جاستن كورزل: "السينما منتدى آمن لاستكشاف موضوعات حرجة"
استمع إلى الملخص
- الفيلم مستوحى من كتاب "الأخوة الصامتة" ويعتمد على سيناريو زاك بايلين، ويركز على كيفية إغواء الأفراد للانضمام إلى جماعات متطرفة، مع استكشاف سيكولوجيا العنف عبر شخصيات معقدة.
- يُعرض الفيلم في مهرجان مراكش الدولي للفيلم، حيث يعزز المهرجان المواهب الشابة، ويعبر كورزل عن فخره بتأثير أفلامه على الجيل الجديد من المبدعين الأستراليين.
أعلن جاستن كورزل عن قدومه بشكل صاعق، بفيلمه الطويل الأول "سنوتاون" (2011)، الذي حمل مزيجاً انفجارياً بين ممارسات مخلّة بحقّ مراهقين، وعنف نفسي وجسدي كامن، نجح الأسترالي في تقطيره بإيقاع مشدود، ونضج مذهل في التقاط دواخل شخصيات مهزوزة، أو على حافة الانهيار. اقتراحٌ موضوعي حضر بشكل متفاوت في أفلامه الموالية، كـ"نيترام" (2021، ألّف نصه كاتب السيناريو شون غرانت، المتعاون المتكرّر معه)، عن طباع مُراهق مُضطرب عقلياً ويومياته، وتسلسل أحداث قادته إلى ارتكاب أفظع حادث إطلاق نار جماعي في تاريخ أستراليا.
في جديده "المنظمة" (2024)، ينقل كورزل إلى الشاشة الكبيرة سيناريو زاك بايلين، المقتبس عن مؤلّف كيفين فلين وغاري غرهاردت، "الأخوة الصامتة: في قلب الجماعات العنصرية السرية في أميركا" (1989)، ليتابع تلمّس جذور العنف عبر قصة انتقال عميل مكتب التحقيقات الفيدرالية، المخضرم تيري هاسك (جود لو)، إلى إداهو، بحثاً عن قضايا أسهل، تتيح له إعادة الوصل بزوجته وابنته بعد انفصاله عنهما. لكن خيوط التحقيق في قضيته الأولى تؤدّي إلى فتح ملف بوب ماثيوز (أداء مغناطيسي لنيكولاس هولت)، زعيم منظمة "آريان نايشنز" العنصرية، الداعية بتفوّق البيض على الملوّنين، عبر عمليات إرهابية نفّذتها في الولايات المتحدة الأميركية في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي، مُموّلةً نفسها بأعمال سطو مُسلّح.
ينضمّ العميل الشاب جيمي باون (تاي شيريدان) إلى فريق هاسك، فتنشأ صداقة بينهما. تطرح حماسته لحلّ القضية إشكالية لرئيسه، الحريص على سلامته بشعور يُحيل إلى الأبوة. يُظهر كورزل براعة في تصميم مشاهد المطاردة وتبادل إطلاق النار، إلى أسلوبه المعهود في تمثّل دواخل شخصية هاسك المشروخة، ونزعتها إلى الوحدة والسوداوية، في مواجهة برود ماثيوز وكاريزماه في التأثير على عائلته، والتلاعب بأتباعه.
لا يخطئ المشاهد في رصد تماثلات بين طرح "المنظمة" وراهن الولايات المتحدة، الموبوء بالتقاطبات الحادة، وتنامي العنف الأيديولوجي، واستفحال الخطابات العنصرية، ما اضطرّ موزّعي الفيلم إلى تأخير طرحه في سوق الوسائط المتدفّقة، توجّساً من سياق التحضير للحملة الانتخابية الرئاسية.
بمناسبة عرض "المنظمة" في الدورة 21 (29 نوفمبر/تشرين الثاني ـ 7 ديسمبر/كانون الأول 2024) للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، كان هذا الحوار مع كورزل، عن ثيمات أفلامه وجمالياتها، ورؤيته لدور الأفلام في مكافحة التطرّف، وفلسفته في اختيار فضاءات التصوير، وعلاقته الوطيدة بالمهرجان.
