جدل حول مشاركة المؤثرين في إنتاجات رمضان في الجزائر
استمع إلى الملخص
- تضمنت الأعمال الرمضانية شخصيات مؤثرة مثل إبراهيم زكروط وعبد القادر فاندام، مما أثار تحفظات حول عدم تقديمهم بُعدًا فنيًا حقيقيًا واستغلال شعبيتهم الرقمية.
- دعا النقاد إلى وضع قواعد لتنظيم مشاركة المؤثرين في الإنتاجات الفنية، مشددين على أهمية المهارات الفنية والتخصصية، وضرورة تدخل السلطات الثقافية لضمان جودة الإنتاجات.
برز حضور المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي في الإنتاجات والبرامج التلفزيونية في الجزائر خلال شهر رمضان هذا العام، على الرغم من افتقارهم لأي تأهيل فني أو ثقافي. في ظل نقاش حول ما إذا كان ذلك استغلالاً من المنتجين للمتابعات التي يحققها هؤلاء على "تيك توك" و"إنستغرام"، أم أنه نتاج للفوضى وغياب الضوابط المؤهلة للمشاركة في الإنتاج الفني.
وتنوّعت شخصيات المؤثرين المشاركين في إنتاجات رمضان هذا العام، لكن الكثيرين منهم كانوا قد تركوا انطباعاً سلبياً لدى المشاهدين وتحفظات أخلاقية على المحتوى الذي يقدمونه على "تيك توك" و"إنستغرام".
وفي مسلسل "حومة اليتامى" الذي يحكي قصصاً من يوميات المجتمع الجزائري، استعان المخرج ناصر بوخلوة بشاب معروف على موقع "تيك توك" يدعى إبراهيم زكروط. إضافةً إلى مؤثر آخر معروف باسم عبد القادر فاندام، الذي يتقن فنون الكاراتيه، ويقلد شخصية الممثل الشهير جان كلود فاندام.
كذلك، استعان المخرج نسيم بن طاهر في مسلسل "خاطبني" بعددٍ من المؤثرين، من بينهم ويفي عبد الكريم المعروف باسم السنكوشي، والمشهور ببيع البيتزا، كما ظهر المؤثر أحمد بوعناني في مسلسل كوميدي بعنوان "دار جدي".
وبدا لافتاً مشاركة بعض المؤثرين في برامج تلفزيونية، مثل فاروق بوجملين المعروف باسم "ريفكا"، وأبركان محمد المعروف باسم "ستانلي"، وسارة رجيل وهي تدير برنامج مسابقات يصور مع العامة في الشارع.
وتتباين المواقف والآراء إزاء مشاركة المؤثرين في الإنتاجات والبرامج التلفزيونية من دون تأهيل فني مسبق، خاصة في غياب ضوابط وهيئات يمكن أن تتدخل في وضع التدابير المؤهلة للمشاركة في تقديم البرامج أو التمثيل في الدراما.
لكن البحث في خلفيات وأسباب اعتماد المنتجين في الجزائر على المؤثرين، تشير إلى أن بعضها يتعلق بمحاولة استغلال ما يصفه النقاد "بشرعية أرقام تيك توك"، وتوظيفها لاستقطاب المشاهدين وتحقيق نسب مشاهدة عالية وجلب الإعلانات والمداخيل من جهة، ومن جهة أخرى لضعف التمويلات في الإنتاجات الرمضانية، وسيطرة طبقة معينة من الممثلين والمنتجين على ذلك، ما يدفع صغار المنتجين إلى الاستعانة بمشاهير منصات التواصل بأقل كلفة ممكنة.
وعبّر المخرج محمد والي عن معارضته هذه الظاهرة، محذراً من تداعياتها، نتيجة الخلط بين شرعية الأرقام وشرعية الموهبة، حسب تعبيره. وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "هذه الظاهرة، التي قد تبدو للبعض امتداداً طبيعياً لعصر التواصل الرقمي، أراها انعكاساً غير صحي على المشهد الفني، خاصةً عندما ننظر إلى تجارب دول محورية في صناعة الدراما، مثل مصر، حيث تصدّت نقابة الممثلين لهذا الطارئ الجديد بصرامة، وفرضت غرامات قاسية وصلت إلى مليون جنيه مصري لكل من يستقدم مؤثراً في عمل فني دون تصريح".
