رعبٌ يحاصر إعلاميي أفغانستان: ترك المهنة أو البلاد

رعبٌ يحاصر إعلاميي أفغانستان: ترك المهنة أو البلاد

24 اغسطس 2021
مُنع صحافيون من العمل فيما ظهرت نساء على شاشات (ماركوس يام/لوس أنجليس تايمز)
+ الخط -

الأسبوع الماضي، بدأت العديد من المذيعات الأفغانيات يظهرنَ على شاشات التلفزيون الخاصة، والأمر كان مفاجئاً؛ فطالبان في حكمها السابق في التسعينيات لم تكن تسمح للنساء بالظهور في وسائل الإعلام، أو حتى الخروج من أجل التعليم. كانت تلك بعض أبرز المشاهد الآتية من أفغانستان إلى العالم المترقّب بحرارة ماذا يحصل في البلاد مع انسحاب القوات الأجنبية وسقوط كابول بيد حركة طالبان. وبينما كانت طالبان تعلن "التزاماتها وتعهداتها" كانت التقارير تركّز على ما تقوله وما ستفعله، بينما قادة العالم يرحبون ببياناتها. لكنّ المنظمات الحقوقية ظلّت تحذر من فخ تصديق الحركة، كونها تسعى فقط إلى اعتراف دولي، خصوصاً أنّ المضايقات للصحافيين ازدادت بشكل كبير.

وظهرت الإعلامية الأفغانية ومراسلة قناة "طلوع" حسيبة أتكبال، لأول مرة بعد سيطرة "طالبان" على كابول على شاشة التلفزيون، صباح الثلاثاء الماضي، وهي محجبة، لتُبيّن بدورها للمشاهدين ما تمر به العاصمة الأفغانية بعد سيطرة الحركة عليها، كما تحدثت مع المواطنين حول ما يجري في كابول بعد سقوط حكومة أشرف غني، تحديدًا حول الوضع الإقتصادي والأمني. وكان لافتاً، استضافة الإعلامية بهشته أرغند، على قناة "طلوع"، القيادي في حركة "طالبان" وعضو فريقها الإعلامي، عبد الحق حمد، ليتحدث عن برامج الحركة الإعلامية والثقافية، مشيراً إلى دور المرأة في مستقبل البلاد، خصوصاً الإعلامي.

ظهرت إعلاميات على الشاشات لكنّ أخريات منعن من العمل، فيما لوحق صحافيون آخرون

ليس هذا فحسب، بل بدأت القنوات الأفغانية تستضيف النساء والفتيات في برامجها السياسية والإخبارية. فاستضافت قناة "طلوع" عضوة في البرلمان الأفغاني فرزانه كوجي في أحد البرامج السياسية، الثلاثاء الماضي، لتتحدث عن الوضع الحالي، منتقدةً "طالبان" ومشددةً على ضرورة الحفاظ على الإنجازات والتقدم الذي أحرزته المرأة الأفغانية، خلال عقدين ماضيين، بمساعدة المجتمع الدولي.

كان حجاب المذيعات بعد دخول طالبان إلى كابول مباشرةً سبباً في كثير من التعليقات، وبينها التي تلقّتها مراسلة "سي إن إن" في البلاد كلاريسا ورد، والتي طاولتها انتقادات كبيرة لقولها إنّ عناصر طالبان يهتفون بالموت للولايات المتحدة الأميركيّة لكنّهم يبدون ودودين، معتبرةً ذلك غريباً جداً. ولم يكن الإعلام المحلي المستهدف الوحيد من الحركة التي خرج متحدثوها على شاشات التلفزة حول العالم، فقد تلقّت مراسلة ومذيعة "بي بي سي" الإخبارية، يلدا حكيم، مكالمة هاتفية من المتحدث باسم "طالبان" سهيل شاهين، أثناء تقديمها لنشرة الأخبار على الهواء مباشرة، فأجرت معه مقابلة. 

لكن الصحافية المعروفة في تلفزيون "آر تي إي" منذ ست سنوات، شابنام دوران، مُنعت من ممارسة عملها من قبل الحركة. وقالت في فيديو، وهي ترتدي الحجاب وتظهر بطاقتها المهنية: "لمن يستمع لي، إذا كان العالم يسمعني، أرجوكم ساعدونا لأن حياتنا في خطر". وأكدت أنه لم يُسمح لها بالذهاب إلى العمل هذا الأسبوع، على عكس زملائها الذكور: "لم أتخلَّ عن عملي بعد تغيير النظام، وذهبت إلى مكتبي، لكن للأسف لم يُسمح لي بالدخول رغم إظهار بطاقتي المهنية". وأضافت: "سُمح للموظفين الذكور الذين يحملون بطاقات مهنية بالدخول، لكن قيل لي إنني لن أستطيع الاستمرار في مزاولة عملي، لأنّ النظام قد تغير".

