حرب مفتوحة على الإعلاميين الأفغان

حرب مفتوحة على الإعلاميين الأفغان

24 مايو 2021
جدارية للصحافي الأفغاني ياما سياووش الذي قتل في تفجير في نوفمبر الماضي (وكيل كوشار/فرانس ب
+ الخط -

تستمر جرائم اغتيال وقتل الإعلاميين في أفغانستان، في ظل مخاوف من اندلاع حرب أهلية، بعد أن قررت القوات الأجنبية الانسحاب بشكل نهائي بحلول 11 سبتمبر/أيلول المقبل. كان أحدث تلك الاغتيالات قتل الإعلامي ومقدم الأخبار سابقاً في محطة طلوع المحلية نعمت روان، إثر عملية اغتيال نفذها مجهولون في مدينة قندهار جنوب أفغانستان في الخامس من الشهر الجاري. وبالإضافة إلى كونه مقدما للأخبار في محطة "طلوع"، كان الشاب العشريني يدير برامج سياسية وأخرى تحقيقية، قبل أن يترك العمل في المحطة قبل أيام ليصبح الناطق باسم وزارة المالية. هذه المرة كانت الرئاسة الأفغانية أول من شجبت الجريمة، معربةً عن أسفها الشديد، مع تكرارها الوعد بإجراء التحقيق لتقصي الحقائق، وكذا كان شأن سياسييين كثيرين. كما كان لرواد منصات التواصل الاجتماعي نصيب من الإدانات، حيث نشر الكاتب نعمان دوست صورة الإعلامي نعمت الله روان على صفحته في "فيسبوك" وكتب مرفقاً إياها بـ"إني أحب الأزهار ولكن لا أتذكر أني قطفت يوماً ما أي زهرة، لا أدري كيف يجرؤ هؤلاء على قطف هذه الزهرة"، مشيراً إلى صورة الشاب نعمت. ونشر الناشط نصير أحمد دوراني صورة للإعلامي نعمت على صفحته في "فيسبوك"، قائلاً إن "العدو قاسي القلب ولا يرحم أحدا، وما حدث في حق هذا الشاب هو نموذج للظلم والضيم. إن أعداء البلاد قتلوا الشاب اليانع نعمت الله روان". على "تويتر" نشرت الإعلامية حسيبه أتكبال، وهي العاملة في محطة "طلوع"، مع نعمت: "ليس لدي كلمات أكتبها، لدي ذكريات كثيرة مع الشاب والإعلامي الرائع، لا أدري بأي ذنب قتلوه؟".

جريمة اغتيال روان ليست الأولى من نوعها ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة. ففي الفترة الأخيرة، قتل العديد من الإعلاميين، وكثرت التهديدات. وكان بين الصحافيين المستهدفين ملاله ميوند التي اغتيلت في مدينة جلال أباد، وهي التي كانت تعمل كمقدمة أخبار في محطة "الانعكاس". بالإضافة إلى ياما سياووش الذي اغتيل في كابول بعد أن كان مقدماً للبرامج في محطة "طلوع"، وإلياس داعي الذي قتل في إقليم هلمند الجنوبي وكان يعمل مع وسائل إعلام مختلفة. كما قتلت ثلاث موظفات في قسم الدوبلاج في محطة "الانعكاس" في مدينة جلال أباد. هكذا تطول القائمة، والأحداث تكرر، وما يصدر من ردود الأفعال بعد كل حادث لا يتغيّر... إدانة وشجب، تقوم به الحكومة والمؤسسات المعنية ونقابات الصحافيين، ورواد منصات التواصل الاجتماعي. 

