جمهور فرقة BTS... جيشٌ عربي بفروع جديدة

جمهور فرقة BTS... جيشٌ عربي بفروع جديدة

11 يوليو 2021
تقترح الفرقة في أغانيها أفكاراً إيجابية تعبّر عن الشباب والمراهقين (Getty)
+ الخط -

للوهلة الأولى، يبدو لمتابع صفحات مواقع التواصل، أنّ جبهات الجمهور المتحمس قد تكونت، واتضحت معالمها، فهذه جبهة أم كلثوم الكبيرة يصطف فيها هواة الطرب والسلطنة، وتلك جبهة فيروز تجذب جمهور الحالمين المستمتعين بالمطر والقهوة وزقزقة العصافير، أو جبهة فريد الأطرش بعوده المطرب، مقابل جبهة عبد الحليم برومانسيته وإحساسه المرهف، أو الجمهور المنقسم كأحزاب السياسة بين "الهضبة" عمرو دياب، وبين "الكينغ" محمد منير.

لكن، في هذه الأثناء، تتكون في هدوء جبهات جديدة، أكثر أعضائها من المراهقين والشباب، الذين ينتمي أغلبهم إلى المرحلتين الإعدادية والثانوية. من أهم تلك الجبهات، التي كونت جمهوراً عاشقاً حدّ التعصب، فرقة BTS الكورية الجنوبية، التي تكونت من سبعة من المراهقين الكوريين، في يونيو/حزيران 2013، وحققت نجاحاً جماهيرياً كبيراً جداً، وطرحت نفسها باعتبارها ممثلاً شرعياً جديداً ومتطوراً لفرق البوب الكوري KPOP.

استطاعت الفرقة أن تصل إلى قلوب ملايين الشباب حول العالم، بعدما رفعت راية الدعوة إلى تغيير الحياة للأفضل، وأن يتقبل الشباب أنفسهم كما هي، وأن يحبوا أنفسهم، كي ينجحوا في خطة التغيير، فكان الشعار الرسمي للفرقة Love Yourself. لكنّ أكبر نجاحات الفرقة تمثّل في قدرتها على تجاوز الحواجز اللغوية، أو بالأحرى تكوين جمهور لا يجد في اللغة الكورية سبباً للإعراض عن الفرقة، التي تقدم أعمالها بلغة غير منتشرة في العالم. وعلى الرغم من ذلك، نجحت الفرقة في تكوين جيشها الخاص من المعجبين، الذين تعارفوا في ما بينهم على تسمية Adorable Representative M.C for Youth، أي الممثلين الرائعين للشباب، واختصاراً ARMY.

لم يكن شباب العالم العربي بعيداً عن الجمهور المفتون بفرقة BTS، فانضم كثيرون إلى الـARMY، وبدأت أشكال التنسيق بينهم تتصاعد، ومنها حملات تدعو الفرقة إلى إقامة حفلات لها في البلدان العربية، وهو ما توج فعلياً بزيارة الفرقة للمملكة العربية السعودية، حيث أقامت حفلاً ضخماً في الرياض، في أكتوبر/تشرين الأول 2019. ويومها، اشتعل ملعب "الملك فهد" بتجاوب الحضور الذين تجاوزوا 60 ألفاً، وليحقق الحفل إيراداً تخطى 50 مليون دولار. ومما زاد في التفاف الجمهور العربي حول الفرقة، الانطباع الذي تعطيه BTS باحترام الخصوصية الثقافية والدينية للشعوب.

وفي حفل الرياض مثلاً، أوقفت الفرقة فقرات الحفل وقت انطلاق أذان الصلاة، كما احتفلوا بعيد ميلاد زميلهم بارك جيمين باللغة العربية، وكلّ ذلك ساعد في ترسيخ جماهيرية الفرقة في العالم العربي، وطبعاً ساعدها على نشر رسالتها بين قطاعات أوسع من الشباب.

ولأنّ كثيراً من متابعي نشاط الفرقة، شعروا بالفعل بأنّ حياتهم تغيرت للأفضل، وأصبحت قدرتهم أكبر على قبول النفس والرضا بالذات بعيوبها قبل مميزاتها، أصبح محبو الفرقة في جميع أنحاء العالم على تواصل دائم. وعبر المنصات الإلكترونية، يتجمع محبو الفرقة في العالم العربي، كما يتجمع محبوها داخل القطر الواحد.

