"ديزني" في خطّة لدمج "هولو": تحوّلات المشاهدة في سوق البث

20 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 21 أغسطس 2025 - 22:51 (توقيت القدس)
هذا الدمج يعيد صياغة توقعات الولاء الجماهيري (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أعلنت "ديزني" عن دمج "هولو" مع "ديزني بلس" في بريطانيا، مما يعكس استراتيجية لدمج المكتبات وتبسيط تجربة المستخدم، مع إمكانية تبني نموذج موحّد في الشرق الأوسط، خاصة في دول الخليج ذات البنية التحتية القوية.
- يشير الخبراء إلى نجاح التعاون بين المنصات الإقليمية والعالمية، مثل شراكة "شاهد" و"نتفليكس"، مع استمرار التحديات الثقافية والسياسية في موازنة المحتوى العالمي مع القيم المحلية.
- تستجيب المنصات الإقليمية مثل "شاهد" و"أو إس أن بلس" للضغوط العالمية بتعزيز التوطين والاستثمار في المحتوى العربي، واستهداف الجاليات العربية في المهجر.

لم تعد تحركات عمالقة البث التدفقي محصورة في الأسواق المحلية، فكل تحوُّل في هوليوود أو لندن سرعان ما يصل صداه إلى شاشات المشاهدين العرب. المثال الأحدث جاء مع إعلان "ديزني" في السادس من أغسطس/آب الحالي عن خطتها لدمج منصتها الأميركية هولو داخل تطبيق ديزني بلس في بريطانيا. خطوة وُصفت في الإعلام الغربي بأنها "إعادة رسم لحدود المنافسة" في سوق تشهد سباقاً محموماً على وقت المشاهد واشتراكاته. والسؤال: هل يمكن أن يشهد الشرق الأوسط تجربة مماثلة؟

يقول مؤسس الموقع الإخباري والسياسي المدفوع "عرب دايجست"، هيو مايلز، في حديث خاص إلى "العربي الجديد"، إن تبنّي نموذج موحّد شبيه بدمج "هولو" بـ"ديزني بلس" في الشرق الأوسط "ممكن من حيث المبدأ"، لأن السوق مهيأة لمرحلة من التكتل. يشير إلى أن مستهلكي دول مجلس التعاون الخليجي يملكون ثاني أعلى متوسط اشتراكات عالمياً بعد الولايات المتحدة، ما ولّد حالة من "إرهاق الاشتراكات". يضيف: "منصة موحّدة أو باقة مجمّعة تمنح المستخدم فاتورة واحدة وواجهة واحدة ستبسّط التجربة وتخفّف هذا الإرهاق". في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أنّ عدداً من إنتاجات "هولو" يمكن للمشاهد في المنطقة العربية متابعتها على "ديزني بلس".

يرى مايلز أن هذا التوحيد يحصل عملياً منذ سنوات من خلال شراكات بين شركات الاتصالات المحلية مثل "إس تي سي" و"اتصالات" وخدمات البث، فضلاً عن الشراكة الأخيرة بين "شاهد" التابعة لمجموعة "إم بي سي" و"نتفليكس"، التي شكّلت نموذجاً ناجحاً لتجميع القيمة من دون الاصطدام بتعقيدات الدمج التنظيمية واللوجستية. لكنه يستبعد أن نشهد في المستقبل المنظور توحيداً مباشراً بين اللاعبين الكبار في المنطقة، بسبب تشابك هياكل الملكية، وتخصص العلامات التجارية ونجاح الاستراتيجيات القائمة على التمايز. يضيف مايلز: "المشهد الاستراتيجي يتحول من التنافس البحت إلى ما أسميه التعاون التنافسي، أي المزج بين المنافسة والتكامل. وتجربة الشراكة بين شاهد ونتفليكس مثال واضح على هذا الاتجاه. في النهاية، الفائزون الحقيقيون سيتمثّلون بالمنصات القادرة على مزج الامتداد العالمي مع العمق المحلي". وهنا، يُشار إلى أن عدداً من إنتاجات "إتش بي أو" باتت تُعرض على "نتفليكس" في الولايات المتحدة الأميركية. في العالم العربي، حصلت منصة "أو إس أن بلس" على عدد من إنتاجات "إتش بي أو".

توضح الأستاذة المشاركة ومديرة الدراسات العليا في قسم السينما والدراسات الإعلامية في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، ليلى شيرين صقر، في حديث خاص إلى "العربي الجديد"، أن إطلاق "ديزني بلس" نموذجاً موحّداً للبث على غرار دمج "هولو" يبدو مغرياً ومعقّداً في آن. وتشير إلى أن خطوة "ديزني" في بريطانيا تعكس استراتيجية عالمية تقوم على دمج المكتبات، وصنع تجارب استخدام سلسة، والحد من تسرب المشتركين، بيد أنّ المنطقة العربية تطرح تحديات وفرصاً خاصة. تلفت صقر إلى أن البنية التحتية تشكّل العقبة الأولى، إذ تتمتع دول الخليج مثل السعودية والإمارات وقطر بأعلى معدلات انتشار للهواتف المحمولة وأسرع خدمات إنترنت، بينما تعاني دول، مثل لبنان ومصر وسورية والعراق، من أزمات كهرباء وفجوات رقمية تجعل البث أقل موثوقية. أما البنية الإعلامية الفلسطينية فتتعرّض لهجمات مباشرة تشنّها قوات الاحتلال. لذلك، ترى أن فرص نجاح هذا النموذج "أقوى في الخليج، حيث الإقبال الرقمي مرتفع، والاشتراك بالمحتوى المدفوع مألوف"، بينما يتطلب الانتشار الأوسع "توطيناً عميقاً ومرونة في التسعير وتكيّفات إضافية". تضيف صقر أن القيود التنظيمية والسياسية تُملي تحديات أخرى، إذ تفرض الحكومات مستويات متفاوتة من الرقابة، وتستثمر السعودية والإمارات بكثافة في الصناعات الثقافية، وتضع شروطاً مستندة إلى القيم الدينية والاجتماعية. وتذكّر بأن "ديزني" واجهت توترات مرتبطة بتمثيل قضايا الميم، أدت أحياناً إلى سحب أفلام من التوزيع. تقول: "أي نموذج موحّد في المنطقة يحتاج إلى التعامل بحذر مع هذه الحساسيات، موازناً بين العلامة العالمية ومتطلبات الامتثال المحلي".