وأمس، وصلت الإعلامية المشهورة ومذيعة التلفزيون الوطني خديجة أمين إلى مدريد العاصمة الإسبانية، بعد أن منعتها "طالبان" من الدخول إلى التلفزيون الوطني الخميس الماضي.

ترى معظم الصحافيات والإعلاميات في أفغانستان أنّ أمامهنّ خيارين: ترك البلاد أو ترك المهنة. وفي هذا الصدد، تقول الإعلامية وحيده شاهكار لـ"العربي الجديد" إنّ الخوف والقلق يسودان كل الإعلاميين في أفغانستان، خصوصاً النساء اللواتي عانين كثيرًا بسبب تغيرات المشهد الأفغاني. والآن عندما عادت طالبان إلى الساحة، مع رضى المجتمع الدولي على التعامل معها، عليه أن يرغمها على إعطاء المرأة الأفغانية حقها في جميع المجالات، ومنها العمل في الصحافة.

كما تذكر شاهكار أن القضية أكبر مما نتصور، وتضيف: "كصحافية عملت عقدا من الزمن من أجل الإسهام في مستقبل البلاد، ورفعت صوت المرأة وغطّت مشاكل يواجهها المجتمع... الآن وبعد كل هذا العمل، أجلس في منزلي بعد سيطرة طالبان. إنه محبط لنا ولجميع النساء اللواتي عملن في وسائل الإعلام، لقد ذهبت كل جهودنا وتقدمنا الذي أحرزناه خلال عقدين من الزمن، كل ذلك ذهب هباءً منثورًا وعدنا إلى المربع الأول"، مطالبةً المجتمع الدولي والمهتمين بشؤون النساء عموما وبشأن الصحافيات على وجه الخصوص بأن يهتموا بالقضية وألا يعترفوا بحكومة طالبان.

من جانبها، تقول الإعلامية فيروزه عزيزي في حديث لها مع الـ"العربي الجديد": "إننا نعيش في حالة نفسية سيئة، لا ندري كيف سيكون تعامل طالبان معنا، إذ لا نستطيع أن نعتمد على بعض التصريحات البراقة وبعض الأمور الروتينية التي قد يكون هدفها إرضاء العالم وفرض نفسها على المجتمع الدولي والأفغاني". تتابع: "المؤسف أيضاً تعامل المجتمع الدولي، عليه أن يقف في وجه طالبان وألا يتركها تفعل ما تريد. نعم، إننا مستعدات لأن نقبل تغييرات معينة، كالحجاب، فالمجتمع الأفغاني كان وما زال مجتمعا إسلاميا، غير أن الحركة في التسعينيات مارست ضغوطاً كبيرة على المرأة ولم تسمح لها بالعمل".

ترى معظم الصحافيات والإعلاميات في أفغانستان أنّ أمامهنّ خيارين: ترك البلاد أو ترك المهنة

ولم يكن حال المرأة خلال الحكومات السابقة مثالياً، على الرغم من كل ما أنفقه المجتمع الدولي عموما والمؤسسات المعنية خصوصاً من أموال باهظة من أجل تحسين حالة الإعلاميين عموما، والصحافيات على وجه الخصوص. فوضع الصحافيات في أفغانستان لم يكن جيدا والتقدم المنشود لم يحصل طيلة العقدين الماضيين. فهناك أقاليم أفغانية بكاملها، لا تزاول فيها النساء مهنة الصحافة لأسباب مختلفة. فعلى سبيل المثال، إقليم خوست الجنوبي الذي يعد من الأقاليم التي تطورت فيها الحالة التعليمية والثقافية للمرأة الأفغانية، لم تكن فيه صحافية واحدة تعمل، على الرغم من وجود أربع محطات تلفزيونية و12 إذاعة محلية تعمل في الإقليم وحده. وتعد الأعراف القبلية المتجذرة والوضع الثقافي في البلاد من أهم العقبات في وجه الصحافيات في هذا الإقليم وفي الأقاليم الجنوبية عموماً. 