ولفت إلى أن "الانتاج الفني ليس مجرد أرقام، ودخول المؤثرين إلى سباق الدراما لم يُضف، في معظمه، أي بُعد فني حقيقي، بل كان الهدف الواضح هو استغلال شعبيتهم الرقمية لتحقيق نسب مشاهدة عالية، دون أدنى اعتبار لجودة الأداء أو لمتطلبات التمثيل الحقيقية".
وتابع: "الأسوأ من ذلك، أن بعض هؤلاء المؤثرين الذين استُقدِموا للأعمال الدرامية يعانون من اضطرابات سلوكية واضحة، وهو ما يطرح تساؤلات أخلاقية وقانونية حول المسؤولية في اختيار المشاركين في هذه الإنتاجات".
وأكد والي الفائز بجائزة مهرجان وهران السينمائي أن "التمثيل ليس مجرد ظهور أمام الكاميرا، بل هو علم وفن، وعندما نجد مؤثراً لا يستطيع سوى أن يكون نفسه أمام الشاشة، دون أدنى قدرة على تقمص الشخصيات أو التفاعل مع النصوص الدرامية، فما الداعي إلى منحه أدواراً كان أولى بها خريجو المعاهد الفنية؟".
وقال: "المشكلة لا تتوقف عند التمثيل فقط، بل تمتد إلى ظواهر أخرى غير منطقية، كتحوّل المؤثر بين ليلة وضحاها إلى إعلامي أو مقدم نصائح"، مشيراً الى أن "هذا الخلط بين الشهرة والتخصص سيفسد معايير كثيرة في الساحة الفنية والإعلامية، ويؤدي إلى تراجع الجودة الفنية ومتعة المشاهدة إلى الخلف".
ودعا إلى "فرض قواعد واضحة تنظّم هذا المجال، تماماً كما هو الحال في المهن الأخرى، بحيث لا يكون الاستسهال التجاري هو المعيار الوحيد".
وكان وزير الثقافة الجزائري الأسبق، عز الدين ميهوبي، قد عرض قبل فترة على الممثل البارز، صالح أوقروت، إمكانية إنتاج فيلم يجمعه ببعض المؤثرين، لكن الأخير رفض رفضاً قاطعاً، واعترض بشدة على إقحامهم في الإنتاج التلفزيوني.
بدوره، رأى الكاتب والناقد السينمائي، ياسين بوغازي، أن هذه الظاهرة مرتبطة بالشعبية وجذب الجمهور، وقال في حديث مع "العربي الجديد": "صناع الدراما ومنتجو المسلسلات في الجزائر يعتقدون أن الممثل الجزائري المكرس لا شعبية له، لذا يلجؤون للمؤثرين والمؤثرات لتحقيق الانتشار، وجذب جمهور منصات التواصل الاجتماعي، مما يضمن انتشار الأعمال الدرامية".
وأشار إلى أن هناك "مؤثرين يملكون شعبية طاغية على غرار نوميديا لزول التي تبدو في الغناء والاستعراض أقوى منها بالدراما، لكنها لم تجد بعد المخرج الجيد الذي يخرج منها مواهبها".
واعتبر ياسين بوغازي أن هناك ضرورة لتدخل السلطات الثقافية، مشيراً إلى أن "حضور المؤثرين قد يكون نتيجة لفوضى الإنتاج"، وتابع: "الدراما تغيرت في محتواها ونجومها ومواضيعها ولم تعد تسلم من تأثيرات السوشيال ميديا. كما أن منتجي الدراما في الجزائر قد يفكرون بجلب شخص مشهور بدلاً من الصرف على شهرة غير المشهور".
ودعا "السلطات الثقافية المعنية بالإنتاج الدرامي إلى أن تظهر حزمها بالقوانين والمحاذير تجاه الجسد الدرامي، من خلال نقابة للممثلين تضع شروطاً واضحة لمن يمكنه أن يشارك في الأعمال الدرامية".