حرب إسرائيلية لكتم الصوت الفلسطيني

حرب إسرائيلية لكتم الصوت الفلسطيني

رام الله

العربي الجديد

العربي الجديد
07 يونيو 2021
+ الخط -

عام 2011، نشرت صحيفة "ذا غارديان" مقطع فيديو صوّره الطفلان حينها، منى ومحمد الكرد. شقيقان توأمان من حيّ الشيخ جرّاح في القدس المحتلة، يصوّران ويحكيان، وهما في عمر الـ12 عاماً فقط، كيف استولى المستوطنون على جزءٍ من منزلهما، ويرويان خلال ذلك قضيّة شعبٍ بأكمله، ويحثّان على عدم الجبن في مقاومة الاحتلال. قبل أشهر، انتشر مقطع فيديو يظهر المستوطن الإسرائيلي يعقوب الذي يحتلّ جزءاً من منزل عائلة الكرد في حي الشيخ جراح، بينما تواجهه منى وتقول له "أنت تسرق بيتي"، فيما يردّ هو قائلاً "إن لم أسرقه فسيسرقه أحد آخر"، في اعتراف واضح منه بعدم أحقيته في المنزل واحتلاله. كان ذلك الفيديو أحد المقاطع التي ساهمت في حشد الرأي العام العالمي إلى جانب الحي، ورفض تهجير أهله.

بعد 10 أعوام على فيديو الصحيفة البريطانية، أصبحت منى الكرد ناشطة وإعلاميّة مقدسيّة معروفة، فيما أصبح أخوها محمد كاتباً، وبات الاثنان صوتاً مرفوعاً وعالياً في وجه ممارسات الاحتلال الممنهجة بحقّ الفلسطينيين في سلبهم بيوتهم وأرضهم واحتلالها، عبر قضيّة حي الشيخ جراح. أغضب ذلك الاحتلال الذي يحاول بكلّ قوّته إسكاتهما، ومعهما كلّ الفلسطينيين، بهدف إبادة الرواية الفلسطينية، بعدما أخذت حيّزاً واسعاً من الاهتمام العالمي. فيوم أمس الأحد، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي منى الكرد (23 عاما) من منزلها في حي الشيخ جرّاح، وسلّمت العائلة مذكّرة استدعاء بحق شقيقها محمد، الذي ذهب إلى التحقيق في مركز شرطة الاحتلال في شارع صلاح الدين في مدينة القدس، قبل أن يفرج عنهما مساءً.

أثار الاعتقال غضباً واسعاً، عربياً وعالمياً؛ وسط تأكيداتٍ بأنّ كلّ ذلك يأتي في إطار محاولات الاحتلال إسكات أهالي حيّ الشيخ جراح، الناشطين منهم، والمتضامنين معهم، والصحافيين الذين يغطون القضية، في محاولةٍ للتعتيم على جرائمه التي توثّق بكاميرات هؤلاء، وتنتشر حول العالم لتُثبت زيف ادّعاءات الاحتلال والحجج التي يستخدمها ليُبرر تطهير الفلسطينيين عرقياً.

في حديثه من أمام مركز الشرطة، قال نبيل الكرد، وهو مسنّ فلسطيني مهدد بالتهجير من منزله، إنّ اعتقال ابنته منى واستجواب ابنه محمد "يأتي في إطار محاولات الاحتلال إسكات كلّ الأصوات في القدس، لكنّ الأصوات ستبقى مرتفعة". واعتبر رئيس لجنة أهالي حي الشيخ جراح، يعقوب عرفة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن اعتقال منى الكرد هو تصعيد جديد يستهدف أهالي حي الشيخ جراح، المهدد أصحابه بالتهجير القسري لصالح المستوطنين، حيث بدأ الاحتلال حملة لاعتقال الناشطين وأهالي الحي بتهم التحريض.

