رائد محسن: المسرح حضورٌ والتلفزيون شهرةٌ والسينما تأريخٌ

رائد محسن: المسرح حضورٌ والتلفزيون شهرةٌ والسينما تأريخٌ

21 ابريل 2022
شارك في أعمال مسرحية مهمّة كـ"صراخ الصمت الأخرس" (العربي الجديد)
+ الخط -

أثار رائد محسن اهتمام جمهور المسرح ونقّاده، بأدائه الجاذب في منتصف الثمانينيات، عندما كان طالباً في كلية الفنون الجميلة، بعد أنْ رشّحه المخرج الراحل، عوني كرومي، للمشاركة في مسرحية "الإنسان الطيب"، التي أعدّها للمسرح الكاتب فاروق محمد. هذا منحه ثقةً عالية. ثم توالت عليه مشاريع العمل، في المسرح والسينما والتلفزيون، بعد نيله البكالوريوس في التمثيل، فشارك في أعمال مهمّة، قدّمها "المسرح العراقي"، كـ"صراخ الصمت الأخرس" و"أنا لمن وضد من" و"ألف أمنية وأمنية". كما له في السينما والتلفزيون أدوار مختلفة. كرّمه مهرجان قرطاج المسرحي، عام 2009، باعتباره أحد الممثلين العرب المؤثّرين في المسرح والسينما العربيين. كما نال جوائز عراقية وعربية عدّة. التقته "العربي الجديد" لحوار عن أهمّ المحطات في سيرته الفنية.

لم تكن بدايتك تقليدية. بدأت مع عمالقة المسرح العراقي، وأنت طالبٌ في كلية الفنون.
أنْ تبدأ خطوتك الأولى في الفن مع كبارٍ، يتملّكك شعور بالزهو والرعب في الوقت نفسه. هذا حصل معي في مسرحية "الإنسان الطيب"، التي أعدّها فاروق محمد عن برشت، وأخرجها عوني كرومي. عندما تعمل مع أسماء، كيوسف العاني وخليل شوقي وجعفر السعدي وسامي عبد الحميد ومرسل الزيدي وعقيل مهدي، وتكون أحد أبطال المسرحية، ستشعر بزهو كبير، فأنت طالبٌ تدرس، ومعظم الذين ذكرتهم قامات فنية رفيعة على خشبة المسرح، وأكاديميين يُدرّسونني في الكلية. مؤكّد أنّك ستشعر بالرعب أيضاً، عندما تسأل نفسك: "ماذا سأقدّم أو أفعل أمام هؤلاء العباقرة المحترفين، ولم تكتمل أدواتي بعد؟". كبار كهؤلاء احتضنوني وساعدوني، فعلّموني الكثير. "الإنسان الطيب" نقطة تحوّل كبير في حياتي، لأنّي استطعت لفت انتباه الجمهور والنقّاد، وتسجيل حضور مهمّ كممثل للمرّة الأولى.

ماذا عن أهم محطاتك الفنية في المسرح، بعد نجاحك في "الإنسان الطيب"؟
المحطات التالية كثيرة، ولا تقلّ أهمية عن سابقاتها. كنتُ حريصاً على تأكيد حضوري وتثبيت قدميّ ووضع اسمي في المشهد المسرحي، العراقي والعربي. هذا صعبٌ، لوجود أسماء كبيرة ومهمّة، تعمل وتبدع في التمثيل، وفي المهنة مبدعون كبار. لكنّ الإصرار والتدريب والبحث والتعلّم كانت معيناً لي. عملت مع كلّ الأجيال في المسرح العراقي: مونودراما "أنا لمن وضد من"، تأليف جليل القيسي وإخراج قاسم محمد؛ و"ألف رحلة ورحلة"، تأليف فلاح شاكر وإخراج عزيز خيون؛ و"الجنّة تفتح أبوابها متأخّرة"، تأليف شاكر أيضاً وإخراج محسن العلي؛ و"العرس الوحشي"، تأليف شاكر وإخراج أحمد حسن موسى؛ و"حظر تجوال"، تأليف وإخراج مهند هادي. آخر أعمالي مسرحية "أمكنة إسماعيل"، تأليف هوشنك وزيري وإخراج ابراهيم حنون.

