ديف شابيل في باريس: أداء لجمهور غائب

ديف شابيل في باريس: أداء لجمهور غائب

25 يناير 2022
شابيل في أسبوع الموضة الباريسي (بيار سو/Getty)
+ الخط -

أعلن مسرح أبولو في باريس، عن إحياء خمسة عروض للكوميدي الأميركي، ديف شابيل؛ الأمر الذي يثير بعض الاستغراب. أولاً، لأن الأمر بدا كأن شابيل يتفادى الأداء في الولايات المتحدة، التي هُدد فيها بالإلغاء؛ بسبب النكات المتعلقة بالمتحولين جنسياً، التي أثارت حفيظة الكثيرين. والأهم، اختباره أوروبا التي لا يمتلك فيها شهرة كبيرة، كما نقرأ من تغطية بعض الصحف الفرنسية لزيارته، ناهيك عن كونه واحداً من أهم الكوميديين الذين يُتهم مؤدو الكوميديا الفرنسية بأنهم يسرقون نكاته.
يتخلل ضمير "أنا" هذا المقال في مخالفة للعرف الصحافي، بسبب طبيعة العروض التي يقدمها شابيل، وانفتاحها على الجمهور، فمثلاً لا بد من الوصول باكراً إلى المسرح والانتظار في الطابور من أجل إيجاد مكان مناسب، وهذا ما فعلته لضمان الصفوف الأولى، التي عادة ما يحاور شابيل الجالسين ضمنها. وبالطبع، الهواتف النقالة ممنوعة، وينسحب ذلك على أي وسيلة لالتقاط الصور أو التسجيل، كوننا أمام عرض قد ينتهي على نتفليكس، مثلاً، ولا يجوز تسريبه، خصوصاً أن شابيل يختبر النكات في هذه العروض لجمعها أخيراً في "عرض خاص" واحد جاهز للبث.
عمل لاعب الأسطوانات Dj Trauma على تجهيز الجمهور، وخلق جو احتفاليّ من نوع ما. لكن، للأسف، الموسيقى والأغنيات التي استخدمها تعود إلى مطلع الألفية، لا جديد فيها، وكأنهم يتوخون الحذر تجاه الجمهور وذوقه (الشأن الذي سيتضح لاحقاً). لكن المفاجآت قادمة؛ إذ افتتح العرض "ملك القفشات" جيف روس، وبدأ بإلقاء النكات ساخراً من العائلة الحاكمة البريطانية، وكيف ربى كلباً وفقده أثناء الوباء، ثم اختار من الجمهور ثمانية متطوعين ليتهكم عليهم علناً، كما يحصل عادةً في عروضه السابقة.
لم ينته الأمر عند جيف روس؛ إذ استدعيت إلى الخشبة مفاجأة أخرى، الكوميديانة ميشيل وولف التي ألقت نكاتاً عن العلاقات الزوجية، وعن نفسها بصورة لم تنل الكثير من الإعجاب، خصوصاً أن الحساسيات والإشكاليات التي تتحدث عنها غير موجودة في فرنسا، أو لا يرى فيها الجمهور إشكاليّة، حتى إنها قالت عدة مرات على الخشبة إنها لا تستطيع توقع رد فعل الجمهور على ما تقول.
كل هذه المقدمات والجمهور ينتظر شابيل إلى حد التململ، فثمن البطاقة المرتفع يقارب 200 دولار، ما أثار تساؤلات كثيرة. لكن لا مشكلة، نحن أمام "أسطورة". الملفت في هذا الشأن، أن المسرح طرح 3900 بطاقة للبيع، لكنها لم تنفد لحظة الإعلان عنها، بل إن الصفوف الأخيرة في العرض الأول الذي حضرته، لم تكن ممتلئة.


لن نخوض في النكات الخمس أو الست التي ألقاها شابيل، بعد أن ظهر على الخشبة وسط تصفيق الجمهور، ولا كون واحدة منها مكررة وسمعناها سابقاً، تلك التي يخبرنا فيها عن الرجل الذي يمكن وصفه بالمغتصب المتسلسل، بل يمكن اختصار طبيعة العرض بما طرحته عليه حين قال إنه مستعد للأسئلة ولا يمتلك مواد جديدة، إذ سألته: "هل ما زلت قادراً على قول النكات بالمقلوب، من النهاية إلى البداية؟" فأجاب: "هنا؟ للأسف لا، لن تساعدني اللغة".
لا يمكن التعليق على أداء شابيل المحترف، لكنه يكرر سخريته من المتحولين جنسياً، وما يلاحقه من اتهامات بالإساءة إليهم وتعريضهم للعنف، لكن الكثير من النكات، سواء التي ألقاها هو، أو تلك التي ألقاها من هم قبله، لم تنل الصدى المناسب، ربما لأننا في العرض الأول، أو لأن الجمهور لا يستوعب بدقة أطياف النكتة وإحالتها في السياق الأميركي، وهنا يظهر شابيل وكأنه يؤديّ لجمهورين، واحد حاضر، وآخر سيشاهد لاحقاً.
هناك سبب آخر لما يمكن وصفه بـ"تخريب لمسة" شابيل؛ إذ يُقال إن طغيان البياض يربكه، وهذا ما شهدته الصالة؛ فأغلب الجمهور من البيض، سواء الفرنسيين أو الأميركيين المقيمين في فرنسا، وهذا ما يهدد أداءه.

لكن، لا يمكن التأكد من هذه الحجة، إلى جانب كونها تنم عن عدم احتراف أو قلة حنكة، لكن يمكن تلمس هذا الارتباك حين قرر شابيل التوقف عن إلقاء النكات، وطلب من الجمهور أن يطرح عليه أسئلة ليجيب عنها. الملفت أنها لم تتعلق به فقط، إذ سئل إن تم إلغاؤه، وسئل عن لويس سي. كاي.، وعن طول كيفين هارت الحقيقي، وتسلل سؤال "لماذا اخترت باريس؟"، ليجيب عنه قائلاً بأنه فنان ويحاول أن ينقل رسالة السلام والمحبة التي لم تعد مقبولة في الولايات المتحدة، الجواب هذا مراوغ، بل "ملتزم" نوعاً ما ولا يحمل أي معنى.

نجوم وفن
التحديثات الحية

لم ينته العرض بانتهاء شابيل من أداء فقرته واستقبال أسئلة الجمهور، فهناك مفاجأة أخيرة؛ إذ استدعى إلى الخشبة ثنائي الهيب هوب "بلاك ستار"، اللذين يعرفهما منذ ما يزيد على عشرين عاماً، وقدما أغاني من ألبومهما الجديد (ما زال قيد التسجيل). الأداء الذي استمر 40 دقيقة حول العرض إلى حفل، انتهى بتحية الجمهور واختفاء شابيل ومن معه في الكواليس، من دون السماح لأحد بطرح الأسئلة أو إجراء اللقاءات، أو حتى التسلل إلى الكواليس؛ فشابيل قال ما لديه، واختفى.

المساهمون