميتري يستعرض محاكمة المجلس العسكري بتهمة جرائم ضد الإنسانية، من خلال قصة المدعي العام خوليو سيزار ستراسيرا الذي يواجه تحديات وضغوط سياسية وتهديدات بالقتل.

- يتميز الفيلم بأداء قوي من ريكاردو دارين ومجموعة من الممثلين الشباب، ويجمع بين الدراما والإثارة السياسية، مستفيدًا من تقاليد الأفلام السياسية في أمريكا الجنوبية.

- تحدث ميتري عن تطوير الفيلم على مدى خمسة أعوام، وأهمية السيناريو في نقل القصة التاريخية، مشيرًا إلى دور السينما في التعبير عن المجتمع وعرض القصص الأرجنتينية.

في روائيّه الطويل السادس "الأرجنتين 1985" (2022)، يواصل الأرجنتيني سانتياغو ميتري (1980)، طَرْق المتخيّل السياسي لبلده بالثريلر. وهذا منذ "التلميذ" (2011)، أول فيلمٍ له، ثم "القمّة" (2017). المشترك بين هذه الأفلام حسّ التزام قوي بقضايا الأرجنتين، خاصة في ظلّ التراجعات التي يعيشها البلد بسبب المَدّ اليميني (بعد أزمة بداية الألفية الحالية)، التي تُهدِّد مكاسب ديمقراطية لا تزال هشّة، رغم نباتها في بداية الثمانينيات الماضية.

يحكي "الأرجنتين 1985" اختيار المدّعي العام خوليو سيزار ستراسيرا، بعد عامين على انتهاء حكم الديكتاتورية العسكرية، للدفاع عن الحكومة ضد المجلس العسكري، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بعد رفض المحاكم العسكرية توجيه اتهامات. بينما استعانت الهيئة بخدمات محامين كبار ذوي خبرة، واجه ستراسيرا صعوبة في إيجاد محامين لتشكيل فريق الادّعاء الخاص به.

يتتبّع ميتري أطوار تشكيل فريق ستراسيرا بنَفَس متوتّر ومُشوّق، يتابع تعرّضه لضغوط سياسية وتهديدات بالقتل. رغم طابعه الكلاسيكي، يندرج الفيلم في التقاليد العريقة للأفلام السياسية في أميركا الجنوبية، ونَفَسها الملتزم. يُدين العمل القوي بالكثير لأداء الممثل المخضرم ريكاردو دارين، بدور ستراسيرا، وآخرين شباب موهوبين، التفوا حوله لتجسيد فريق قانوني شاب وديناميكي، ما خلق خيميائية جيدة مع دارين.

في الدورة الـ21 (29 نوفمبر/تشرين الثاني ـ 7 ديسمبر/كانون الأول 2024) لـ"المهرجان الدولي للفيلم بمراكش"، شارك ميتري في لجنة التحكيم، فكانت مناسَبة لحوار معه عن مسار اشتغال "الأرجنتين 1985"، منذ كتابة السيناريو، ومدى اندراج تصوّره في التقاليد العريقة للأفلام السياسية في أميركا الجنوبية، وتأثّره بكلاسيكيات الثريلر السياسي. إضافة إلى جمعه ريكاردو دارين بممثلين شباب، وانتهاء بنظرته إلى الجيل الجديد من المخرجين الأرجنتينيين، والتحدّيات المطروحة أمامهم، في ظلّ أيديولوجيا اليمين المتطرّف، المستبدة بحكم بلده في السنوات الأخيرة.

 

(*) استغرق تطوير "الأرجنتين 1985" خمسة أعوام. كم استغرقت كتابة هذا السيناريو الرائع؟

بدأت في السينما كاتباً. لذا، أهتم كثيراً بفترة تطوير السيناريو، وأحاول العمل عليه بعمق شديد. هذا الفيلم مهمّ جداً لبلدي، للموضوع الذي يتناوله: المحاكمة المذهلة التي حدثت عام 1985، وتتعلّق بأهوال الديكتاتورية. كان عليّ أن أكون دقيقاً للغاية، وأن أبحث طويلاً عن كل تفاصيلها. جزءٌ كبير من عملية التطوير كان التعمّق بالموضوع، والتحدّث إلى المشاركين فيها، ومحاولة فهم أشياء عدّة حدثت أثناءها، وكيف عكست عملية بناء مجتمع بشري حول فكرة الديمقراطية.

كانت المسؤولية كبيرة: أن أحاول القيام بذلك بطريقة دقيقة وصادقة، تطلّبت مني عملاً كثيراً. لكني كنت أصوّر فيلماً سينمائياً، وأحاول الوصول إلى جمهور جديد عبر أسلوب سرد قصصي معيّن، وأن أجذب انتباه الذين سيكتشفون هذه المحاكمة للمرة الأولى. هذا استغرق مني وقتاً كثيراً، لاقتناعي بأن الزمن يُحسّن تطوّر الكتابة.

 

(*) ما أحبه كثيراً في الفيلم أنه، رغم كونه كلاسيكياً في شكله، يندرج في التقاليد العريقة للأفلام السياسية في أميركا الجنوبية. كيف حافظت على هذا التوازن؟

صحيح أني أهتم كثيراً بالجوانب السياسية، لكني في الوقت نفسه أعتني بالجوانب السينمائية. أحبّ تقاليد الأفلام السياسية في هوليوود في أربعينيات القرن الماضي وخمسينياته. لكن صناعة السينما في أميركا اللاتينية أنتجت أفلاماً سينمائية عظيمة. كذلك السينما الأوروبية. لذا، فإن فيلمي محاولة لاحتضان هذه التقاليد من أفلام الإثارة السياسية، أو الأفلام السياسية عامة، المُنتجة قبل عقود. إذا شئتَ أخبرك عن الأفلام التي ألهمتني.