في مساء يوم الثلاثاء الماضي، خرج الناطق باسم "طالبان" ذبيح الله مجاهد، في أول مؤتمر صحافي أمام عدسات الكاميرات، ليؤكّد أنّ حركة طالبان ستمنح النساء حقوقهنّ في إطار الشريعة الإسلامية. تعليق كان مجاهد قد استبقه بتسجيل صوتي، قبيل دخول الحركة إلى كابول، يؤكد فيه توفير الحماية والأمن للإعلاميين، وعدم خلق عقبات. كما أكد أنّ "طالبان" عقدت لقاءات مع الإعلاميين في كل من نيمروز، وجوزجان، وسربل، و قندوز، وتخار، وبدخشان، وسمنغان، وفراه، وغزنه، وشجعتهم على العمل شريطة الحياد وعدم الانحياز إلى أي جهة، نافيا أن تكون الحركة قد قامت بملاحقة أي إعلام في أي بقعة من أفغانستان. 

وفي حديث لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، تعهّد مجاهد، بعدم اضطهاد الصحافيين في أفغانستان، والسماح للنساء بمواصلة عملهن في وسائل الإعلام. ونقل عن مجاهد قوله في حوار أجري معه الأحد قبل الماضي: "سنحترم حرية الصحافة، لأن التقارير الإعلامية ستكون مفيدة للمجتمع وستسهم في تصحيح أخطاء القادة". وأكد المتحدث باسم "طالبان" أن "الصحافيين العاملين لصالح الدولة أو لصالح مؤسسات إعلامية خاصة ليسوا مجرمين ولن يحاكم أي منهم. برأينا، هؤلاء الصحافيون هم مدنيون، وعلاوة على ذلك هم شبان موهوبون يشكّلون مصدر غنى لنا". ولدى سؤاله عن مصير الصحافيات، أكد مجاهد أنه سيُسمح لهنّ بمواصلة العمل شريطة وضعهن الحجاب أو غطاء للشعر. وقال إنه في انتظار وضع "إطار قانوني" لهذا الأمر يتعيّن عليهن "ملازمة منازلهن من دون توتر أو خوف". وتابع: "أؤكد لهن أنّهن سيعدن إلى عملهن".

تعهدت طالبان باحترام حرية الصحافة وعدم اضطهاد الصحافيين لكن المضايقات بحقّهم بدأت بسرعة وازدادت، فيما يسيطر عليهم الرعب والخوف

لكنّ التزامات طالبان سرعان ما ظهرت حقيقتها، خلال الأسبوع الماضي، مع خروج تقارير تؤكد ملاحقة طالبان للإعلاميين، وخوفهم، والمطالبات بإجلائهم، كما منع صحافيين من العمل. ففي اليوم التالي لنشر بيان "مراسلون بلا حدود"، قالت منظمة "لجنة حماية الصحافيين" إنّه وفقًا لمراسلين وممثلين لوسائل إعلام، دهم مسلحو طالبان منازل أربعة على الأقل من العاملين في مجال الإعلام في البلاد بمن فيهم ثلاثة موظفين في الإذاعة العامة الألمانية "دويتشه فيله". وأوضحت أنها تحقق أيضا في تقارير تفيد بأن مسلحي طالبان ضربوا صحافيَين على الأقل في مدينة جلال آباد في شرق البلاد أثناء تغطيتهما احتجاجا على استيلاء الحركة على السلطة في أفغانستان. وشددت، الأربعاء الماضي، أنّ على "طالبان" التوقف عن مهاجمة الصحافيين الذين يغطون عملية استيلاء الحركة على السلطة في أفغانستان والسماح لهم بالعمل بحرية.

ويوم الخميس الماضي، أعلنت "دويتشه فيله" أنّ حركة طالبان أطلقت النار، فقتلت أحد أفراد عائلة مراسل لها في أفغانستان، وأصابت فردًا آخر من العائلة بجروح خطيرة. وأضافت أنّ مقاتلي "طالبان" يبحثون عن مراسلها ويفتشون منازل في غرب أفغانستان، مشيرةً إلى أن أفراد العائلة الآخرين تمكنوا من الفرار. وذكرت "دويتشه فيله" أن المراسل نفسه، الذي لم تكشف عن هويته، موجود في ألمانيا، حيث يعمل أيضاً.
ودان المدير العام لـ "دويتشه فيله" بيتر ليمبورغ، عملية القتل بشدة، قائلاً: "قتل فرد في عائلة أحد مراسلينا على يد طالبان أمر مأساوي، ولا يمكن تصديقه، ودليل على الخطر الوشيك الذي يتعرض له مراسلونا وعائلاتهم في أفغانستان". وأضاف: "من الواضح أن طالبان تجري عمليات بحث منظمة عن الصحافيين في كابول والولايات، الوقت ينفد". كما أكد ليمبورغ أن منازل ثلاثة مراسلين آخرين على الأقل من "دويتشه فيله" تعرضت للتفتيش على يد "طالبان" في أفغانستان، خلال الأيام والأسابيع الماضية.

