جديد إيدي مورفي: كوميديا أخفّ من اللازم

جديد إيدي مورفي: كوميديا أخفّ من اللازم

05 ابريل 2021
مورفي "في أميركا": كوميديا ملكية في عصر الجمهوريات (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -

 

في "المجيء إلى أميركا" (1988)، لجون لانديس، ذهب أكيم (إيدي مورفي) شاباً إلى نيويورك، بحثاً عن زوجة. بعد 33 عاماً، عاد ملكاً شيخاً، للبحث عن ولي عهد، في زيارة جديدة إلى أرض الأحلام، في "المجيء إلى أميركا 2" (2021) لكريغ بروير. وجد الملك أكيم الحلّ لمشكلته، بفضل مستشاره وحاجب أسراره، الذي يتوقع المصائب ويحتاط لها.

في الفيلم، نكتشف أميركا والنظرة إلى أفريقيا بدقيقة واحدة، في صالون حلاّق عجوز، يُزعجه تحوّل الرجال إلى نساء، وتضايقه كثرة القوانين المضادة للتحرّش، والتي تمنع لمس صدور النساء. نكتشف النظرة التي تختزل أفريقيا في كونتا كينتي، أو إيبولا، أو عيدي أمين. يحتاج المتفرّج، كي يفهم السياق، إلى الانخراط في الضحك على ما هو مُبكٍ. يؤدّي وصف الظروف إلى جعل النكتة أعمق، ويسمح بربطها بباقي المَشَاهد. كوميديا تحاول أنْ تكون خفيفة جداً، رغم أنّها تتناول مواضيع ثقيلة وأليمة.

للتوضيح: كونتا كينتي بطل رواية "جذور" (1977) لأليكس هيلي، الذي اختُطف من أفريقيا ليُصبح عبداً في أميركا، قبل أنْ تحرّره حرب الانفصال الأميركية. حروب أفريقيا لم تخمد بعد، كعلاقة مَملكة زاموندا بجارتها الجمهورية العسكرية.

كيف يدير الملك أكيم علاقة مملكة زاموندا بجارتها، جمهورية نكسدوريا، التي يحكمها عسكريّ يدمن على تقليد نياشين زائدة؟ يتصنّع مُكرهاً المواقف الهزلية للملك. يبتسم من حماقات القائد الهُمام. تساعد السخرية على تخفيف الصدامات. هذه صورة ساخرة لعسكاريتارية أفريقية، تعتمد على السلاح والروابط الدموية للاحتفاظ بالسلطة.

هذه كوميديا ملكية في عصر الجمهوريات، بعد أنْ جرفت الثورة الفرنسية والحروب النابليونية المَلكيات، في زمنٍ سمّاه غوستاف لوبون "عصر الجماهير" (1895). للتلاؤم مع هذا الوضع الخطر للملوك، أخفى الأمير هويته، وتنكّر في زيّ شخصٍ فقير، ليصون حريته أثناء تجوّله بين الجماهير، في شوارع نيويورك.

تخلّص البطل من الأبّهة الملكية في الفيلم الأول. في الفيلم الثاني، يُرفَع مُتشرّد إلى مرتبة أمير. تواجه مملكة زاموندا تهديداً، لأنّها بلا ولي عهد ذكر، يحافظ على استمرارية المملكة. أكيم ملك أنجب البنات فقط (بمنطق أفريقيا). لا يليق لابنةٍ أنْ تتولّى ولاية العهد. لكنْ، هناك سرّ يحلّ مشكلة ولاية العهد.

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

النتيجة: دولة أفريقية تستعير أميراً من أميركا. شابٌ نيويوركي، بسروال جينز ممزّق وحزام مرتخٍ، يصير فجأة أميراً أفريقياً، وعليه أنْ يتعلّم عاهة تقديس النسل العريق للأجداد. هذا سلوك غريب بالنسبة إلى وعيه. يتعرّض الابن لاختبارٍ، ليُثبت أهليّته للحكم. يصرّح الملك، نصف الحداثيّ، أمام الأمير مُقرّاً: "سلوكك غريب عن مملكتي، لكنّه يعجبني". هكذا يتمّ تحديث المملكة. واضحٌ أنْ الملك يطبّق نظرية تشارلز داروين: "البقاء ليس للأقوى ولا للأذكى، بل للأكثر استجابةً للتغيير".