(*) "المنظمة" مستوحى من "الأخوة الصامتة: في قلب الجماعات العنصرية السرية في أميركا". ما الذي جذبك إلى هذا المؤلَّف؟
سيناريو زاك بايلين جذبني حقاً. قصة رائعة قرأتها كأني أشاهد فيلمَ نوع. كنت أبحث عن نص لفيلم أميركي أخرجه، ولم أجد ما أريد. إلى أن عثرت لدى بايلين على نص يحيل بشكل كبير إلى أجواء مخرجين معينين، كويليام فريدكين وسيدني لوميت، وأسلوب صناعة الأفلام العضليّ الظاهر في السبعينيات، وشكّل مصدراً لإلهامي. إضافة إلى أن السيناريو مستوحى من قصة حقيقية، نقّب عنها زاك، لكشف مجموعة تعتبر من أولى الجماعات الإرهابية المحلية في أميركا.
رغم أنه فيلم تاريخي، يحكي قصة بعيدة نسبياً، بدا كأنه يتحاور مع الحاضر. دائماً تكون القصص مُثيرة للاهتمام تلك التي تتيح الحصول على بعض مسافة، وفي الوقت نفسه تنظر إلى روح العصر، وما يحدث اليوم، رغم تعلّقها (القصة) بفترة مختلفة، أو مكان مختلف. هناك مجموعة فريدة جداً من الأشياء عن هذه القصة تتعلّق بالثيمات التي أنجذب إليها عادة.
(*) تستكشف أفلامك عادة سيكولوجيا العنف. ما وجهة النظر الجديدة التي يضيفها "المنظمة" إلى هذا الموضوع؟
أعتقد أنها محاولة فهم من أين يأتي العنف والكراهية، وكيف يتمّ إغواء الناس، كما تعلم، للاعتقاد بمُثل عليا خطرة. لطالما كنت مفتوناً بذلك، خاصة كيف تُستغلّ المجموعات والعائلات، أكانت محرومة من حقوقها، أم باحثة فقط عمن ينصت إليها، فيأتي شخص خطر كبوب ماثيوز ويمدّها بإجابات.
أنا مفتون بكيفية حدوث ذلك وبسيرورته. هذا حاولت استكشافه قدر الإمكان بتطوير الشخصيات، وبالطريقة التي اشتغلت بها مع الممثلين.
(*) كيف وازنت في الفيلم بين مسعى استكشاف مسؤولية الفن في تصوير العنف الأيديولوجي وعواقبه، مع تجنّب خطر تمجيد الشخصيات الشريرة التي تصوّرها، أو التطبيع معها؟
هذا توازن صعب للغاية فعلاً. عندما تنظر إلى ظلال بعض القصص والشخصيات الخطرة والمظلمة، تحاول فهمها قليلاً، وسبر الجانب الإنساني فيها قدر الإمكان، وما إذا كان هناك منظور مختلف عن السائد حولها. أعتقد أن السينما خاصة قادرة على القيام بذلك. يمكنها أن تنفخ الروح في شخصيات وقصص، وإضفاء نوع من الإحساس بشيء ربما لم يكن لدينا سوى وجهة نظر أحادية عنه، خاصة إذا تعلّق بفصل مظلم من التاريخ.
أكثر الأفلام إثارة لي كانت دائماً قصصاً مظلمة، تتعلق بمآس، أو أفلام رعب مُثيرة حقاً، تجعلك تفهم الحياة بشكل أفضل قليلاً، من خلال وجهة نظر منزاحة إلى الجانب المظلم منها. قوة السينما أنها توفّر منتدى آمناً لاستكشاف موضوعات حرجة أحياناً.
(*) هل تعتقد أن أفلاماً كـ"المنظمة" يمكن أن تساهم بشكل فعّال في زيادة الوعي، أو منع عودة ظهور الأيديولوجيات المتطرفة؟
لم أكن أعرف شيئاً عن "يوميات تيرنر" (The Turner Diaries، رواية شكّلت دليلاً لآريان نايشنز، أصدرها عام 1978 ويليام لوثر بيرس، مؤسّس منظمة التحالف الوطني ورئيسها، وهذه جماعة قومية أميركية تنتمي إلى أيديولوجيا النازية الجديدة وسيادة البيض ـ المحرّر) من قبل. صحيح أني أسترالي، لكن الحدث لم يُغطَّ إعلامياً كفاية، وظلّ غير معروف إلى حدّ كبير. استفزّني كيف أن أكن أدري شيئاً عن إرث "يوميات تيرنر" وتوظيفها من جماعات خطرة إلى يومنا هذا. خاصة أنها موجة إلى المراهقين، لانتمائها إلى صنف المغامرات في العمق. نوع من الروايات التخييلية المنطوية في جوهرها على أيديولوجيا خطرة للغاية.