في أفغانستان ثماني وكالات أنباء على الأقل، و52 محطة تلفزيونية، و165 محطة إذاعية، و190 دار نشر، وهناك ما مجموعه 12 ألف صحافي

وأمس الإثنين، داهم مسلحو طالبان منزل رئيس التلفزيون المحلي "انعكاس"، وصادروا ثلاث سيارات وكمبيوترات تابعة للتلفزيون، بعد تفتيش المنزل بكامله. وقال رئيس المحطة المهندس زلمي لوسائل إعلام محلية، إنّ مسلحي طالبان داهموا منزله الواقع في منطقة أرزان قيمت في العاصمة كابول، حيث لم يكن موجوداً، موضحاً أنه تواصل فوراً مع مسؤول الأمن في المنطقة من طالبان، وهو سارع إلى الذهاب إلى المنزل الذي يُداهَم، لكنه لاحقاً أخبر زلمي أنّ "الذين جاؤوا لمداهمة المنزل كانوا أقوياء ولم يصغوا إلى ما قاله".

وقال "الاتحاد الدولي للصحافيين"، يوم الجمعة الماضي، إن "الذعر والخوف" يسودان بين الصحافيين الأفغان خصوصاً النساء، مشيراً إلى أنه تلقى "مئات طلبات المساعدة" من متخصصين في مجال الإعلام في أفغانستان. وحذرت المنظمة الدولية، التي أنشأت صندوقاً خاصا لمساعدة هؤلاء، من أن "مراقبة الاتحاد الدولي للصحافيين للوضع على الأرض، والطلبات الكثيرة للحصول على دعم طارئ، تكشف عن حالة من الذعر والخوف، داخل مجتمع الإعلام الأفغاني".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

وقال نائب الأمين العام لـ"الاتحاد الدولي للصحافيين" جيريمي دير، في بيان: "تلقينا المئات من طلبات المساعدة، إما للإجلاء، أو لمساعدة مَن انتقلوا من مقاطعة أفغانية إلى أخرى هرباً من التهديدات". وأضاف: "الصحافيات يُمنعن من العمل"، وبعض وسائل الإعلام "اضطرت إلى الإغلاق". أما الذين يحاولون تأدية عملهم، فهم يفعلون ذلك "في ظل التهديد" و"يجدون أنفسهم مقيّدين بشدة في ما يمكنهم تغطيته" وفقاً له. وقال إنه رغم "الدعاية القائلة بعدم وجود أي انتقام من جانب طالبان، إلا أن هناك تقارير عن عمليات تفتيش لمنازل صحافيين وتهديدات لكثير منهم". وتابع دير أن "المناقشات جارية مع طالبان، لمحاولة فهم ما الذي تعنيه إعلاناتُهم بشأن عمل وسائل الإعلام: ما هي المواضيع المحظورة؟ وما هي الصور التي يمكن نشرها؟ وهل يمكن للمرأة أن تعمل؟".

"الاتحاد الدولي للصحافيين": الذعر والخوف يسودان بين الصحافيين الأفغان خصوصاً النساء، وتلقينا مئات طلبات المساعدة من متخصصين في مجال الإعلام في أفغانستان

في أفغانستان ثماني وكالات أنباء على الأقل، و52 محطة تلفزيونية، و165 محطة إذاعية، و190 دار نشر، وفق ما أوردت" مراسلون بلا حدود" نقلاً عن بيانات "الاتحاد الأفغاني للإعلام والصحافيين". وهناك، ما مجموعه 12 ألف صحافي. وإبان حكم "طالبان" لأفغانستان بين عامي 1996 و2001، حظرت وسائل الإعلام، باستثناء محطة "صوت الشريعة" الإذاعية التي اقتصر بثها على الدعاية السياسية والبرامج الدينية.

المساهمون