حرب المعلومات بين روسيا وأوكرانيا: توازن قوى؟

حرب المعلومات بين روسيا وأوكرانيا: توازن قوى؟

24 مايو 2022
فهم زيلينسكي باكراً تأثير تقنية الفيديو (كريستوف سيمون/فرانس برس)
+ الخط -

ليس من السهل قياس مدى تحكّم روسيا في حرب المعلومات التي تخوضها حالياً مع أوكرانيا، ومن الصعوبة بمكان ما، الجزم بمن من الطرفين يربح فعلياً في هذه الحرب. غير أنّ بعض المُعطيات والأرقام، قد تُساعد على فهم جُزء بسيط ممّا يحصل. نبدأ من المشهد العام، أو ذاك الذي يصدّره الإعلام الغربي إلى العالم، بصفته الإعلام الأكثر تأثيراً.

الحرب كما يراها الغرب

في الأسابيع القليلة الأولى بعد الغزو، تداولت وسائل الإعلام الأميركية والغربية قصصاً إخبارية تحتفي بانتصار أوكرانيا في حرب المعلومات ضدّ روسيا. فخطابات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المسائية المُلهمة، وصور الدبابات الروسية المُدمّرة على تطبيقي إنستغرام  وتيك توك، وخطابات المؤثرين الأُوكرانيين على وسائل التواصل الاجتماعي المنددة بالغزو، احتلت الأجندة الإخبارية الغربية.

وكان الأوكرانيون أذكياء وعصريين في طرحهم لقضيتهم ونشرها، فكانت أساليبهم أصليّة، ومُستندة إلى حجج قويّة. على النقيض من ذلك، كانت مُحاولات روسيا للترويج لروايتها "خرقاء وبطيئة"، تشبه في ذلك، إلى حدّ ما، جيشها الغازي. ففي عام 2014، عندما ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم، كانت الدعاية الروسية سيئة السّمعة إلى حدّ كبير لكنها بدت فعالة إلى حدّ ما، رغم كشف استعمالها لمعلومات مُضلّلة ومواقع ويب مُزيّفة، وحسابات لأشخاص غير حقيقيين في نشر الدّعاية.

لكنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يحسب جيّداً هذه المرّة انعكاسات حربه على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد أرسل الرجل أكثر من 100 ألف جُندي على حُدود أوكرانيا، لكنّه لم يستطع أو لم يُرد، شرح ما يفعلونه هُناك. فعلى الرغم من أن الروس روّاد فيما يُسمّى بـ "الحرب الهجينة" وهي مزيج من حُروب النيران وحُروب المعلومات، إلّا أنّ الآلة العسكرية الرّوسية بدت مقصرة في تعاملها مع الحرب على مواقع التواصل الاجتماعي.

في 2014، كانت الرسائل الروسية على الشبكة العنكبوتية، جد مُتطوّرة. لكنّها لم تواكب التطورات على الشبكة بعد ذلك، في حين أصبحت نظيرتها الأوكرانية أكثر قوّة. فزيلينسكي فهم أنّ تقنية الفيديو المُباشر هو سلاح الوقت الحالي، لكنّ بوتين لم يفهم ذلك.

في 2014، كانت الرسائل الروسية على الشبكة العنكبوتية جد مُتطوّرة

ويروي محرر سابق في مجلة تايم الأميركية، ريتشارد ستينغل، أنّه عندما زار أوكرانيا عام 2015، في إطار عمله في وزارة الخارجية في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، لتقديم المساعدة في تقنيات المُراسلة لوزارة الإعلام الأوكرانية، فوجئ بسؤال وزير الإعلام الأوكراني الذي لم يكن يعلم ما هو المُؤتمر الصحافي: "كان الأمل مفقوداً بالأوكرانيين حينها على صعيد التواصل". لكنّهم على مدى السنوات القليلة اللاحقة، حسنوا قدراتهم في مجالات التواصل والتكنولوجيا، بفضل التمويل الأميركي والأوروبي لمنظّمات التدريب على وسائل التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا المعلومات، التي استفادت منها أوكرانيا.

فبعد الغزو، وبفضل مؤثري "تيك توك"، والقنوات المُتعدّدة على "تيليغرام"، أعطت أوكرانيا الضوء الأخضر لجيش من رواد تكنولوجيا المعلومات الذين تطوّعوا من عامّة الشعب لتنفيذ هجمات إلكترونية على أهداف روسية. وفي الأيام الأولى للغزو، استجاب ما يصل إلى نصف مليون شخص للدعوة، التي نُشرت على تطبيق تيليغرام، الذي كان ساحة المعركة الرقمية الرئيسية في الحرب. فأُنشئت منصة مفتوحة المصدر لـ "قراصنة القبّعة البيضاء" لمحاربة الروس.

هكذا، أضحت منصّة تيليغرام المشفرة، أهم ساحة معركة في حرب المعلومات في أوكرانيا، وروسيا كذلك، إذ يملك زيلينسكي قناة على المنصّة، يتحدّث فيها مُباشرة إلى الشّعب الرّوسي باللغة الروسية. من جهتها، أنشأت روسيا عشرات القنوات على المنصّة، لنفس الغرض. غير أنّ ما يظهر من معركة معلوماتية للمُتصفح العادي لهذه المنصّات، لا يعدو كونه غيضاً من فيض، فالجزء الأكبر من هذه الحرب، خفي وموجود في منصّات مشفرة، تستهدف جماهير بعينها.