منى ومحمد والشيخ جراح
يخوض أهالي حي الشيخ جراح منذ أربعة عقود صراعاً قانونياً لمنع سيطرة المستوطنين على منازلهم، وتصاعدت تلك الأزمة في الآونة الأخيرة، وسط تضامن مع أهالي الحي المهدد أصحابه بالتهجير. يشهد حي الشيخ جراح، منذ نحو شهرين، احتجاجات يومية على خلفية التهديد بتهجير عائلات فلسطينية من منازلها لصالح الجمعيات الاستيطانية. ويعاني أهالي حي الشيخ جراح منذ أسابيع من حصار مشدد عليهم، ومحاولات الناشطين لفك ذلك الحصار، بعدما أغلقت قوات الاحتلال مدخل الحي الرئيسي بالمكعبات الإسمنتية. لكنّ التضامن العالمي مع حي الشيخ جرّاح وتدويل القضية كان بجهود من منى الكرد وشقيقها محمد، وعدد من الناشطين الذين أطلقوا وسم "#أنقذوا_حي_الشيخ_جراح" بالعربية والإنكليزية، واستخدموا حساباتهم لنشر وتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية اليومية بحقّهم، ما أثار تضامناً واسعاً، خصوصاً أنّ كل الانتهاكات كانت تحصل لفلسطينيين عزّل في منازلهم وبوضوح في مقاطع الفيديو.

لا تترك منى الكرد هاتفها، فتوثّق جرائم الاحتلال في حي الشيخ جراح يومياً، فيما يحشد شقيقها محمد الرأي العام العالمي ويفضح النفاق والزيف؛ فأصبحا، إلى جانب الصحافيين، هدفاً للاحتلال الذي يريد إبادة السردية الفلسطينية

درست منى الكرد الإعلام في جامعة بيرزيت، وباتت مراسلةً ميدانية في ظلّ الظروف الحالية، فهي من تكتب البيانات وتنشرها وتختار الصورة والشعار والحملة والعنوان، ولها جهد كبير في نشر الوعي ورفعه لهذه القضية. فعبر حسابها على "إنستغرام" الذي زاد متابعوه على المليون، تنقل الشابة منى الكرد ما يحصل في حيّ الشيخ جراح، لحظةً بلحظة. فلسطينيون يغنّون ويهتفون ويحتجّون رفضاً لتهجيرهم من بيوتهم، فيُقمعون بالضرب والاعتقال والمياه العادمة ويُضيّق الاحتلال عليهم، فيما يسرح المستوطنون ويمرحون. وفي وسط ذلك، يعلو صوت منى عالياً، في وجه جنود الاحتلال ومستوطنيه، فتقول لهم "انخرسوا" و"ارجعوا إلى حيث أتيتم"، و"هذا بيتي وهذا شارعي وهذه أرضي ولن أرحل"، مع غيرها من العبارات التي كانت سبباً رئيسياً في تجمهر الناشطين والمتابعين من العالم حول منى، وترديد اسمها في مواقع التواصل كـ"أيقونة حريّة"، و"زيتونة فلسطينية". وفي آخر بثّ مباشر لها، قالت منى للمتابعين: "النصر قريب بس لازم نستمر".

من جانبه، يكرّس محمد الكرد تدويناته عبر موقع "تويتر" للقضية وللتوعية بها، حيث يكتب باللغة الإنكليزيّة ليفضح الاحتلال، ومدّعي الإنسانيّة حول العالم الذين يقفون عند فلسطين فلا يشملونها في مطالباتهم بالحقوق والحريّة. عُرف محمد بإطلالاته على القنوات الأميركية والغربية، حيث تحدى المذيعين الذين بطّنوا أسئلتهم ليجعلوه في موقع المتهم بدلاً من موقع المدافع عن بيته. كما عُرف بنباهته في دحض مزاعم الاحتلال ومؤيديه ورواياتهم التي تدعم التطهير العرقي للفلسطينيين وتهجيرهم من منازلهم.

استهداف الصحافيين
يستهدف الاحتلال الإسرائيلي كلّ صوت في حيّ الشيخ جراح، فلا يكتفي باعتقال الناشطين والمتضامنين مع الحيّ وأهله، إنما يعتقل الصحافيين ويعتدي عليهم ويحاول منعهم من التغطية التي أثّرت في الرأي العام العالمي، بعدما كانت ماكينة الاحتلال تسيطر على الرواية فيه. ويؤكد صحافيون مقدسيون تعرّض العديد منهم خلال تغطية الأحداث في القدس لاعتداءات ممنهجة بالضرب وإطلاق الرصاص عليهم، كما طاولت هذه الاعتداءات الصحافيين والمسعفين العرب، في حين لم يعترف جنود الاحتلال ببطاقة الصحافة الصادرة عن نقابة الصحافيين الفلسطينيين أو بطاقات الصحافة الدولية.