تحذّر صقر من أن دخول "ديزني" بصيغة أكثر تكاملاً يعزز حضور المنتجات الثقافية الغربية في الحياة اليومية للجمهور العربي، مشيرة إلى أن مكتبة الشركة تضم قوة ضخمة من الكلاسيكيات المتحركة وأعمال "مارفل" و"حرب النجوم" و"ناشيونال جيوغرافيك". ومع إضافة "هولو" الأكثر تجريبية والموجهة للبالغين، يتوسع النطاق إلى الشباب والمهتمين بالسياسة، ما قد يزيد خطر "تجانس ثقافي" يزاحم السرديات المحلية. تؤكد صقر أن الجمهور العربي "ليس مستهلكاً سلبياً"، بل اعتاد على إعادة تفسير واستيعاب المحتوى العالمي ضمن أطر محلية، كما حدث مع المسلسلات التركية والمكسيكية المدبلجة. وترى أن المنصات الموحّدة قد تسرّع عملية "تهجين الهويات"، إذ يستهلك العرب الامتيازات العالمية، مع المطالبة بتمثيل يعكس لغتهم وقيمهم وتجاربهم. ترى صقر أن النقاش حول الهوية سيبقى حاضراً بقوة؛ فالأجيال الرقمية الشابة تعتبر وجود منصات عالمية مثل "ديزني بلس" علامة على الانتماء إلى حداثة كونية، بينما تخشى فئات أخرى من "محو ثقافي" أو "استعمار رقمي". تقول إن أي منصة موحّدة "قد تفاقم هذه التوترات إذا تضمّن محتواها موضوعات مثيرة للجدل حول الجنس والنوع والسياسة تتعارض مع الثوابت الثقافية في المنطقة". وعلى صعيد التفاعل الجماهيري، تقول إن الدمج "يعيد صياغة توقعات الولاء"، فالمكتبة الموحّدة تقدّم خوارزميات توصية شخصية قد تجعل المستخدم العربي أكثر اندماجاً في منظومة عالمية. لكنها، في المقابل، تقلّص من الاستقلالية الثقافية عندما تُصفّى الممارسات العربية عبر خوارزميات مبنية أساساً على أنماط غربية". تطرح صقر سؤالاً محورياً: "هل ستُعطى السرديات العربية موقعاً بارزاً في هذه المنصة، أم ستظل مطموسة تحت ثقل الكتالوغ الغربي؟". وتؤكد أن الجواب يعتمد على مدى جدية "ديزني" في إنتاج محتوى عربي أصيل والترويج له بوضوح، وإلا فإنها تخاطر بتوسيع فجوة التمثيل.

أما عن استجابة المنصات الإقليمية، فتقول صقر إن "شاهد" و"أو إس أن بلس" تدركان منذ وقت مبكر الضغوط القادمة من "نتفليكس" و"أمازون" و"ديزني"، واستراتيجياتها تمزج بين الدفاع والمبادرة. أولاً عبر "تعزيز التوطين"، إذ تستثمر هذه المنصات بكثافة في إنتاج محتوى عربي أصيل يعكس اللهجات والمرجعيات المحلية، ما يمنحها أفضلية لا تستطيع "ديزني" تقليدها. كذلك، تشير إلى أن الشراكات تبقى أداة محورية، سواء عبر صفقات حصرية مع استوديوهات عالمية أو عبر دمج الاشتراكات بخطط بيانات الهاتف المحمول، ما يسهّل الوصول في أسواق أقل قدرة شرائية. تلفت صقر إلى أن هذه المنصات أكثر مرونة في التسعير، إذ يمكنها اعتماد نماذج مدعومة بالإعلانات أو عروض موسمية، مثل محتوى رمضان. كذلك، تراهن على الابتكار التقني، من خلال واجهات عربية وخوارزميات توصية مدرّبة على أنماط استهلاك محلية. تضيف: "هذه الخصوصية التقنية تجعل المشاهد العربي يشعر بأنه مرئي وممثَّل".

وأخيراً، ترى صقر أن الوصول إلى الجاليات العربية في المهجر يبقى مجالاً غير مستغل، إذ تستطيع هذه المنصات أن تتموضع جسراً بين الداخل والمهجر في أوروبا وأميركا وأفريقيا، وهي ميزة لا تستطيع المنصات العالمية الكبرى محاكاتها.

تُظهر أحدث تقديرات "ديجيتال تي في ريسيرش" أن اشتراكات الفيديو حسب الطلب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستقفز من 15 مليوناً عام 2023 إلى قرابة 28 مليوناً بحلول 2029. ومع تسارع المشاهدة عبر الهواتف، تبقى المنطقة سوقاً واعدة وجاذبة لخطط الدمج والتكتل. غير أن المستقبل لن يكون حكراً على المنصات العالمية وحدها؛ فالنجاح سيبتسم لتلك التي تستطيع الجمع بين قوة الامتداد الكوني وحساسية التفاعل مع الخصوصيات المحلية.

المساهمون