 

(*) من فضلك.

أفلام جون فورد، على الأرجح. لكن أيضاً آلان ج. باكولا في "كل رجال الرئيس"، المنجز عام 1976. إنه مرجع مهم.

 

(*) "الأرجنتين 1985" أيضاً مزيج من الأنواع. هناك دراما المحكمة، وإثارة سياسية. كيف حافظت على نغمة الانسجام رغم تنقل رؤيتك الإخراجية بين هذين النوعين؟

لا أعرف إن كان يمكنني شرح ذلك، لأنه فعلاً شيء حدث في هذا الفيلم، ويصعب الكلام عن هذا النوع من التوازن وكيفية صنعه. لكن ما كنت أحاول فعله أن أكون صادقاً، وأن أحاول سرد قصة بسيطة عبر شخصيات جيدة، وأن أسعى إلى فهم تعقيدات الموضوع بعيونها. هذا شيء أساسي بنظري.

 

 

(*) أداء المخضرم ريكاردو دارين كبيرٌ في دور ستراسيرا. لكن ما أدهشني فريق العمل المكوّن من ممثلين شباب. كيف اخترتهم لهذه الأدوار؟

إنهم رائعون. أحد الأشياء التي تعلّمتها في البحث أن هذه المحاكمة المذهلة أجراها مدّع عام عجوز، كان مُحاطاً بمجموعة شباب، مراهقين تقريباً، لا خبرة لهم في إجراء المحاكمات. تواصلت مع الأشخاص الحقيقيين المشاركين في الفريق. لذا، الأمر ملهمٌ جداً لي، وأردت استغلاله وسيلةَ تواصل مع الجماهير الشابة في الأرجنتين، التي لم تكن تعلم عن المحاكمة. تولت أختي (ماريانا ميتري ـ المحرّر) اختيار الممثلين. إنّها مديرة كاستينغ ممتازة. أثق كثيراً بعملها، لكننا بحثنا طويلاً عن ممثلين مناسبين، معظمهم صغار السن، لا خبرة كبيرة لهم بالسينما، وهذا أول فيلم لكثيرين منهم.

رائعٌ دائماً اكتشاف مواهب، والعمل مع ممثلين جدد، بسبب الطاقة التي يجلبونها. وأيضاً لأهمية المزج بين ريكاردو، الذي يُعتبر رمزاً لبلدنا بصفته ممثلاً سخيّاً ورائعاً، ومجموعة الشباب. الأمر مشابهٌ للطريقة التي عمل بها المدّعي العام والمحامون الشباب في المحاكمة.

 

(*) بالحديث عن دارين، تحضرني روعة المشهد الأخير، وتقديم المرافعة النهائية. كيف كتبت هذا المشهد؟ لأنه بدا كأنه انعكاس لعملية الديمقراطية، عندما حرص ستراسيرا على عرضه على أشخاص محيطين به، ليعرف رأيهم. هل فكرت في هذا المشهد باعتباره تجسيداً للديمقراطية؟ هل عرضته بنفسك على أشخاص حولك؟

لا، لأن خطاب المدعي العام لم يكن من كتابتي، بل ولّفته فقط، إذْ استغرق تسع ساعات. لذا، كان عليّ اختصاره. الصعوبة تتعلق أساساً بكيفية تكثيف خطاب قوي للغاية، إلى درجة أنه لا يتأثّر بمرور الزمن، ويحظى بصدى كبير إلى الآن. أردت عرضه، قدر الإمكان، بالكلمات نفسها التي قالها المدعي العام سنة 1985.

ما يتعلّق بالفكرة التي أشرت إليها عن تجسيد الديمقراطية في الفيلم، أشعر بأن هذا المدعي العام لا يتحدث عن نفسه، بل إنّه تعبير عن الديمقراطية الوليدة، وعن مجتمع ذاك الزمن الحاسم. أثناء سرد القصة، أدرجت هذه اللحظات الصغيرة التي يشارك فيها أشخاصٌ حوله، لأنه لا يتحدث عما يفكر به، بل يحاول إلقاء خطاب جماعي.

 

(*) سؤالي الأخير يتعلق بالجيل الجديد من المخرجين الأرجنتينيين، كلورا سيتاريلا وفيلمها الرائع "ترينكي لاوكين" (2022). كيف تنظر إلى جيلكم من السينمائيين في مواجهة التحديات السياسية التي تواجهها الأرجنتين اليوم؟

لدى السينما الأرجنتينية تقاليد عريقة في صناعة الأفلام، تتجاوز 100 عام. سيتاريلا فعلاً أحد أبرز الأمثلة عن الجيل الجديد. إنها صديقة لي منذ بلوغنا 18 عاماً. اشتغلنا معاً فترة طويلة. صناعة السينما ببلدنا كبيرة نسبياً. لكنْ، هناك مجتمع صغير بداخلها، نتشارك فيه الخبرات، ويسوده تعاون كثير. ما نسمعه حاضراً من سياسيين وأشخاص في السلطة، من عدم احترام لما طوّرته السينما الأرجنتينية في فترة طويلة، وأهمية صناعة الأفلام بالنسبة إلى بلدنا، مُخيّب للآمال بعض الشيء، لكننا نحاول البقاء متّحدين، وجعلهم يفهمون الدور الأساسي للسينما، بصفتها فناً وانعكاساً للمجتمع، ومدى أهمية أن نتمكّن من عرض قصصنا في أماكن مختلفة من العالم.

المساهمون