خان شيلان من مقر للحكم إلى سجن للبريطانيين

خان شيلان من مقر للحكم إلى سجن للبريطانيين

29 يناير 2022
بني خان شيلان في النجف عام 1885 (حيدر الحمداني/فرانس برس)
+ الخط -

وسط المدينة القديمة في النجف جنوبي العراق، يظهر واضحاً أحد أبرز معالم النجف التاريخية حيث مبنى خان شيلان الذي حمل في طياته أحداثاً مهمة في تاريخ العراق والنجف خلال القرنين الماضيين. وحققت السلطات المحلية في النجف أخيراً نجاحاً في إعادة ترميم وتأهيل المبنى، ليكون مقصداً للزوار والباحثين عن تراث المدينة، لكن أهالي النجف يقولون إن إعادة تأهيل المكان مهمة جداً بالنسبة للجيل الجديد، إذ تشرح جدران خان شيلان جزءاً من تاريخ هذه المدينة.

يقع خان الشيلان في مدينة النجف، ويأخذ شكل قلعة كبيرة شيدت في القرن التاسع عشر كدار ضيافة إبان الحكم العثماني للبلاد، قبل أن يتحول إلى مقر رئيس للحكومة العثمانية لمناطق الفرات الأوسط لاحقاً، ثم تحوّل إلى مقر للحكومة البريطانية بعد احتلال العراق عقب الحرب العالمية الأولى، ثم إلى سجن بعد تفجير ثورة العشرين في العراق حين أودع به الثوار العشرات من العسكريين البريطانيين أسرى في هذا المكان، ولم تزل بعض كتاباتهم على الجدران شاهدة على ذلك. وبحسب مؤرخين، فإن المكان تحول أيضاً لمقر إدارة عمليات الانتفاضة العراقية ضد البريطانيين آنذاك.

لا يبدو البناء غريباً على أهالي النجف القدماء، لكنه قد يكون غير معروفٍ للأجيال الجديدة، فهذا المبنى كما يقول عنه الباحث في الشأن النجفي، حسين ياسر، بني عام 1885 واستمر العمل به حتى عام 1899، وكان على شكل قلعة كبيرة مساحتها 1500 متر. وكان الغرض منه إيواء الزوار الذين يقصدون مدينة النجف من مختلف مناطق العالم، حيث كانوا يقصدون زيارة ضريح الإمام علي بن أبي طالب في المدينة، ولهذا سمي خان شيلان ويعني دار الضيافة.

ويشرح الباحث ياسر مكانة هذا البناء بالقول إن المدينة شهدت خلال فترة الاحتلال البريطاني اضطرابات مختلفة، ومن ضمنها انتقال مقر الحاكم العثماني من القشلة في بغداد إلى هذا المكان، ليكون مقراً للحاكم العثماني مع مائتين وخمسين شرطياً، وأصبح مقراً رئيسياً للحكومة العثمانية.

حول العالم
التحديثات الحية

ويفيد بأن موقعه في قلب المدينة جعله أيضاً يكون مقراً للحكومة البريطانية بعد احتلالها العراق. ويذكر ياسر أنه بعد اندلاع ثورة العشرين عام 1920 في العراق، حين انتفضت أغلبية مدن البلاد ضد الاحتلال البريطاني، وحصلت مواجهات بين الثوار والاحتلال في المدينة وطوقت مقرّات قوات الاحتلال، جرى أسر 167 جندياً بريطانياً من ضمنهم اثنان من الضباط، ووضع هؤلاء الأسرى في هذا الخان، وبعد أربعة أشهر سلموا إلى الحامية البريطانية بالكوفة. ويؤكد أن آثار الأسرى لم تزل موجودة لغاية الآن على شكل كتابات وعناوين على الجدران.

ويشير إلى أن هذا المكان يمثل جزءاً مهماً من تاريخ الفرات الأوسط، بل من تاريخ العراق، خاصة أنه من هذا المكان كانت تصدر للمراجع الدينية آنذاك فتاوى الجهاد، وتوجد الكثير من الوثائق المشرفة، وأغلبها عن معارك ثورة العشرين.

ويقول مدير متحف وتراث مدينة النجف، حمزة الخالدي، لـ"العربي الجديد"، إن ما يشرحه هذا المكان هو العناية بالأسرى الذين كانوا فيه، إذ خصص طبيب لعلاجهم ورعايتهم، وأشاد هؤلاء الأسرى برعاية أهالي النجف والعراقيين لهم. وهو ما قاله أحد الضباط، كما يقول الخالدي، حين صرح بأن أهالي النجف بشكلٍ خاص والعراقيين بشكل عام عاملونا بصورة حسنة بحسب شريعتهم الإسلامية، على خلاف ما كانت معاملة الأسرى تجري في أوروبا خلال الحرب العالمية الأولى.

ويضيف أن الخان منذ عام 1920 لغاية 2010 ظلّ مهملاً، بل أصبح مخزناً ومكاناً لأحد مولدات الكهرباء التي كانت تزود العتبة العلوية المقدسة بالكهرباء عام 1933، أما في زمن النظام السابق فقد أتلف وأصبح عبارة عن خربة.

ويشير إلى أنه في الآونة الأخيرة تحوّل المكان إلى متحف من طابقين، الطابق الأرضي فيه مقتنيات تراثية وبعض الأسلحة التي شاركت في ثورة العشرين، وكذلك بعض الحلي، وهناك جناح خاص هو بانوراما لملحمة ثورة العشرين. أما الطابق العلوي فيحتوي على مجموعة كبيرة من الوثائق والتماثيل لقادة الثورة، إضافة الى مخطوطات ومراسلات وذكريات الأسرى البريطانيين.

دلالات

المساهمون