رحلة روسيّة من العنف الزوجيّ إلى الإعلام

روسيّة ناجية من العنف تساعد ضحايا آخرين عبر برنامج

20 يناير 2021
مارغيريتا غراتشيفا يوم النطق بالحكم ضد زوجها (ماكسيم غريغورييف/تاس)
+ الخط -

في زحمة البرامج الحوارية الاجتماعية على القنوات الروسية، بدأت قناة "روسيا 1" الحكومية مساء الجمعة الماضي عرض برنامج "أقرب الناس". وفي سابقة هي الأولى من نوعها على القنوات الفيدرالية، تحولت سيدة شابة من ضحية للعنف الزوجي الشائع في البلاد إلى مقدمة برنامج يهدف إلى منع تردي العلاقات بين الأزواج والمقربين ووصولها إلى ارتكاب أحد الطرفين جريمة مروعة بحق الآخر. 

وبعد أكثر من ثلاث سنوات على تعرضها لجريمة مروعة هزت المجتمع الروسي، عادت مارغاريتا غراتشيفا للظهور على محطات التلفزة ليس كضحية، ولكن في دور إعلامية ناجية تسعى إلى تجنب سقوط ضحايا جدد، وفتح أفق حياة جديدة أمام أبطال برنامجها الجديد.

وبيد واحدة تظهر عليها آثار الجروح عند المعصم والأصابع، وأخرى حديدية، لكن بابتسامة لافتة، فتحت غراتشيفا ملف استخدام الأزواج ملف الأطفال لابتزاز زوجاتهم السابقات ومحاولة إرغامهنّ على العودة إلى "عش الزوجية" وتحمل مرارة العيش من جديد. وشارك الإعلامي ليونيد زاكوشانسكي، المعروف لمشاهدي قناة "روسيا 1" ببرنامجه الاجتماعي "الخروج إلى الناس" في تقديم البرامج. 

وأثارت الجريمة المروعة بحق غراتشيفا في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2017، الرأي العام الروسي والعالمي، بعد أن اصطحبها زوجها السابق إلى غابة بالقرب من موسكو، وبعد اتهامها بخيانته من دون تقديم أي أدلة، قطع الزوج أصابعها، قبل أن يبتر يديها الموثوقتين على جذع شجرة ويصحبها في النهاية إلى المستشفى.

قطع زوج مارغيريتا غراتشيفا السابق أصابعها قبل أن يبتر يديها الموثوقتين على جذع شجرة عام 2017 في قضية هزّت المجتمع الروسي

وعلى أثر الجريمة، اعتقلت الشرطة الزوج، وأودعته السجن، لتقضي محكمة مدينة سيربوخوف (100 كلم جنوب موسكو)  في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بسجنه 14 عاماً. حينها، قالت مارغاريتا التي كانت تبلغ من العمر حينذاك 26 عاما، أمام وسائل الإعلام بعد تلاوة الحكم: "لن تعود لي يداي مهما كان الحكم"، إذ كانت تأمل أن تُفرض على زوجها السابق عقوبة السجن مدى الحياة.

وبعد عدة عمليات صعبة ومعقدة، نجح الأطباء في إعادة ترميم يدها اليسرى التي عثر عليها ملقاة في الغابة، في حين نظمت وسائل الإعلام الروسية حملة على مستوى البلاد لجمع التبرعات، لشراء يد اصطناعية أخرى متطورة للشابة، لتحل مكان يدها اليمنى التي لم يتمكن الأطباء من استعادتها.

وبعد الدور الكبير للإعلام في تغطية قضية غراتشيفا، والشجاعة التي واجهت بها البطلة مصيرها لينتصر الأمل وإرادة الحياة، ينطلق القائمون على البرنامج الجديدة من أن مشاركة غراتشيفا ستكسب العمل الإعلامي مصداقية أكبر، وتحفز الناس على مشاركة مشكلاتهم والبحث عن حلول لها، واستلهام قصة الشابة التي تمكنت من إيجاد القوة للعيش. وهي التي صرحت في أول مقابلة لها بعد الجريمة المروعة التي تعرضت لها مع الإعلامي الروسي الشهير أندريه مالاخوف أنه "بالبكاء، لن تنمو يدي من جديد". 

