استمع إلى الملخص
- يواجه "ديبسيك" تحديات تقنية وأمنية، حيث تعرض لهجمات خبيثة وتم حظره في دول مثل كوريا الجنوبية وأستراليا بسبب مخاوف تتعلق بجمع البيانات.
- تم تدريب "ديبسيك" لتجنب الأسئلة السياسية الحساسة، ويواجه قيودًا في الولايات المتحدة بسبب مخاوف أمنية وأخلاقية.
أذهل روبوت الدردشة "ديبسيك" الذي طورته شركة ناشئة مقرها الصين، خبراء الصناعة، وقلب الأسواق المالية رأساً على عقب منذ إطلاقه في يناير/ كانون الثاني الماضي. وأثار "ديبسيك" قلقاً عندما زعم أن روبوت المحادثة الجديد R1 الخاص به يضاهي قدرات الذكاء الاصطناعي الرائدة في الولايات المتحدة، ولكن بجزء بسيط من الكلفة. وأحدث ذلك ضجة في وادي السيليكون، حيث وصف البعض أداءه العالي وكلفته المنخفضة المفترضة بأنها إنذار لمطوري الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة. واتهم بعض الخبراء التطبيق الصيني بعكس هندسة تقنيات الذكاء الاصطناعي الرائدة في الولايات المتحدة، مثل تلك التي تدعم "تشات جي بي تي". كما هزت شعبيته وإمكاناته المستثمرين، ما أدى إلى محو مليارات الدولارات من القيمة السوقية لشركة إنفيديا العملاقة للرقائق، وأثار تساؤلات حول ما إذا كانت الشركات الأميركية ستهيمن على سوق الذكاء الاصطناعي المزدهرة، كما افترض الكثيرون. ووصفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه "جرس إنذار" للشركات الأميركية.
ما هو "ديبسيك"؟
برنامج دردشة مجاني يعمل بالذكاء الاصطناعي، ويشبه "تشات جي بي تي" إلى حد كبير، وهذا يعني استخدامه للمهام نفسها، على الرغم من أن مدى نجاحه مقارنة بمنافسيه لا يزال محل نقاش. يُقال إنه قوي مثل نموذج o1 من الذي أطلقته شركة أوبن إيه آي في نهاية العام الماضي، وتحديداً في مهام تتعلق بالرياضيات والترميز.
أفادت "ديبسيك" بأنها كانت قادرة على تطوير برنامجها بكلفة زهيدة؛ يزعم الباحثون وراءها أنها تكلفت ستة ملايين دولار للتدريب، وهو رقم بسيط مقارنة بـ"أكثر من مائة مليون دولار" ذكرها الرئيس التنفيذي لـ"أوبن إيه آي" سام ألتمان عند حديثه عن "جي بي تي-4". كما يبدو أن التطبيق الصيني قادر على تخطي القيود الأميركية على أقوى الرقائق التي تصل إلى الصين. وفقاً لتقارير إخبارية، بنى مؤسس "ديبسيك" مخزناً لشرائح "إنفيديا إيه 100" Nvidia A100 المحظور تصديرها إلى الصين منذ سبتمبر/ أيلول 2022. ويعتقد بعض الخبراء أنه دمج هذه الرقائق بأخرى أرخص وأقل تطوراً، ما أعطاه عملية أكثر كفاءة بكثير. يستخدم "ديبسيك" أيضاً ذاكرة أقل من منافسيه، ما يقلل في النهاية من كلفة أداء المهام للمستخدمين. ساعد هذا المزيج من الأداء والكلفة المنخفضة مساعد الذكاء الاصطناعي "ديبسيك" في أن يصبح التطبيق المجاني الأكثر تنزيلاً على متجر تطبيقات "آبل" عند إصداره في الولايات المتحدة. وفي اليوم نفسه، تعرض لهجمات خبيثة واسعة النطاق، حسبما أعلنت الشركة، ما دفعها إلى الحد مؤقتاً من التسجيلات. كما تعرض موقعها الإلكتروني لأعطال.
مثل العديد من نماذج الذكاء الاصطناعي الصينية الأخرى، دُرِّب "ديبسيك" لتجنب الأسئلة السياسية ذات الحساسية. وعندما سألت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) التطبيق عما حدث في ميدان السلام السماوي في الرابع من يونيو/ حزيران 1989، لم يقدم تطبيق "ديبسيك" أي تفاصيل حول المذبحة، وهو موضوع محظور في الصين، ويخضع للرقابة الحكومية.
تأسست "ديبسيك" في ديسمبر/ كانون الأول 2023 على يد ليانغ وينفينغ، وأصدرت أول نموذج لغة كبيرة للذكاء الاصطناعي في العام التالي. لا يُعرف الكثير عن ليانغ الذي تخرج من جامعة تشجيانغ في هندسة المعلومات الإلكترونية وعلوم الكمبيوتر. شوهد أخيراً في اجتماع استضافه رئيس الوزراء في الصين لي تشيانغ، ما يعكس بروز "ديبسيك" في قطاع الذكاء الاصطناعي. على عكس العديد من رواد الأعمال الأميركيين في مجال الذكاء الاصطناعي الذين ينتمون إلى وادي السيليكون، يتمتع ليانغ أيضاً بخلفية في مجال التمويل. وفي مقابلة نادرة العام الماضي، قال إن قطاع الذكاء الاصطناعي في الصين "لا يمكن أن يظل تابعاً إلى الأبد" للولايات المتحدة. وعندما سُئل عما شكله "ديبسيك" من مفاجأة للكثيرين في وادي السيليكون، أجاب: "مفاجأتهم تنبع من رؤية شركة صينية تنضم إلى لعبتهم باعتبارها مبتكرة، لا مجرد تابعة".
