"خزائن"... سردٌ فلسطيني لكل ورقة وصورة

10 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 07:18 (توقيت القدس)
من المواد الأرشيفية لدى "خزائن" (من المبادرة)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تأسس الأرشيف المجتمعي الفلسطيني "خزائن" في القدس عام 2016 بهدف جمع وحفظ تفاصيل الحياة اليومية الفلسطينية من خلال مواد متنوعة مثل الملصقات والوثائق الشخصية، لحماية الهوية الفلسطينية وذاكرتها الجمعية.
- يفتح "خزائن" أبوابه للجميع داخل فلسطين والشتات، ويعمل على تصنيف ورقمنة المواد لتكون متاحة للباحثين والجمهور، كما يبني شراكات مع جامعات ومكتبات ويوفر استشارات ثقافية.
- ينفذ الأرشيف مشاريع خاصة مثل أرشفة مكتبة المسجد الأقصى، ويشجع الأفراد والمؤسسات على إيداع موادهم مع التأكد من موثوقيتها.

تأسّس الأرشيف المجتمعي الفلسطيني "خزائن" في مدينة القدس المحتلة عام 2016، بمبادرة أطلقها شباب فلسطينيون وعرب، ليجمع تفاصيل الحياة اليومية عبر ما يُعرف بـ"الأفيميرا"؛ من ملصقات ومنشورات وإعلانات، وصولاً إلى بطاقات وفواتير ودعوات وأوراق شخصية. يهدف الأرشيف إلى حفظ هذه الشواهد البسيطة، ودفعها نحو البحث والدراسة، لتصبح جزءاً من السردية العلمية والإبداعية في فلسطين والعالم العربي.
اختير اسم "خزائن" استحضاراً للمكتبات الكبرى في التاريخ الإسلامي، مثل "خزائن بيت الحكمة" و"خزائن قرطبة"، ولأن كل مساهمة فردية تُحفظ في خزانة تحمل اسم صاحبها، لتصبح "خزائن الناس". ومنذ انطلاقه، استقبل المشروع أكثر من 26 ألف مادة من عائلات وأفراد ومؤسسات، أُتيح منها أكثر من عشرة آلاف للباحثين والجمهور، فيما يجري العمل على نشر البقية.
في حديثها إلى "العربي الجديد" توضح المنسقة الإدارية في المشروع، دعاء حرباوي، أن "خزائن" جاء نتيجة الحاجة إلى مساحة مستقلة وآمنة تحفظ هوية الفلسطينيين وتاريخهم، وتحمي ذاكرتهم الجمعية من محاولات الطمس، مشيرة إلى أنهم اختاروا مدينة القدس مقرّاً له إيماناً بأنها الحاضنة الطبيعية للأرشيف والرواية الفلسطينية. بدأ المشروع من شارع الزهراء، ليستقر اليوم في حي الشيخ جراح، جامعاً ما ينتجه الفلسطينيون وكل من يشاركهم القناعة بأهمية حفظ الرواية.
يؤمن "خزائن" بأن لكل ورقة حكاية، ولكل فلسطيني صوت يستحق التوثيق، فهو يفتح أبوابه للجميع داخل فلسطين والشتات، من دون قيود على نوعية المواد، لتكوّن فسيفساء تحكي تفاصيل الحياة الفلسطينية عبر العصور.
يمثّل "خزائن" أرشيفاً مجتمعياً للباحثين والطلاب والأفراد، فيُفتح لكل مساهم خزانة باسمه، ثم تُصنّف المواد وتُرقمن لتصبح متاحة للجمهور، مثل تجربة متدربة أودعت أرشيف أسرتها بعد تعرّفها إلى رؤية "خزائن".
تورد حرباوي مثالاً على ذلك بمذكرات الحاج علي حمدان من بلدة الزاوية، الذي دوّن منذ 1938 وحتى السبعينيات يومياته عن الزراعة والأمطار والنباتات، إلى جانب مشاركته في معارك 1948 وانخراطه في الحرس القروي. هذه الصفحات البسيطة تعكس حياة فلاح عادي، لكنها تحمل أيضاً صدى أحداث سياسية كبرى تركت أثرها في تفاصيل حياة شعب بأكمله.
تذكر حرباوي أن من بين مقتنيات "خزائن" رسائل وتلغرافات تعود إلى فترة ما قبل وسائل الاتصال الحديثة، إذ كان الخط اليدوي يحمل مشاعر صادقة وأثراً بصرياً مميزاً. ومن أبرز الأمثلة، تلغراف يعود إلى عام 1951 أرسله صفوت يونس الحسيني من القاهرة إلى قريبه هاشم يونس الحسيني في القدس، طالباً يد ابنته لابنه، لتتبعه مراسلات ووثائق أخرى تحفظ تفاصيل إنسانية واجتماعية نادرة.
يحتوي أرشيف خزائن أيضاً على تذاكر سفر، ودعوات، وقصاصات، ومذكرات شخصية، ووصولات ضريبية بريطانية، وتذاكر سينما، وغيرها من المواد التي تعكس تنوعاً غنياً. أما أقدم ما نُشر على موقع خزائن فيعود إلى العهد العثماني بـ41 مادة، يليه نحو 1482 مادة من زمن الانتداب البريطاني، وأكثر من 7133 مادة من المراحل اللاحقة حتى اليوم.
يبني "خزائن" شراكات مع جامعات ومكتبات عامة، ويستقبل طلاباً وباحثين يقدم لهم الإرشاد، لينخرط بعضهم لاحقاً في أنشطة تطوعية. ويوفر كذلك استشارات لمؤسسات ثقافية وباحثين في فلسطين والعالم العربي، داعماً جهودهم في تطوير مشاريع معرفية وإبداعية تستند إلى الأرشفة.

تشير حرباوي إلى أن "خزائن" فتح أبوابه أمام المتاحف والجهات المختلفة للاستفادة من أرشيفه، إلى جانب تنفيذه مشاريع خاصة، مثل أرشفة مكتبة المسجد الأقصى وتدريب فريقها، وإصدار كرّاسة مبسطة للأطفال حول أساسيات التوثيق، إضافة إلى مشروع تقاطعات ودفاتر الذي جمع مواد عن الحرب على غزة، ورصد التضامن العالمي معها.
توضح حرباوي أن "خزائن" يعتمد معايير مهنية وأخلاقية دقيقة، تنطلق من قناعة بأن كل وثيقة، مهما صغر حجمها، تحمل جزءاً من الذاكرة الفلسطينية.

لذلك تُفتح أبواب الأرشيف أمام الأفراد والعائلات والمؤسسات لإيداع موادهم، مع التأكد من موثوقيتها وصلتها بالسياق الفلسطيني.

المساهمون