تسعى مارغيريتا غراتشيفا إلى تجنّب سقوط ضحايا جدد

وفي بداية العرض الأول، أكد مقدما البرنامج الجديد أنه سيعالج مشاكل وقضايا الروس العاديين، الذين "يمكن أن يكونوا زوجا وزوجة أو أمّا وطفلا أو أصدقاء مقربين وأقارب بعيدين ممن عانوا من الخيانة والألم، ويسعون عبثًا إلى إيجاد مخرج من الحلقة المفرغة للتوبيخ والتظلمات المتبادلة". وأشارا إلى أن الخبراء في استوديو "أقرب الناس" سيساعدونهم على تقييم الموقف من الخارج واقتراح طرق مختلفة لحل المشكلة. كما أكدت مارغاريتا غراتشيفا في حسابها على "إنستغرام" أنه "لن نناقش فقط، بل سنساعد أيضًا!".

وفي خروج عن نمط المهاترات في البرامج الاجتماعية الروسية السابقة، استعان معدو "أقرب الناس" بخبير معروف في القانون، وعالمة بارزة في علم النفس، وخبراء في مجالات أخرى. وبعد الاستماع إلى مشكلة الحلقة الأولى، اقترح الخبراء بعض الحلول المساعدة بالاعتماد على تقديراتهم وخبراتهم السابقة، وكان لافتاً طرح حل عملي من جمعية مدنية تعنى بالدفاع عن حقوق المرأة على بطلة الحلقة الأولى التي ترقض العودة إلى زوجها بعدما أقدم على ضربها أكثر من مرة، واختطف ابنها لإجبارها على العودة إليه. 

وحظيت الحلقة الافتتاحية للبرنامج الجديد بمتابعة جيدة على وسائل التواصل الاجتماعي، مع تعليقات تمدح المقدمة الجديدة، وطريقة طرح المشكلات والبحث عن سبل عملية للحل، وتشجيع الأبطال على اتخاذ القرار "الشجاع" المناسب لفتح صفحة جديدة في الحياة بالاستعانة بتجارب ناجيات أخريات وناجين آخرين، وخبراء في مجالات عدة. لكنّ الواضح أن التغلب على المشكلات الأسرية في مجتمع ذكوري محافظ تحتاج إلى أكثر من البرامج التلفزيونية، على أهميتها، وتتطلب حملة لتغيير بعض القوانين والتشريعات وتشديد العقوبات لردع العنف المنزلي، وتغيير تعامل السلطات الأمنية مع البلاغات المقدمة من الزوجات المعنفات ففي كثير من الحالات لم تتحرك الشرطة بجدية ما تسبب في وقوع جرائم قتل لاحقا وهو ما عرضه بعض المشاركين في الحلقة الأولى من البرنامج الإجتماعي الجديد.  

وسلّطت التغطية الإعلامية الواسعة على حادثة غراتشيفا الضوء على العنف الأسري بحق النساء في روسيا، حيث تنزع السلطات الطابع الجرمي عن بعض أشكال العنف في أوساط العائلة في مجتمع تغذي فيها السلطات والكنيسة القيم المحافظة. 

وأظهرت بيانات وزارة الداخلية الروسية أن 21390 امرأة تعرضن للعنف على يد أزواجهن في 2019. وحسب مصادر مختلفة تلقى 300 سيدة روسية حتفهن على يد أزواجهن أو شركائهن، لكن خبراء يشيرون إلى أن الأرقام لا تظهر العدد الدقيق لضحايا العنف المنزلي، نظرا لتهاون الشرطة والسلطات المحلية في التعامل مع شكاوى المعنفات، وتعاطف المحققين مع الرجال. ولا يفرض القانون الروسي عقوبات كبيرة على حوادث العنف المنزلي وفي أغلب الحالات لا تتعدى  مخالفة مالية بسيطة، أو السجن 15 يوما في أقسى العقوبات، بحجة عدم التدخل في حياة الأسرة الخاصة.

المساهمون