أمس، خلال مؤتمر صحافي وحشد تضامني مع منى الكرد، قمعت قوات الاحتلال جموع المواطنين الفلسطينيين المحتشدين بالقرب من مركز شرطة الاحتلال في شارع صلاح الدين بالقدس المحتلة، ما أوقع العديد من الإصابات بشظايا قنابل الغاز والصوت والرصاص المطاطي. واستهدفت قوات الاحتلال مرة أخرى طواقم الصحافيين، إذ أصيبت مراسلة "الجزيرة" نجوان سمري باستهداف مقصود؛ إضافة إلى استهداف طاقم "تلفزيون فلسطين" والعديد من المواطنين.

ليل السبت الماضي، اعتقلت قوات الاحتلال الإعلامية جيفارا البديري، مراسلة قناة "الجزيرة"، لساعات في مركز شرطة صلاح الدين في القدس المحتلة، واعتُدي عليها بالضرب خلال اقتيادها إلى داخل سيارة دورية عسكرية، قبل إطلاق سراحها، شرط الإبعاد عن كامل حيّ الشيخ جراح في القدس المحتلة لمدة 15 يوماً. وأشارت البديري في حديثها لوسائل الإعلام بعد إطلاق سراحها إلى أنّ التحقيق معها استمر أكثر من ثلاث ساعات، فقد وُجهت إليها تهمة "الاعتداء" على مجندة إسرائيلية، وهو ما دُحض من خلال مقاطع فيديو أظهرت مجندات وجنوداً وهم يعتدون عليها من دون مبرر.

يهاجم الاحتلال من يوثّق انتهاكاته في حي الشيخ جراح

وأدانت شبكة "الجزيرة" اعتقال قوات الاحتلال الإسرائيلية البديري، عقب الاعتداء عليها. وأوضحت أنّ الاعتقال يأتي بعد أسبوعين من قصف (إسرائيل) برج الجلاء بغزة الذي يضم مكاتب الجزيرة. من جهته، قال مدير مكتب "الجزيرة" في القدس، وليد العمري، إن جيفارا أصيبت بكسر في ذراعها. وأضاف، لوكالة "أسوشييتد برس": "إنهم يهاجمون الصحافيين في القدس الشرقية، لأنهم لا يريدونهم أن يستمروا في تغطية ما يحدث داخل الشيخ جراح". 

وهذه ليست المرة الأولى التي تعتقل فيها قوات الاحتلال صحافيين يشاركون في تغطية الاعتصامات في حيّ الشيخ جراح، حيث اعتقلت قبل نحو 10 أيام الصحافيين زينة الحلواني ووهبي مكية لخمسة أيام. وفي 31 مايو/أيار الماضي، أطلقت سراحهما، شرط الحبس المنزلي لخمسة أيام، والإبعاد عن حيّ الشيخ جراح في القدس لمدة شهر، ودفع كفالة مالية مقدارها ألفا شيكل (نحو 600 دولار).

ذات صلة

الصورة
الشهيد حمزة مع والده وائل الدحدوح (يمين) والشهيد مصطفى ثريا (إكس)

منوعات

استشهد الصحافي حمزة الدحدوح، نجل مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح، والصحافي مصطفى ثريا، في قصف إسرائيلي استهدف الصحافيين غرب خانيونس.
الصورة
ضياء الكحلوت /العربي الجديد

منوعات

يواصل الاحتلال الإسرائيلي اعتقال مدير مكتب "العربي الجديد" في غزة ضياء الكحلوت، في ظروف صعبة جداً. زملاء الكحلوت في غزة طالبوا بإطلاق سراحه
الصورة
الصحفي ياسر قديج أمام منزله الذي استهدفه الاحتلال الإسرائيلي (يوتيوب)

منوعات

تعرض منزل المصور الصحافي ياسر قديح في غزة للقصف من قبل طائرات الاحتلال الإسرائيلي، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، ما أدى لاستشهاد ثمانية من أفراد عائلته، وذلك بعد تهديدات له بالقتل أطلقتها مجموعة إعلامية مناصرة للاحتلال الإسرائيلي.
الصورة
معدات التفزيون العربي في جنين (التلفزيون العربي)

منوعات

أصدرت شبكة التلفزيون العربي بياناً استنكرت فيه بشدة تعرض فريقها في مخيم جنين لاعتداء متعمد ومباشر من جيش الاحتلال الإسرائيلي، أثناء تغطيته العملية العسكرية الإسرائيلية في المخيم.

المساهمون