خياط يصلح ملابس وقلوب اللاجئين الإثيوبيين التيغراي

خياط يصلح ملابس وقلوب اللاجئين الإثيوبيين التيغراي

11 ديسمبر 2020
الإثيوبية سلام تنتظر إصلاح بنطلون ابنها (فرانس برس)
+ الخط -

فر الآلاف من الإثيوبيين التيغراي من القتال، وهم لا يحملون شيئاً سوى ملابس  تغطي أجسادهم، لكنّ كثراً منهم يتدفقون على مشغل الخيّاط عمر إبراهيم في مخيم أم راكوبة، لكي يحيك لهم ملابس جديدة، أو يصلح الثقوب القديمة.

ويقصد عشرات اللاجئين الإثيوبيين يومياً كوخ عمر في المخيم الواقع بولاية القضارف شرق السودان. وبآلة خياطة ذات دواسات استأجرها عمر من أحد سكان القرى السودانية المجاورة للمخيم، يحاول مساعدة اللاجئين على الإعفاء من الهروب القسري من الحرب.

ويروي عمر لوكالة فرانس برس بينما كان منكباً على خياطة فستان قطني باللونين الأحمر والأبيض "أتيتُ إلى هنا قبل شهر من بلدة الحمرة في تيغراي، ولم يكن معي شيء، فأدركتُ أن بقائي مكتوفاً لن يساعدني في تحسين وضعي، فقررتُ أن أزاول الحياكة وهي كل ما أتقنه".

واتفق إبراهيم مع القروي السوداني مالك الآلة الصدئة على أن يستخدمها، مقابل تسليمه نصف الأرباح التي يحصل عليها.

ويقول إبراهيم (25 عاماً) الذي يملك مشغلاً في الحمرة متخصصاً في حياكة ملابس النساء، ويضم ثلاث آلات خياطة "أنا الآن أكثر سعادة مما كنت لدى وصولي إلى هنا".

في مخيم أم راكوبة مترامي الأطراف، والذي تقول الأمم المتحدة إنه يؤوي 13 ألفاً من اللاجئين، يحيك إبراهيم الملابس للنساء والرجال.

ويشرح وهو يضع على كتفيه شريطاً أبيض للقياس "عندما أعطي الناس ملابس جديدة، يشعرون بالسعادة، لأنهم أتوا إلى هنا بلا شيء".

على الرغم من الألم والخسارة التي عانى منها، إلا أنه لا يزال مدفوعاً بإيمانه بالاعتماد على الذات وأهمية خدمة مجتمعه. ويقول "عندما تفعل أشياء جيدة للناس، فإنك تتلقى أشياء جيدة من العالم".

"نحن شعب واحد"

بلغ عدد الإثيوبيين الذين نزحوا إلى السودان 49 ألفاً منذ أن أطلق رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد حملته العسكرية المكثفة على إقليم تيغراي في الرابع من تشرين الثاني / نوفمبر الماضي.

ويعيش هؤلاء النازحون في سلسلة مخيمات منتشرة على طول الحدود السودانية الإثيوبية، يتعين على معظهم فيها الاعتماد على المساعدات التي تقدمها منظمات الإغاثة، للبقاء على قيد الحياة.

ولا يملك كثيرون من هؤلاء المال لدفع قيمة خدمات إبراهيم، لذا هو يتقاضى ما يتوافق مع إمكاناتهم. ويشرح قائلاً "اذا كان بمقدورهم الدفع، آخذ منهم، وإن لم يستطيعوا فإني أساعدهم مجاناً، فنحن شعب واحد ".

وبينما يدفع دوّاسة آلة الخياطة بقدميه لتعمل، يتذكر أيامه الأخيرة في الحمرة "كان القصف كثيفاً، ولم نتمكن من دفن جثث القتلى، وأنا قلق الآن على والدي المسنّين اللذين قررا البقاء هناك".

وعمل عمر في الخياطة يساعده في كسب لقمة العيش ومحاربة حزنه. يقول "لست أفضل من أي شخص آخر. يجب أن أعمل لكسب لقمة العيش. الحمد لله أنني على قيد الحياة. رأيت الكثير من الجثث".

"يساعد الناس"

وانتقل انتباه إبراهيم إلى سلام، وهي امرأة في الخامسة والعشرين وأم لثلاثة أطفال، دخلت إلى كوخه تحمل بنطال ابنها إيمانويل ذي الأعوام التسعة، وكان يحتاج إلى تصليح.

عند مدخل مشغله، وضع إبراهيم ستارة رمادية اللون كبقية أكواخ المخيم، في حين أقيم السقف بالأخشاب والحشائش الجافة.

وتشير سلام في تصريح لوكالة فرانس برس وهي تربط ابنها الأصغر أيوب بوشاح قطني أبيض على ظهرها، إلى أن "بنطال الجينز هو الوحيد" لابنها إيمانويل.

وتضيف "جئت إلى هنا لتصليحه لأن فيه مزقاً. لقد فررنا من تيغراي لإنقاذ حياة الأطفال، ولكننا لم نحمل شيئاً سوى الملابس التي نرتديها، ولذلك يجب أن أصلح البنطال حتى يرتديه ابني ".

وبالفعل، أصلح إبراهيم المزق في دقائق، وتقاضى من سلام خمسين جنيهاً سودانياً (20 سنتاً أميركياً).

أما سلمون البالغ 29 عاماً، وكان يرتدي قميصاً رمادياً وبنطال جينز، فيمتدح إبراهيم قائلاً إنه "يساعد الناس". ويتابع "لولا خياط اللاجئين لما كان لدى كثيرين ما يرتدونه. إنه يجعل ملابسنا صالحة مرة أخرى".

(فرانس برس)

المساهمون