في مصر مثلاً، انتقل التعارف بين عشاق BTS من العالم الافتراضي إلى أرض الواقع، فينظم الـARMY العديد من الرحلات والحفلات الفنية ولقاءات التعارف الفعلي. ويساند هؤلاء الأعضاء بعضهم بعضاً على مواجهة ما يعتبرونه استهزاء واستخفافاً باهتماماتهم، لأنّ كثيراً من أهالي هؤلاء الشباب لم يستطيعوا بعد استيعاب أن يهتم أبناؤهم اهتماماً كبيراً بفرقة غنائية، لا تتحدث العربية، وتنتمي إلى هوية ثقافية مغايرة، وهو ما يُترجم إلى حالة من القلق والرفض واللوم المستمر للأبناء، ومحاولة منعهم من متابعة الفرقة أو الاستماع إلى أغانيها، أو السخرية من ملابس أعضائها، وقطع الحلي التي يستخدمونها. والحقيقة أنّ أكثر أولياء الأمور يتخذون موقف الرفض من "النظرة الأولى"، ومن خلال تقييمهم لهيئة الفرقة وملابسها.

تجمعات ARMY في مصر والدول العربية، تحاول أن يشعر كلّ عضو فيها بأنّه إنسان فعال إيجابي، له نشاطه الاجتماعي أو الخيري... ففي سورية مثلاً، شارك الأعضاء بالتبرع ضمن حملة "شتاء دافئ". وفي الجزائر وبمناسبة الاحتفال بعيد ميلاد عضوين من أعضاء BTS تبرع "الآرمي" الجزائريون بكميات من الملابس الجديدة لدار الأيتام، ضمن حملة بعنوان "ملائكة الشتاء".

ولا بدّ لمن يرصد الاتجاهات الفنية للجماهير المصرية والعربية، أن يتوقف طويلاً أمام ظاهرة الـ ARMY، وكيف استطاعت فرقة مكونة من بضعة أفراد من الشباب الكوري الجنوبي، أن تشكل مصدر إلهام، ودافعاً قوياً للتغيير، وسبباً مهماً للثقة بالنفس، عند عشرات مئات الآلاف، وربما ملايين الشباب حول العالم، وأن تكون هذه الفرقة سبباً لاهتمام الشباب العربي باللغة الكورية، والثقافة الكورية، ودراسات التاريخ والجغرافيا التي تتناول كوريا الجنوبية، وسبل نهضتها والتحاقها بالعالم الأول. كما كانت الفرقة سبباً في زيادة أعداد الراغبين في الابتعاث الدراسي إلى الجامعات الكورية.

استطاعت BTS أن تلفت الانتباه حول العالم. وفي عام 2017، غادر أعضاء الفرقة كوريا الجنوبية في رحلة فنية خارجية، شملت 12 دولة، من بينها اليابان والبرازيل وأستراليا... وواصلت مبيعات ألبوماتهم الغنائية قفزاتها السريعة حول العالم. وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، أعلنت إدارة موسوعة غينيس، أنّ BTS كانت أكثر من جرى تداول وسمه على "تويتر".. ومن اللافت أنّ الفرقة استطاعت أن تحافظ على هذه الصدارة التويترية 4 سنوات متواصلة.

وفي 2018، باع ألبومهم قرابة مليوني نسخة، وحقق أعلى المبيعات في الولايات المتحدة الأميركية. وفي 2020، اختارت مجلة تايم الأميركية BTS باعتبارها "فنان" العام، وقالت المجلة في تغريدة على "تويتر" إنّ الفرقة الكورية أصبحت أهم فرقة فنية في العالم، وإنّها صعدت إلى ذروة نجومية البوب من خلال تحطيم كلّ الأرقام القياسية.

فتعاونت مع منظمة "يونيسف" في حملة ضد التنمر والعنف المدرسي، ودعيت الفرقة أكثر من مرة إلى زيارة الولايات المتحدة الأميركية، وألقى أفرادها خطابات محفزة، لدعم الحملة، وتمكنوا من جمع قرابة مليون دولار من التبرعات خلال يومين فقط.

هذا كله ساعد الفرقة على أن تطرح نفسها باعتبارها نموذجاً للنجاح والتقدم والإيجابية، وليس مجرد فريق للترفيه وقتل الوقت. ومن خلال كلمات الأغاني، تعالج الفرقة أهم القضايا التي يعاني منها الطلاب والمراهقون، مثل الاكتئاب، وشعور الوحدة، والرفض المجتمعي لاختيارات الجيل الجديد.

ولأنّ الفرقة تثير القلق لدى كثيرين من أولياء الأمور، بسبب اختلاف اللغة والثقافة والمظهر، فإنّ الـARMY المصري يتعاونون في ما بينهم لمواجهة ما يعتبرونه موقفاً أسرياً سلطوياً غير مبرر. وبالطبع، كان لوسائل التواصل دورها الكبير في تعاون المعجبين المصريين، بل والتقائهم، وممارستهم بعض الأنشطة الجماعية الترفيهية والخيرية... فالعمل الخيري، والتبرع للمستشفيات، يمثل جزءاً مهماً من نشاط الـARMY حول العالم.

المساهمون