كما أنّ السبب الآخر لصُعوبة رؤية حرب المعلومات، يعود لتخلّي المنصّات الكبرى عن الحياد وانحيازها للجانب الأوكراني. إذ حظر كُلّ من "فيسبوك" و"يوتيوب" و"تويتر" و"غوغل" الرسائل الروسية بشكل أساسي، وقيّدت هذه المواقع الوصول إلى قنوات المعلومات الروسية الرسمية، فمنع "فيسبوك" وسائل الإعلام الحكومية الروسية من نشر الإعلانات، لترُدّ المحاكم الروسية بإعلان شركة فيسبوك مُنظّمة مُتطرّفة.

وعلى الرغم من أنّ زيلينسكي يبدو كأنّه بطل الديمقراطية الأُوكرانية حسب الرواية الغربية، فقد اتّخذ بعض الإجراءات غير الديمقراطية في الداخل، إذ حظر 11 حزباً سياسياً أوكرانياً لصلتها بروسيا، أحدها يُعتبر أكبر حزب مُعارض في أوكرانيا، ويتوفّر على 44 مقعداً في البرلمان الأُوكراني، البالغ عدد مقاعده 450 مقعداً. كما أنهى زيلينسكي البث التلفزيوني المُستقل في أوكرانيا، ودمج جميع القنوات التلفزيونية الوطنية في منصّة حُكومية واحدة، وهو ما تمّت الإشارة إليه بشكل سطحي من طرف الإعلام الغربي، في حين تصدّر عناوين الأخبار في روسيا والصّين.

اتّخذ بعض الإجراءات غير الديمقراطية في الداخل

الحرب من منظار آخر

في خضمّ هذه الحرب المعلوماتية، يرى ستينغل أنّ الولايات المُتّحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، قد ارتكبا خطأً تكتيكياً في تصوير الحرب على أنّها بين الغرب وروسيا، أو حتّى على أنّها ديمقراطية مُقابل أوتوقراطية، فقد يكون لهذا التّصوير تأثير فعّال في أميركا وأوروبا، لكنّه لن يُؤدي إلى أي نتيجة في صفوف دول افريقيا، ومعظم آسيا، والشرق الأوسط، كونها ترى في الغرب ذاك المستعمر الذي لم يسمح بالديمقراطية في أراضيها.

فخلال الأُسبوع الماضي، استضاف الرئيس الأميركي جو بايدن قمّة ضمّت ثماني دول من رابطة جنوب شرق آسيا، في مُحاولة للضغط عليها لانتقاد روسيا، غير أنّها ردّت على ضغوطه بالصمت.
بينما صوّتت 141 دولة في الأُمم المُتّحدة لصالح إدانة العدوان الرّوسي على أُوكرانيا، فإنّ عدد الدول الأفريقية والشرق أوسطية، ودول أميركا الجنوبية التي فرضت عُقوبات على روسيا هُو صِفر. وعندما أصدر الاتحاد الروسي لائحة رسمية للدول "غير الصديقة"، لم يُدرج فيها اسم أي بلد من أفريقيا أو آسيا أو أميركا الجنوبية في القائمة.

فعلى الرغم من أنّ بوتين يخسر حرب المعلومات في أوروبا وأميركا، غير أنّه يُمسك بحبالها مشدودة في أماكن أُخرى، من بينها أكبر دولتين من حيث عدد السكان في العالم: الهند والصين، "اللتان تبدوان ودودتين للغاية تُجاه بوتين"، حسب ما ورد في تحليل لمجلة تايم الأميركية.

ووفقاً لوحدة الاستخبارات الاقتصادية، وهي مؤسسة بريطانية تابعة لصحيفة ذا إيكونوميست الأسبوعية، فإن ثلثي سُكان العالم يعيشون في بُلدان إمّا تتبّنى الحياد تجاه الحرب، أو تدعم روسيا. وحسب مقال "تايم" فإنّ جُزءاً من هذا "الحياد" تجاه الحرب، يعود لكون ثلثي العالم أصلاً يعيش في حروب، غير تلك التي تراها الولايات المُتحدة الأميركية وأُوروبا. ويرجع ذلك لعملية تقسيم الإنترنت. فالشبكة العنكبوتية تتجزّأ اليوم إلى ثلاث مجموعات؛ نجد أوّلاً الإنترنت الأميركي ــ الغربي، الذي ينظر إليه في العالم باعتباره "الإنترنت الأصلي"، ثمّ "الإنترنت غير الحُر" المُتواجد في أماكن مثل روسيا والهند، حيث تقيد السلطات المُحتوى وتفرض الرقابة عليه، وأخيراً "الإنترنت الصّيني"، غير الحُرّ بتاتاً، والخاضع بشكل كبير لرقابة الحكومة الصينية.

المشكلة في "شبكة الإنترنت الصينية" (تضمّ خُمس مُستخدمي الإنترنت في العالم)، أنها شبكة داعمة لروسيا، وجُلّ مُستخدميها مُتماهون مع رواية الكرملين. أمّا مُستخدمو "الإنترنت غير الحُر" فيحصلون على الكثير من معلوماتهم حول الحرب، من وسائل الإعلام الحُكومية الروسية، التي تُمجّد الجُنود الروس "النبلاء"، لدرجة أنّ اثنين من أكثر الوسوم انتشاراً على الإنترنت الهندي هما #IStandWithPutin (أساند بوتين) و#IStandWithRussia (أساند روسيا).

المساهمون