ديان كيتون "لم تعد هنا": اختبارات أدائية باهرة

12 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 13:42 (توقيت القدس)
كاي/ديان كيتون ومايكل/آل باتشينو في "العرّاب 1" (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- ديان كيتون، الممثلة الأمريكية، حققت شهرة واسعة بفوزها بجائزة الأوسكار عن دورها في فيلم "آني هال" (1977)، وأظهرت براعتها في ثلاثية "العرّاب" لفرنسيس فورد كوبولا، مما جعلها تبرز كممثلة متعددة الأبعاد.
- قبل "آني هال"، شاركت كيتون في أفلام مع وودي آلن مثل "نائمة" و"حب وموت"، مما ساهم في تطوير أدائها المميز في "آني هال" وأثبت قدرتها على تقديم أدوار متنوعة ومعقدة.
- لم تقتصر مسيرتها على أفلام وودي آلن و"العرّاب"، بل شاركت في أفلام مثل "حمر" و"نادي الكتاب"، مما أظهر تنوعها وقدرتها على مواجهة تحديات تمثيلية مختلفة، ووصفتها وسائل الإعلام بأنها "الأيقونة الهوليوودية".

أنْ تنال جائزة أوسكار أفضل ممثلة عن دورها في "آني هال" (1977) لوودي آلن، فتُصبح مُلهمته، لا يعني حصرها في تلك اللحظة المفصلية، والتغاضي عن نتاجٍ سينمائي يمنحها أدواراً متفرّقة، فتصوغ بها شهرة غير مأسورة بشخصية أو مخرج أو إطار. أنْ تلمع تقنيات أدائها في ثلاثية "العرّاب" (1972، 1974، 1990) لفرنسيس فورد كوبولا، رغم ظهورٍ غير كثيرٍ لكنّه آسر، لا يعني التموضع في نصٍّ سينمائي كهذا فقط، لا يزال يُشاهَد، بمتعةٍ، إلى الآن.

فقبل "آني هال"، يختارها آلن نفسه في دورين، يُقدّمان ديان كيتون (1946 ـ 2025) ممثلةً تخطو بهدوء في دربٍ مُعبَّدٍ بمتاعب وتحدّيات، فإذا بهاتين التجربتين، "نائمة (Sleeper)" عام 1973 و"حبّ وموت (Love And Death)" عام 1975، مُختَبَراً لها لاكتشاف ما تملكه من شغفٍ وحماسة، ولاكتساب براعة وسحر في تأدية آني هال، تلك المرأة التي ستبدّل حياة آلفي (آلن)، الفُكاهيّ النيويوركي المتمرّس واللامع، والمُصاب باضطرابات نفسية "لا تُشفى"، أي إنّ الاختبارين السابقين تأسيسٌ لأداء، لن تقول جائزة أوسكار إنّه الأجمل، فالأداء نفسه كفيلٌ بجذب من ينتبه إلى مفردات تعابيرها التمثيلية، خاصة أنّ لآني أصولاً مرتبطة بجماعةٍ، تُعتبر ركيزة ثقافية واجتماعية لأميركا.

وإذْ يُنجَز "آني هال" بعد خمسة أعوام على ظهورها حبيبةً (ثم زوجة)، لمايكل كورلياني (آل باتشينو)، فإنّ مواكبتها مساره المليء بعنفٍ وتساؤلات عن العائلة والصداقة والسلطة والنفوذ والعلاقات، كما عن الذنب والرغبة في المصالحة، ولكاي آدامس ـ كورليوني (كيتون) بعض تلك التساؤلات التي تعيشها بحثاً عن خلاصٍ من جحيمٍ وخراب؛ هذه المواكبة تكشف كم أنّ للممثلة أدوات تعبير آسرة، وبعض الأدوات صمت يكاد يُخيف لشدّة هدوئه الظاهر، وتعبير من دون كلام، وهذا أجمل وأصدق وأوضح، مع أنّ لها نبرة صوت توحي بمزيج البراءة والعفوية والمُراهَقة والدلال أحياناً.

المؤكّد أنّ الاكتفاء بتجربتيها مع وودي آلن (سبعة أفلام، آخرها Manhattan Murder Mystery، عام 1993) وثلاثية "العرّاب" إساءة إلى مسارها التمثيلي الطويل (لها أعمال مسرحية عدّة)، وإلى اشتغالاتها الأدائية في أفلامٍ أخرى. فماذا عن لويز براينت مثلاً، في Reds لوارن بيتي مخرجاً وممثلاً يؤدّي دور جون ريد (صحافي شيوعي أميركي) في "حمر" (1981)؟ أو "غرفة الابن" (Marvin’s Room) عام 1996 لجيري زاكس، الذي "تواجِه" فيه ميريل ستريب، في لعبة خلّابة بين أداءين متحدّرين من اختبارين، يختلف أحدهما عن الآخر كلّياً، ومعهما ليونادرو دبي كابريو في أحد أدواره التأسيسية لمهنةٍ، سيتجلّى سحره في كثيرٍ منها؟ أو "نادي الكتاب" (Book Club) عام 2018 لبيل هولدمان، وفيه تبلغ 72 عاماً، و"تواجِه" أيضاً أحد أجمل التحدّيات التمثيلية، مُجسّداً بجاين فوندا وكانديس بيرغان تحديداً؟ وقبله "جرائم القلب" (Crimes Of The Heart) عام 1986 لبروس بيريسفورد، ومعها في واجهة المشهد ومتنه جيسيكا لانغ وسيسي سبايسك؟

كالعادة، يستحيل اختصار نتاجاتٍ كثيرة لممثلةٍ، تتفنّن صحف ومؤسّسات إعلامية أجنبية في ابتكار عناوين وداع لها، إذْ تكتفي يومية LeDevoir (كيبيك) بأنّها "لم تعد هنا" (11 أكتوبر/تشرين الأول 2025)، بينما Elle (أسبوعية نسائية فرنسية) تمنح خبرها، المنشور في موقعها الإلكتروني بعد ساعات قليلة على إعلان الوفاة (11 أكتوبر/تشرين الأول 2025)، عنواناً أروع: "الممثلة التي لم تؤدِّ دور أحدٍ آخر أبداً". أمّا مؤسّسة RTBF (راديو وتلفزيون بلجيكا الفرنسيان)، فغير مكترثة بالفذلكات الأدبية، مكتفية بوصف الممثلة بـ"الأيقونة الهوليوودية وملهمة السينما الأميركية".

إذاً، لائحة أفلامها الطويلة عصية على اختزالٍ، في كتابة تبغي وداعاً لا أكثر، وتستعيد أحد أجمل ما في الممثلة عند أدائها دور كاي آدامس كورليوني: عينان تضجّان حبّاً ورغبة، وملامح تقول إنّ في القلب شغفاً وهياماً، وابتسامة تضيع بين سخريةٍ مبسّطة ووعيٍ عميق بأنّ البقاء في الجحيم كارثيّ، والخلاص المطلوب ستحصل عليه. هذا يُرافقها في أدوارٍ عدّة، من دون تقليدٍ، بل بتلاعب باهر في اختراع ترجمات مختلفة لما تُظهره العينان والملامح، ولما يقوله القلب والابتسامة، إنْ تُقابِل شخصيتها السينمائية مافياوياً جبّاراً بعنفه وغضبه وسطوته، أو عاشقاً متيّماً، أو صديقات لكلّ منهنّ هوس وانفعالات ومتطلّبات ورغبات.

المساهمون