لكنّ جريمة قتل الإعلامي نعمت روان جاءت في خضم جدل أثاره تهديد كلّ من الحكومة وطالبان لوسائل الإعلام الأفغانية وطلب الطرفين من الإعلاميين والصحافيين "التزام الحياد أو تحمل النتائج". وكتب الناطق باسم حركة "طالبان" ذبيح الله مجاهد، في تغريدة له قبل يومين من الجريمة، أنّه "منذ عدة أيام نشاهد بعض وسائل الإعلام وهي تروج الأخبار لصالح الاستخبارات الأفغانية، مؤكداً أن وسائل الإعلام الأفغانية لا بد وأن تحافظ على الحيادية الكاملة، وألا تصبح وسيلة لترويج أجندات الحكومة الأفغانية". في المقابل كشف أعضاء في البرلمان أن رئيس الاستخبارات أحمد ضياء سراج أكد أثناء تقديم إيجاز للبرلمان حول الوضع الأمني في الرابع من الشهر الجاري أن "بعض وسائل الإعلام  وبعض الصحافيين والناشطين يعملون لصالح أعداء هذه البلاد، ويساعدون الجماعات المسلحة في الحرب النفسية ضد القوات المسلحة موضحاً أن الحكومة الأفغانية سوف تتعامل مع كل أولئك كالإرهابيين والذين يروجون للعنف والإرهاب". 

وأثارت تهديدات طالبان والحكومة الأفغانية امتعاض النقابات الصحافية والإعلاميين، خصوصاً في ظل المخاطر المحدقة بعملهم وحياتهم. بهذا الخصوص، يقول رئيس "لجنة حماية حقوق الصحافيين والإعلاميين"، توحيد الله صديقي لـ"العربي الجديد" إن "المشكلة الأساسية هي أن وسائل الإعلام في أفغانستان تعمل حالياً في ساحة مفعمة بويلات الحرب وتبعاتها. ونحن في الحقيقة وقعنا بين السندان والمطرقة، كل ما ننشره لا يرضي أطراف الحرب، وبالتالي هم يرون أننا ننحاز للطرف الثاني والأمر ليس كذلك. لقد رفعنا صوتنا من أجل حقوق الإعلاميين ووسائل الإعلام وسنفعل ذلك في الفترة المقبلة رضي من رضي وسخط من سخط". يضيف توحيدي أن "تهديد الطرفين بحد ذاته يشير إلى أننا نعمل مهنياً مع الالتزام بالحياد وإلا كان أحد طرفي الحرب عنا راضيا، لكن ما يحدث يعني أننا نعمل بحيادية كاملة ولا ننحاز إلى أي جهة لذا يهددنا طرفا الحرب وليس طرفا واحدا". ويطلب توحيدي من المجتمع الدولي أن "يولي اهتماماً كبيراً بمستقبل وسائل الإعلام في أفغانستان وألا يكتفي بمجرد إصدار بيانات الشجب والإدانات التي لا تكفي، إذ إنها لا تسمن ولا تغني من جوع". 

وحول الحياد الذي يدعو إليه كل من طرفي الحرب الحكومة وطالبان الإعلاميين، يقول الإعلامي محمد إسماعيل عندليب لـ"العربي الجديد" إنّ "كلا من طرفي الحرب يريد منا أن نغطي الأحداث كما يحلو له وليس كما هي، وعندما نغطي الأحداث كما هي لا يعجبهم الأمر، بالتالي يعتبرون أننا ننحاز للجهة الثانية"، مؤكداً أن "العمل في أفغانستان صعب جداً، ومن الصعب أيضا أن ترضي أطراف الحرب. هذا أمر مستحيل ولكن علينا أن نلتزم الحياد ونبرز الحقائق للعالم كما هي".

ومع إصرار الإعلاميين على أنهم سيواصلون العمل رغم التهديدات وجرائم الاغتيال، إلا أنّ الحقيقة هي أن عملهم تأثر بالتهديدات كثيرًا، وهو ما تشير إليه الإعلامية فيروزه عزيزي، قائلةً لـ"العربي الجديد": "منذ أشهر الإدارة التي أعمل فيها توصيني بتوخي الحذر والحيطة، وفي بعض الأحيان لا أخرج من المنزل ولا أذهب إلى مكان العمل بسبب التهديدات، كما أترك في بعض الأحيان تغطية بعض المواضيع الحساسة"، مضيفةً أنّ "العمل في أفغانستان صعب للغاية، والإعلامي يواجه هنا تحديات كبيرة في مناح مختلفة". 

المساهمون