حصلت على جوائز عراقية وعربية عدّة. ماذا تعنيه لك هذه الجوائز؟
لكلّ جائزة طعم خاص ومسؤولية مضافة. الجائزة الأولى عام 1986 كأفضل ممثل واعد، وكنت أبلغ 23 عاماً، ومتخرّجاً حديثاً من كلية الفنون. عندها، فرحت كثيراً بها، وشعرت برعبٍ مما سأقدّمه في أعمال مقبلة. تلتها جائزة أخرى عام 1988 كأفضل ممثل في العراق. ثم بدأت الجوائز العربية، فحصلت على جائزة التانيت الذهبي في "مهرجان قرطاج" عام 1999، عن "الجنّة تفتح أبوابها متأخّرة"، ثم جائزة أفضل عمل متكامل عن "العرس الوحشي"، ثم جائزة أفضل ممثل في "مهرجان قرطاج" عام 2019 عن "أمكنة اسماعيل"، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة كأفضل ممثل في "مهرجان بغداد الدولي" عام 2021 عن المسرحية نفسها، وأنا أبلغ 60 عاماً. الجوائز خطّك البياني في الصعود والنزول. نعم، كانت هناك إخفاقات في بعض العروض. لكنْ، عندما تنتمي إلى المسرح بشكل كامل، ولفترة طويلة تمتد على 40 عاماً، وتُصِرٌّ على تقديم كلّ ما هو مهمّ جمالياً، ويساهم في بناء الذائقة الفنية والفكرية للمجتمع، تأتي الجوائز لتقول لك إنّك في الطريق الصحيح.

بعد عام 2003 أصبحت السينما مشروعاً فردياً

بين السينما والتلفزيون والمسرح، أين تجد نفسك؟
أنا ابن المسرح، لذلك أجد نفسي فيه. لكنّي شاركتُ أيضاً في أكثر من 60 مسلسلاً، وكذلك في السينما، وإنْ كانت فرصي فيها قليلة. كما تعرف، الإنتاج السينمائي مرّ في مراحل متعثرة، فقبل عام 2003، كانت الفرص معدومة تقريباً، بسبب توقّف الإنتاج. بعد ذلك، ما أُنتج من أفلامٍ روائية طويلة قليلٌ جداً. لكنّ المجال كان مفتوحاً أمام الأفلام القصيرة والوثائقية، وشاركت بعدد منها، كـ"سلايد" لملاك عبد علي. باختصار، المسرح حضورٌ، والتلفزيون شهرةٌ، والسينما تأريخٌ.

كيف ترى المشهد السينمائي في العراق؟
قبل عام 2003، كانت السينما العراقية إنتاج دولة، خاصة في حرب الخليج الأولى. كانت غالبية الأفلام تعبوية، أو تترجم سياسة الحكومة من خلال مواضيع محدّدة تقترحها الدولة. بعد عام 2003، أصبحت السينما مشروعاً فردياً، تصدّى له مخرجون شباب من دون دعم الدولة، إلا مرّة واحدة، بمناسبة "بغداد عاصمة الثقافة العربية"، عام 2013، فكانت الأفلام بائسة بنسبة 90 بالمائة، رغم اشتغال جميع المخرجين العراقيين الموجودين في الداخل والخارج، أقصد الكبار بالسنّ، إذْ لم تُمنح فرصة لأيّ شاب لإخراج فيلم. هؤلاء حملوا راية السينما العراقية ما بعد 2003، بجهود شخصية، وأفلام قليلة، أو ذات كلفة منخفضة. مع ذلك، نالت أفلامٌ قصيرة جوائز في مهرجانات عربية وعالمية.
السينما صناعة قبل أنْ تكون فناً. تحتاج إلى مبالغ طائلة لتنافس ما يحدث في العالم. يجب على الدولة أنْ تنتبه وتعرف أهمية السينما وتدعمها، لإيصال صوت المخرجين والواقع العراقي، المليء بالمواضيع والأزمات الكبيرة والأحداث المريرة والمؤلمة، التي عرفها المجتمع.

فيلم "آخر السعاة" تجربتك الأخيرة في السينما. ماذا عنها، وعن الشباب في السينما؟
انتهيتُ من تصويره نهاية العام الماضي، مع المخرج سعد العصامي. تمّ تصويره في محافظة كربلاء. أحببت التجربة جداً، ودُهشت من المستوى الاحترافي للعاملين فيه، من مدير التصوير إلى الصوت والمكياج بإدارة مخرج شاب يخرج فيلمه الطويل الأول. هم ليسوا من بغداد، ولديهم خبرات ممتازة جعلتهم يتفوّقون على المحترفين.

كانت فرحتي كبيرة بفريق العمل، بالإضافة إلى السيناريو البسيط والقريب من القلب، الذي كتبه ولاء المانع، عن شخصية اجتماعية، كلّ طموحها أنْ تعيش بسلام وأمان، لكنْ، تواجهها مصاعب كثيرة. يتحدّث الفيلم عن المسحوقين في العالم، في أنظمةٍ اجتماعية قاسية. في العراق، هناك طاقات فنية لإنتاج أفلام سينمائية مهمّة، تنافس الموجود في العالم، كمخرجين وفنيين وممثلين وكتّاب، وكذلك وجود أحدث الأجهزة التي تصوَّر بها الأفلام العالمية. لكنّ السينما تحتاج إلى دعمٍ حقيقيّ من الدولة، ويجب أنْ تخصّص ميزانية سنوية للإنتاج السينمائي.

المساهمون