أسلوبياً، اختار جون لانديس كوميديا أخفّ من اللازم. كوميديا موجَّهة إلى جمهور أنهكته كورونا والحملة الانتخابية. كوميديا حوارية أساساً، وفي غياب لغة سينمائية، يُستعان بمَشَاهد استعراضية كثيرة في البروتوكول والحركات. هناك "قفشات (غاغ)" بفضل خميرة كرنفالية، تُشرعن المبالغة في الديكور والملابس. خميرة متولّدة من المفارقات. ما يليق بشوارع نيويورك لا يليق بردهات بلاط أفريقي.

يقدّم الفيلم مفارقات في الطبقة وردود الفعل، وفي حوار شاب فقير يُجري مقابلةً للحصول على عمل. يقول لصاحب الشركة عكس ما هو متوقّع تماماً. الكوميديا ادّعاء الحَمَق لتبييض مهاجمة التابوهات. من بين التابوهات الثلاثة، تمّ التركيز على الجنس والسياسة، بينما تمّ توقير الدين. جرعة جنس مستترة في استعارات وتلميحات. تريد خادمةٌ أنْ تعتني بشعر الأمير، فيسألها ضاحكاً عن الشعر الذي تقصده. الكوميديا معشوقة شبّاك التذاكر ومنصّات المُشاهدة. لذلك، تحظى الأفلام الكوميدية بعمر مديد. ليست صدفةً أنّ الأمير الأفريقي يسخر من السينما الأميركية، التي تطرح تتمّات لأفلامٍ قديمة لم يطلبها أحد. يبدأ الفيلمان، الأول والثاني، برحلة كاميرا تحلّق، وتصل إلى القصر، وترصد الاستيقاظ الملكي للأمير. يُستَثمَر مشهد عيد الميلاد كزمنٍ للربط بين الفيلمين، القديم والجديد.

تقع الأحداث الرئيسية في أفريقيا، حيث المفارقات لا نهائية. ملك بلا وريث. مشاكل تتبعها حلول خاطئة ومنزاحة ومسلّية، تُعمّق المصيبة. ثم تقع مفاجأة، تحوّل الشر إلى خير.

كيف تجعل الكوميديا الناس يمرحون ويضحكون؟ كيف يمكن استدراج المتلقّي لخداعه، ثم إفهامه؟ يجيب ملفن هيلترز: يتمّ ذلك أولاً بتصوير التعالي المُبالغ فيه؛ وثانياً بتكافؤ الضدّين، واضطرارهما للبقاء في المكان نفسه (الزوجة والعشيقة)؛ وثالثاً بجمع المتناقضات؛ وأخيرا وأساساً باستعمال المفاجأة. "نحن لا نضحك إلاّ عندما نُفاجأ". ما هي المفاجأة؟ جعل الجمهور يفترض أنّه سيعرف النهاية، ثم تقدِّم له نهاية مختلفة ("أسرار كتابة الكوميديا"، ترجمة صبري محمد حسن، "المركز القومي للترجمة"، القاهرة، 2010، ص. 12 و79).

يتحقّق التناسق الفني ومتعة المتفرّج حين تُولّد الكوميديا من رحم الموقف المأساوي الذي يُصوَّر. الضحك أفضل علاج للتوتّر. لتحقيق ذلك، هناك حضور كبير للسيكولوجيا من لقطات تقدّم رسماً بيانياً لتحوّلات أمزجة متباينة، ومرسومة بدقّة. مزاج أفريقي عسكري، ومزاج أميركي سائل ومستمتع ومتحرّر من التابوهات. ملكٌ يحاول أنْ يجد توازناً بين الخطّين. تمّت أمركة البروتوكول الملكي الأفريقي التقليدي، فصار أشبه بموكب موسيقي. هذا يزيد الخميرة الكرنفالية المسلّية في الفيلم.

المساهمون