ديف شابيل الأقرب إلى النهاية

ديف شابيل الأقرب إلى النهاية

13 أكتوبر 2021
تمثّل حملات المقاطعة هذه شكلاً من أشكال الصوابية السياسية (Getty)
+ الخط -

اشتهر الكوميدي ديف شابيل، بوصفه الفنان الذي لم تستطع هوليوود "شراءه"؛ إذ رفض صفقة بمقدار 50 مليون دولار، وقرر الاعتزال لفترة، قبل أن يعود ويتابع نجاحه؛ إذ استقبلته نتفليكس واحتضنته، عبر خمسة عروض كوميديّة، مثيرة للجدل، صدر السادس منها، أخيراً، بعنوان "أخيرًا وليس آخرًا" (the closer)، مشعلاً الانتقادات إلى حد المطالب بمقاطعة شابيل ونتفليكس، بتهمة الترويج للكراهية ضد مجتمع الميم.
قبل الخوض في العرض الأخير، لا بد من الإشارة إلى أن الجدل سببه انتقادات شابيل لمجتمع الميم، وتهكمه على المتحولين جنسياً، وكيف تحولوا إلى قوة تلغي الأفراد بسبب الاختلاف بالرأي أو النكات؛ فمن وجهة نظر شابيل؛ الأمر ليس إلا أداة بيضاء جديدة، توظف الحساسية العالية للجماعات، من أجل أن تدمر حياة أحدهم. وبرأيه، كما جاء في العرض؛ بإمكان أحدهم في الولايات المتحدة أن يقتل شخصاً، من دون أن تتأثر مسيرته المهنية، لكن مجرد انتقاد أو السخرية من مجتمع الميم والمتحولين جنسياً، قد تُدمّر حياته، مشيراً إلى ما حصل مع مغني الراب، "دا بيبي".
المثير للاستغراب، أن هذا العرض، بخلاف غيره، يتحدث فيه شابيل عن نفسه بوضوح، هو الذي لم يقدم صورة واضحة عن حياته سابقاً؛ نراه الآن يتناول الانتقادات بوضوح، مشيراً إلى حياته الشخصية، وساخراً من مجتمع الميم والمتحولين جنسياً، وعدم احتمالهم للنكات، راداً على الاتهامات الموجهة إليه، بأنه لا يحب النساء، أو لديه فوبيا من نوع ما، قائلاً إن الأمر يتعلق بالضحك، إن كان الأمر مضحكاً فلا مشكلة.


يرد أيضاً في الاتهامات بأنه "يستقوي" على الفئة الأضعف. وهنا يقع في فخ لا مفر منه، إذ يتحدث عن صديقة له، متحولة جنسياً، وكيف أعطاها فرصة لتفتتح واحدة من عروضه، ثم فشلت في ذلك، مؤكداً أنها لطالما أُعجبت بنكاته، لكن المشكلة أنها انتحرت، خصوصاً بعد دعمها لشابيل ونكاته. لا يربط شابيل بين الحدثين، لكنه يؤكد أن مجتمع الميم نفسه هو من "يستقوي" على من لا يشاطره الرأي ويسعى إلى إلغائه. وهنا يتضح الفخ، إذ استخدم حجة تقليدية تشابه قولنا "أنا أحب السود، لدي صديق أسود"، أو "أنا أحب اليهود، لدي صديق يهودي".
نجد أنفسنا منساقين وراء ذكر مواقف شابيل، كون الكوميديا في العرض قائمة فقط على أساس الحكاية الشخصية والمفارقة، الشأن الذي لم نعهده من شابيل، الذي كان أشبه بحكيم يحاول إنارة درب الحاضرين، والإشارة مباشرة إلى مواقع العطب، لنرى أنفسنا أمام تعليق سياسي شخصي، أكثر من كونه عرضاً كوميدياً، ناهيك عن أن شابيل يعيد الخلاف إلى قضية العرق، الأمر ليس إلا امتداداً للصراع "الأبيض والأسود" في الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن الاتهامات برهاب المثلية تطاول السود فقط، وتهدد مسيرتهم الفنيّة.
انتشرت بعد العرض دعوات المقاطعة، مقاطعة نتفليكس وشابيل نفسه. واتُهمت منصة العرض العملاقة، بأنها تريد الربح فقط، وأن شابيل يستقوي على الضعفاء؛ أي يمكننا القول، إنه حدث بالضبط ما كان يتحدث عنه شابيل: موجة عارمة تستهدفه شخصياً، بوصفه المسؤول عن كل ما يتعرض له مجتمع الميم، واتهامات بأن نكاته تسبب الأذى للناس.

ينهي شابيل عرضه بالإشارة إلى أنه لن يقول أي نكات عن مجتمع الميم، ولن يذكرهم مجدداً، إلى حين تأكده من أنهم يضحكون سويّة. هنا لا يمكننا النظر إلى موجات الانتقاد هذه، وحملات المقاطعة، إلا كشكل من أشكال الرقابة اليسارية والصوابية السياسيّة التي تحاول تقنين ما يجوز قوله وما لا يجوز قوله.

ولا نتحدث هنا على المستوى السياسي، بل ذاك الفردي؛ إذ أصبحت القشعريرة تسري في جسد أي شخص قبل أن يقول أي شيء خوفاً من أن يهين أو يجرح مشاعر أحدهم، وكأن الفضاء العام من زجاج هش، كل من فيه لا يحتمل أي لمسة، وإلا سينهار، ما يعطل النقاش والترفيه وأبسط أشكال التواصل الجديّ.

المساهمون