عن سالونيك التي تُزار للمرة الأولى: مدينةٌ للوثائقيّ تحافظ على سحر اكتشافها

10 مارس 2025
فيليبير: الدب الذهبي لـ"برليناله 2023" قبل الإسكندر الذهبي لـ"سالونيك 2025" (Pool/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يُعتبر التواصل المباشر مع مدينة تستضيف مهرجانًا سينمائيًا دوليًا ضروريًا لاكتشاف المدينة ومعرفة المسافات بين الفندق ومقر المهرجان، مما يعزز تجربة الزائر.
- "مهرجان سالونيك الدولي للأفلام الوثائقية" يُعقد دورته الـ27 في مارس 2025، ويتيح للنقاد مشاهدة الأفلام مسبقًا عبر روابط إلكترونية، مما يعزز مناقشاتهم النقدية.
- يُكرم المهرجان المخرج الفرنسي نيكولا فيليبير بجائزة "الإسكندر الذهبي الفخرية"، ويُعتبر مكملًا لمهرجان "إدفا" في أمستردام في تقديم جديد السينما الوثائقية.

 

لا بُدّ من تواصلٍ مباشر مع مدينةٍ، يُقام فيها مهرجان سينمائي دولي، بدءاً من الساعات الأولى للوصول إليها. والتواصل هذا يُفترض به أنْ يكون حسّياً: سيرٌ على القدمين لاكتشاف شوارع وأزقّة وحانات ومقاهٍ ومطاعم، ثمّ تنبّه إلى ضرورة معرفة المسافات بين الفندق ومقرّ المهرجان وصالاته، لعدم إضاعة الوقت لاحقاً في البحث عن هذا كلّه، كي لا تحصل خسارةُ فرجةٍ سينمائية، ربما تكون مهمّة، أو ربما تكون أقلّ أهمية، أو غير مهمّة.

والتواصل المباشر هذا يفرض نفسه، إنْ تكن الزيارة أولى إلى المدينة ومهرجانها. فالزيارة الأولى تمتلك، غالباً، سحر التعرّف، ومتعة اللقاء، وجمال الاكتشاف. متابعة أخبار المهرجان، من دون حضور دوراته، جزءٌ من المهنة، لكنّ حضور الدورات لا بُدّ أنْ يحصل، كما أنّه مدخلٌ إلى لقاء المدينة، مع أنّ الساعات الأولى، بل الأيام الأولى، غير قادرةٍ على منح اكتشافٍ فعليّ للمدينة، ولمهرجانها السينمائي.

مع أنّ له 26 دورة سابقة، تُتيح الدورة الـ27 (6 ـ 16 مارس/آذار 2025) لـ"مهرجان سالونيك الدولي للأفلام الوثائقية" تحقيق أوّل زيارة إلى المدينة ومهرجانها، علماً أنّ للمدينة مهرجاناً آخر، مختصّاً بالسينما غير الوثائقية: "مهرجان سالونيك السينمائي الدولي"، المؤسَّس عام 1960، بفضل بافلوس زانس (1929 ـ 1989)، الكاتب والناقد السينمائي اليوناني، المولود في سالونيك نفسها. أمّا المهرجان الوثائقي، فيؤسِّسه اليوناني ديمتري أيْبيدس (دراسة الأدب الإنكليزي والمسرح في جامعة سان فرنسيسكو) عام 1999، وتاريخ المدينة يُقرأ في مواقع متخصّصة، وفي كتبٍ متنوّعة. كورنيش لها على "بحر إيجه" مدخلٌ إلى رحابةٍ فيها، جغرافية وحياتية، والجلوس أمام البحر، في أمكنةٍ كثيرة، استراحةٌ وتأمّل في لا شيء، بانتظار المُشاهَدة التي تبدأ أصلاً، قبل السفر والافتتاح، عبر روابط إلكترونية، تُرسلها جهات إنتاجية عند إدراكها أنّ المُشاهدة في المهرجان غير حاصلة، فالدعوة محصورة بخمسة أيام فقط.

