رحلة عبر الزمن داخل محل أرميني عريق للساعات في القاهرة

رحلة عبر الزمن داخل محل أرميني عريق للساعات في القاهرة

12 مارس 2021
أشود بابازيان أمام محل أسسه جده عام 1903 (فرانس برس)
+ الخط -

يبدو الزمن وكأنه متوقف في متجر بابازيان الأرميني للساعات في القاهرة، المقام منذ العام 1903، أسفل بناية شُيدت على طراز هوسمان الفرنسي من القرن التاسع عشر، حيث يحاول الستيني أشود الحفاظ على تقليد عائلي متوارث منذ عقود.

يزخر المحل الصغير الواقع في ميدان العتبة، وهو أحد أكثر ميادين العاصمة المصرية ازدحاماً وضجيجاً، خلف واجهاته الزجاجية المؤطرة بالخشب الملون بساعات جيب قديمة، وأخرى بسوار تعود إلى عقود غابرة، وبإعلانات اصفرّ ورقها بمرور الزمن تشهد على العصر الذهبي للمكان العريق.

وتحت طاولة البيع العتيقة التي لا تزال صامدة منذ ما يزيد على قرن، توجد في أدراج خشبية قطع غيار لكل أنواع الساعات وماركاتها.

وتحتل ساعات حائط من طرازات مختلفة يعود بعضها إلى القرن التاسع عشر كامل مساحة جدران المحل، وهي مملوكة لزبائن أتوا بها لإصلاحها، أو إلى أشود بابازيان نفسه الذي يجمعها ويرفض بيعها.

لايف ستايل
التحديثات الحية

وداخل مكتبه الصغير الزاخر بالمحفوظات من كتب وساعات رقاصية شتى، يجلس بابازيان، البالغ من العمر 64 عاماً، حارساً لذاكرة المكان.

وتشهد على ذلك صورتان بالأبيض والأسود معلقتان فوق كرسيه، الأولى لجده نرسيس، المعروف بـ"فرنسيس"، وهو مؤسس المحل، والثانية لوالده سركيس.

ويُعدّ محل بابازيان اليوم من الأماكن النادرة في القاهرة التي تُصلح فيها ساعات تعمل وفق الآليات القديمة. ويقول الساعاتي مرتدياً كنزة من الصوف وسروال جينز "لدي قطع غيار تعود إلى أيام جدي".

عام 1893، هجر نرسيس بابازيان الجيش العثماني وقفز في سفينة لا يعرف وجهتها ووجد نفسه في مدينة الإسكندرية الساحلية، شمال مصر، بحسب ما يؤكد حفيده أشود لوكالة "فرانس برس".

بعد عشر سنوات، افتتح محل الساعات الخاص به في القاهرة والذي ما زال يحمل اسمه على واجهته الخارجية.

وبحسب أشود بابازيان، تردد الكثير من المشاهير من العصر الذهبي للسينما المصرية على المحل، مثل يوسف وهبي وفؤاد المهندس وعبد المنعم إبراهيم. كما كانت العائلة المالكة المصرية في عهد الملك فاروق (آخر ملوك مصر)، تستدعي والده إلى القصر الملكي لاختيار ساعات، وفق أشود.

فني يصلح إحدى الساعات في محل بابازيان (فرانس برس)

ويروي الرجل أنه "بعد الثورة كان الضباط (الذين أطاحوا بالملكية عام 1952)، يأتون. كانوا أصدقاء لوالدي وكانوا يعشقون الساعات".

ولم يعد زبائن المحل اليوم من السياسيين أو المشاهير، لكنهم كثر وأوفياء للمحل و"غالبيتهم أصبحوا أصدقاء"، وفق بابازيان، الذي يقول "ليس لدينا زبائن من المارة الغرباء".

ويقول طلعت فرغلي (71 عاماً)، وهو تاجر من زبائن بابازيان، إنه يتردد على المحل منذ العام 1965. ويضيف أن الساعاتي "موثوق فيه للغاية، ونحن نسميه الخواجة (كلمة دارجة في مصر تطلق على الأجنبي)".

أما أحمد المليجي (62 عاماً)، فهو من هواة جمع ساعات الحائط وبدأ في اقتنائها اعتبارا من العام 1984 ويمتلك الآن 35 منها. يقول لوكالة فرانس برس: "كنت أمر أمام محل أشود وكنت مولعا بالساعات على الجدران. وذات يوم قررت أن أشتري واحدة، ومنذ ذلك الحين لم أتوقف".

واستقبلت مصر عدداً كبيراً من الأرمن اعتباراً من القرن التاسع عشر، لكن عددهم حالياً لا يتجاوز بضعة آلاف، وفق تقديرات عدة.

ولم يبدِ ولدا أشود حتى الآن اهتماماً بمواصلة مهنة الأسرة، لكنه لا يستبعد أن يغيّرا رأيهما لاحقاً، قائلاً "لا أحد يعلم" ما قد يحصل.

(فرانس برس)

المساهمون