حرية الإنترنت في روسيا... تحت الصفر

حرية الإنترنت في روسيا... تحت الصفر

20 أكتوبر 2020
كورونا منح السلطات فرصة لتثبيت القمع (فلاديمير غيردو/Getty)
+ الخط -

 حلّ خريف روسيا دافئاً هذا العام، على عكس حرية الإنترنت التي انخفضت مؤشراتها دون الصفر للمرة الأولى في تاريخ البلاد، نتيجة قوانين وإجراءات تبنّتها السلطات في تقنين حرية المعلومات والسيطرة على مواردها ومصادرها. وواضح أن جائحة كورونا منحت السلطات فرصة تاريخية لتحقيق "الإنجاز" في تضييق العالم الافتراضي على محاولات "الطابور الخامس" النيل من سمعة البلاد، ونشر أفكار "مضللة" للشباب من قبل "عملاء أجانب" في الداخل، وجهات خارجية في الإنترنت.

قبل أيام، نشرت الجمعية الروسية لحماية الإنترنت، المعنية بقياس مؤشر حرية الإنترنت في البلاد، دراسة جديدة سجلت في الفترة من إبريل/نيسان إلى سبتمبر/أيلول من هذا العام، انخفاض مؤشر حرية الإنترنت إلى ما دون الصفر للمرة الأولى في تاريخ البلاد. وأوضحت المنظمة أن جملة من القوانين والإجراءات ساهمت في تردي الأوضاع، من ضمنها تلقي معلومات حول المحافظ المالية الإلكترونية للروس من قبل دائرة الضرائب الفيدرالية، وإدخال نظام تصاريح رقمية ونظام مراقبة لمرضى فيروس كورونا، وقرار بوتين إنشاء سجل بيانات موحد لجميع مواطني روسيا، وإعداد مشاريع قوانين بشأن حصول السلطات على الحق في حظر وإغلاق وسائل الإعلام الإلكترونية من دون قرار من المحكمة، وحق وكالات إنفاذ القانون في التنصت على المكالمات والوصول إلى بيانات بطاقات SIM دون قرار من المحكمة، وكذلك بشأن تصنيف المعلومات التي تتعلق بالدفاع عن البلاد.

وأشارت جمعية حماية الإنترنت إلى أن المؤشر يتناقص بشكل منهجي كل شهر منذ خمس سنين. وقال خبراء الجمعية إن الأمر "استغرق أقل من خمس سنوات ليستهلك الانخفاض الشهري ألف نقطة، والآن سيتم اعتبار مؤشر حرية الإنترنت في المنطقة السالبة".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

ويرى مراقبون أن جائحة كورونا التي عمت البلاد والعالم، منحت السلطات الروسية فرصة لم تكن تحلم بها، لتفعيل وسائل الرقابة وتجديد أنظمة المتابعة والملاحقة، وتفعيل أنظمة التعرف على الوجوه وتوسيع انتشارها، وفرض نظام تصاريح للخروج من البيوت يستوجب تقديم كم كبير من معلومات المواطنين للسلطات، بحجة تقنين تحركات المواطنين لمنع انتشار الوباء، وتتبع تحركات المرضى ومخالطيهم. ووصف النائبان المعارضان في برلمان موسكو، داريا بيسدينا ومكسيم كاتس، هذه الإجراءات بأنها "غولاغ إلكتروني" و"معسكر اعتقال رقمي". وأشار الباحثون إلى أنه في الأشهر الخمسة التي تلت نشر التقرير الأخير في فبراير/شباط الماضي، تم نشر 161 رسالة في وسائل الإعلام تتعلق بحرية الإنترنت في روسيا. وبذلك انخفض المؤشر منذ مارس/آذار بواقع 121 نقطة. وبحلول بداية سبتمبر الماضي، بلغ مؤشر حرية الإنترنت في روسيا سالب 37 نقطة.

واعتمد الخبراء في إعداد الدراسة على تحليل المنشورات في وسائل الإعلام، وقدموا لكل مقالة من 10 نقاط إلى سالب 10 نقاط. واعتمد التقييم على مدى تأثير الأخبار بشكل إيجابي أو سلبي على حرية الإنترنت. بعد ذلك، تم حساب متوسط الدرجة. كما أكد الباحثون أن الحكومة أخفت في أغسطس/آب كل المعلومات "المتعلقة بالدفاع".

وبدأت منظمة "مراسلون بلا حدود" بدق نواقيس الخطر حول حرية الإنترنت في روسيا العام الماضي، بعد أن حلت روسيا في المركز 149 بمستوى حرية الصحافة، متقدمة على فنزويلا ومتأخرة على بنغلاديش. وأكدت المنظمة حينها أن المشكلة الرئيسية لوسائل الإعلام في روسيا، هي هجوم السلطات على حرية الإنترنت. وجاء في تقرير المنظمة أن "محاولة حجب برنامج تيليغرام المشفر هي علامة واضحة على أن موسكو عازمة بشكل جدي على التحرك نحو الهدف المعلن المتمثل في إنشاء "إنترنت سيادي" على أساس النموذج الصيني". أوضحت أن "الكرملين يواصل إحكام سيطرته على الإنترنت كمصدر رئيسي للمعلومات بالنسبة للشباب مقابل عزوفهم عن مشاهدة القنوات التلفزيونية الرسمية، كما أشارت "مراسلون بلا حدود" إلى أنه في روسيا "يتم فرض الرقابة على محركات البحث، ويتم حظر أدوات التحايل على الرقابة، ومنصات المعلومات ملزمة بالتعاون مع هيئة الأمن الفيدرالي".

وفي فبراير/شباط الماضي، نشرت منظمة حقوق الإنسان أغورا ومنظمة "روسكومسفوبودا" (هيئة حماية الحريات الروسية - منظمة غير حكومية) تقريرًا عن حرية الإنترنت في روسيا، وثقتا فيه قرابة نصف مليون حالة حجب على الإنترنت لمعلومات غير مقبولة من السلطات في عام 2019. وخلص معدو التقرير حينها إلى أن قيادة البلاد "قررت التوجه الرئيسي للسياسة نحو القسم الروسي من الإنترنت - التحكم والرقابة والعزلة"، وأن الهدف النهائي سيكون الانتقال إلى النموذج الصيني والكوري الشمالي للإنترنت. وللقيام بذلك في عام 2019، تم إقرار قوانين "الإنترنت السيادي"، وإعداد البنية التحتية لعزل الإنترنت الروسي عن الشبكة العالمية وتمرير قانون "عدم احترام السلطات". كما أشارت "أغورا" و"روسكومسفوبودا" إلى أن السلطات بدأت بنشاط في استخدام قطع الاتصال بالإنترنت أثناء الاحتجاجات الجماهيرية.

ومن اللافت أنه خلال السنوات الخمس الأخيرة، لم يُلاحظ نمو مؤشر حرية الإنترنت إلا في فبراير 2016، وفي يوليو/تموز 2017، وفي إبريل 2019، بالتزامن مع احتجاجات ضد قانون الإنترنت السيادي. وفي العام الحالي، بناءً على طلب وزارة الداخلية الروسية، حجبت وزارة الاتصالات 32 ألف موقع إنترنت "يحرّض محتواها على الكراهية العنصرية والدينية"، و2700 مادة اعتبرتها المحاكم الروسية متطرفة.

المساهمون