إرسال روابط إلكترونية لمشاهدة أفلامٍ، قبل بدء الدورة الجديدة للمهرجان، تُحرّض على سؤالٍ، جزءٌ منه مرتبطٌ بآلية المُشاهدة: الثقة. أي إنّ إرسال رابطٍ إلى ناقد/صحافي ـ صحافية سينمائية، قبل بدء الدورة أو في أيامها العشرة، منبثقٌ من ترويج إعلامي. لكنْ، أيكون الإرسال هذا رغبةً في معرفة رأي نقديّ بفيلمٍ وثائقي، يُعرض في مهرجان مختصٍّ بهذا النوع السينمائي؟ أحقيقيّ أنّ جهةً إنتاجية ترغب فعلاً في رأي نقدي، مع أنّ المهنتين تختلف إحداهما عن الأخرى إلى حدّ الطلاق؟

 

 

الأهمّ أن إرسال روابط يمنح الناقد فرصة مشاهدةٍ، قبل بدء الدورة الجديدة للمهرجان. بعض تلك الأفلام، التي تُرسل روابط لها، معروض سابقاً في مهرجانات أخرى، والدورة الجديدة لـ"مهرجان سالونيك الوثائقي" مناسبةٌ لقراءة نقدية، أو تعليق صحافي، أو متابعة مهنية. الساعات الأولى، التي ربما تمتدّ إلى أكثر من يومٍ بقليل، تكون خطوةً أولى لتعرّف وتواصل مع مدينة ومهرجان، وهذا (التعرّف والتواصل) يحصل غالباً في مدنٍ تُزار أكثر من مرّة، مع مهرجان يُحضَر أكثر من مرّة.

خطوة أولى؟ ألن تكون هذه سمة حياة؟ ألن تكون مدينةٌ، تُزار للمرة الأولى، ومهرجانٌ يُحضَر للمرة الأولى، حياةً ربما تمتد زمناً، لكنّها بالتأكيد تُتيح نوعاً من انخراطٍ فيهما، بل انخراطاً أول في محاولة اكتشافٍ، يُتيح لاحقاً معرفةً وتواصلاً أكثر؟

"مهرجان سالونيك الوثائقي" يُذكّر بمهرجان آخر، له مكانة دولية أساسية في النوع السينمائي نفسه: "مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية (إدفا)"، المؤسَّس عام 1988، بفضل مِنُو فان در مولان، مدير Festikon (مهرجان سينما تعليمية، 1961 ـ 1987)، وتُقام دوراته السنوية في نوفمبر/تشرين الثاني. لكنّ التذكّر هذا غير مُنصَبّ في مقارنة تنافسية، فالمهرجانان، سالونيك (مارس/آذار) و"إدفا"، يُكمِل أحدهما الآخر، أو على الأقلّ يجعل من الأيام العشرة لدوراتهما السنوية مساحة لالتقاط جديدٍ في السينما الوثائقية، ولمُشاهدة شيءٍ من ماضٍ، فالتكريم/الاستعادة جزءٌ من البرنامج السنوي، وهذا يُتيح مُشاهدة إضافية للبعض، ومُشاهدة أولى أيضاً لبعضٍ آخر.

وإذْ تمتلئ صالات عدّة في أمستردام بمهتمّين ومهتمّات، فإنّ صالات قليلة في سالونيك تمتلئ بدورها بهم/بهنّ، وهذا يطرح سؤال موقع الفيلم الوثائقي في المشهد العام، إذْ له خصوصيّة ومزاج، ومفردات وحالات غير جماهيرية، إجمالاً (هذا محتاجٌ إلى قراءة خاصة). "مهرجان سالونيك الـ27" يُكرِّم الفرنسي نيكولا فيليبير، "أحد أهم صنّاع الأفلام الوثائقية الأوروبية"، تقديراً لعمله السينمائي. يذكر البيان الرسمي أنّ فيليبير، "بنظرته الدقيقة والمُراقِبة، التقط لحظاتٍ من الحياة اليومية بحساسية وفورية، ما يُعطي صوتاً لأشخاصٍ وأماكن، يُتركون غالباً في الهامش". التكريم يتمثّل بعروض أفلامٍ له، منها "على متن أدامان"، الفائز بـ"الدب الذهبي ـ أفضل فيلم" في الدورة الـ73 (16 ـ 26 فبراير/شباط 2023) لـ"مهرجان برلين السينمائي"، وبمنحه "جائزة الإسكندر الذهبي الفخرية".

المساهمون