دول تحظر "ديبسيك"
منعت وزارات الخارجية والتجارة والدفاع في كوريا الجنوبية الوصول إلى خدمة "ديبسيك" بسبب مخاوف تتعلق بجمع بيانات المستخدمين. ووفقاً لمصادر حكومية، قيّدت السلطات الرسمية الوصول إلى الخدمة على أجهزة الكمبيوتر التابعة للوزارات المتصلة بالشبكات الخارجية، حسبما ذكرت وكالة يونهاب للأنباء اليوم الخميس. وأشار مسؤول في وزارة الدفاع إلى "المخاوف التقنية" كسبب لتقييد الوصول على أجهزة الكمبيوتر المستخدمة في الأعمال العسكرية. كما قررت شركة كوريا للطاقة المائية والنووية التي تديرها دولة كوريا الجنوبية، أمس الأربعاء، حظر استخدام جميع خدمات الذكاء الاصطناعي بما في ذلك "ديبسيك". وقال مسؤول في وزارة الصناعة في كوريا الجنوبية، أمس الأربعاء، إن الوزارة حظرت مؤقتاً وصول الموظفين إلى "ديبسيك" بسبب مخاوف أمنية، في الوقت الذي تحث فيه الحكومة على توخي الحذر بشأن خدمات الذكاء الاصطناعي التوليدية.
في اليوم نفسه، أعلنت أستراليا حظر استخدام التطبيق على جميع الأجهزة الحكومية بناءً على توصيات وكالات الأمن، مشيرة إلى المخاطر المتعلقة بالخصوصية والبرمجيات الخبيثة التي يشكلها برنامج الذكاء الاصطناعي الصيني الناشئ. وصعّدت أستراليا إجراءاتها، حيث فرضت حظراً شاملاً على استخدام "ديبسيك" في جميع الأجهزة الحكومية، في واحدة من أشد الخطوات التي اتُّخذت ضد روبوت الدردشة الصيني حتى الآن. وقال المبعوث الحكومي للأمن السيبراني أندرو تشارلتون: "هذا إجراء اتخذته الحكومة بناءً على نصيحة وكالات الأمن. إنه ليس مجرد خطوة رمزية على الإطلاق". وأضاف: "لا نريد تعريض الأنظمة الحكومية لخطر هذه التطبيقات". وأوضح تشارلتون، في حديث لمحطة إيه بي سي الوطنية، أن المخاطر تشمل احتمال عدم الحفاظ على سرية المعلومات التي يتم تحميلها، كما أن تطبيقات مثل "ديبسيك قد تعرضك للبرمجيات الخبيثة". وأصدرت وزارة الشؤون الداخلية الأسترالية توجيهاً للموظفين الحكوميين، وتحدثت سكرتيرة وزارة الشؤون الداخلية ستيفاني فوستر في التوجيه قائلة: "بعد النظر في تحليل التهديدات والمخاطر، رأينا أن استخدام منتجات وتطبيقات وخدمات ديبسيك يشكل مستوى غير مقبول من المخاطر الأمنية على الحكومة الأسترالية". وأضافت أنه اعتباراً من أمس الأربعاء، يجب على جميع الكيانات غير التجارية التابعة للكومنولث "إزالة جميع حالات استخدام منتجات وتطبيقات وخدمات ديبسيك الموجودة في جميع أنظمة الحكومة الأسترالية والأجهزة المحمولة". كما شدد التوجيه على ضرورة منع "الوصول إلى ديبسيك أو استخدام أو تثبيت منتجاته" عبر جميع الأنظمة والأجهزة الحكومية. وقد حظي هذا القرار بدعم من كلا الحزبين في أستراليا.
كما طلبت وزارة المالية الهندية من موظفيها تجنب استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بما في ذلك "تشات جي بي تي" و"ديبسيك" للأغراض الرسمية، مشيرة إلى المخاطر التي تهدد سرية الوثائق والبيانات الحكومية، وذلك في مذكرة مؤرخة في 29 يناير، وفقاً لوكالة رويترز.
ومنعت تايوان جميع وكالاتها الحكومية ومقدمي خدمات البنية التحتية الحيوية من استخدام تقنية "ديبسيك"، مشيرة إلى مخاوف أمنية. وأعلنت هيئة حماية البيانات الشخصية في إيطاليا حظر الوصول إلى "ديبسيك"، وأشارت في بيان إلى أن القرار جاء "لمنع الشركة الصينية من معالجة بيانات المستخدمين الإيطاليين"، كما لفتت إلى أنها فتحت تحقيقاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي الصينية.
أما في الولايات المتحدة، فقد تلقى العاملون في مكاتب الكونغرس تحذيرات بعدم استخدام "ديبسيك". كما أصدر حاكم ولاية تكساس أمراً بحظر تطبيقات روبوت الدردشة الصيني من الأجهزة الحكومية، فيما أصدرت البحرية الأميركية تعليمات تحظر على أفرادها استخدام التقنية لأي غرض، سواء للعمل أو للاستخدام الشخصي، بسبب مخاوف أمنية وأخلاقية. أيضاً، حظرت وكالة أنظمة المعلومات الدفاعية التابعة للبنتاغون الوصول إلى تقنيات "ديبسيك" بعد اكتشاف استخدام غير مصرح به من قبل بعض الموظفين، ومنعت "ناسا" موظفيها من استخدام هذه التقنيات على الأجهزة والشبكات الحكومية، مشيرة إلى مخاوف تتعلق بالأمن القومي.