علمت أن هذا الجانب سيكون كشفاً حقيقياً في سيناريو الفيلم لفئة كبيرة من جمهور اليوم.
(*) ذكرني الفيلم، من نواحٍ عدّة، بأفلام الوسترن: المناظر الطبيعية، وأولاً الإحساس بأهمية الأخلاق والمُثل القائمة على الأسرة والتجمّعات البشرية. هل قصدت إخراجه في ثوب وسترن معاصر؟ كيف عثرت على تلك المناظر الطبيعية؟
صُوّر الفيلم في كالغاري (مدينة في مقاطعة ألبرتا، جنوب كندا ـ المحرّر)، موطن أفلام غرب رائعة عدّة. هناك صُوّر "غير المُسامح" لكلينت إيستوود، و"اغتيال جيسي جيمس من قِبَل الجبان روبرت فورد" لأندرو دومينيك وأفلام أخرى. أعتقد أن "العائد" لإيناريتو يدور هناك أيضاً.
تقع كالغاري عند سفح جبال روكي، وفي الخلفية توجد أراض شاسعة من المروج. لذا، تتمتع بديناميكية وسترن بشكل طبيعي. كما أن هناك شخصية غود لو القادمة من المدينة، لتتجول بسيارة كاديلاك، محاولة فهم ما يجري في محيط غريب عنها. هناك طابع وسترن لصيق بهذه الوضعية منذ البداية. هناك شيء فوضوي فيه، يرجع إلى إخفاق سابق يترصّده. هذه سمات تذكرني بالتأكيد بكثير من أعمال الغرب الأميركي. نوع أفلام أحببته في الماضي، ولا أزال. كان مثيراً للاهتمام استكشاف كيف لعب بعض هذه العناصر دوراً في الفيلم.
بخصوص العثور على أماكن التصوير، لم أكن أملك موارد كبيرة للإنتاج، فسعيت إلى إيجاد فضاء يجعلك تشعر فوراً كأنك في زمن آخر، كثمانينيات القرن الماضي في أميركا. هناك شيء ما في كالغاري يتيح ذلك، لأنهم لم يُجدّدوا كل المباني، وحافظوا على طراز قديم من الهندسة المعمارية. إنها تذكّر بأميركا، بشكل غريب، رغم أنها في كندا.
(*) جرّبتَ أنواعاً مختلفة من الأفلام. ما النوع الذي تشعر بالراحة في صنعه، وتتماهى معه بشكل خاص؟
لم أسع قط إلى أن أكون في مسار إخراج معين. مهتم جداً بالقصة التي أشتغل عليها في الحاضر، وبما لم أفعله من قبل. الأهم، التفكير بما يربطني بها. تعلمت في مسيرتي المهنية أن المهمَّ في النهاية أن الرابطَ الذي يجمعك بالسيناريو والقصة منذ البداية ينبغي أن يكون قوياً، وأن يدفعك إلى الاستيقاظ صباح كل يوم مُفعماً بالرغبة في صنعهما، والكفاح لأجلهما. لذا، أعتقد أن الأشياء التي تحيط بي عند تحقيق فيلم، والتي يبدو أني أتواصل معها، بسيطة، وتتمحور حول الناس والناحية الإنسانية من الحياة، أكثر من مسار معين، أو استراتيجيات مسبقة.
(*) حظيت بفرصة مشاهدة "سنوتاون" هنا بالمسابقة الرسمية لمهرجان مراكش قبل 12 عاماً. الآن، في لحظات، ذكرتني موسيقى "المنظمة" بأجوائه.
إنه من تأليف الملحن نفسه، أخي غود.
(*) أعلم ذلك. ما المختلف هذه المرة في عملك على الموسيقى معه؟ أمقصودٌ التخاطر بين أجواء الفيلمين؟
لافت للانتباه أننا أتينا على سيرة أفلام الغرب الأميركي وتأثيرها. كنا نرغب بشدة في هذا النوع من الأجواء، التي تبدو مرتبطة بطريقة ما بالمناظر الطبيعية. في هذه الأفلام، أحب الشعور بأن الشخصيات تبدو صغيرة جداً، إلى درجة عدم أهميتها، مقارنة بالمناظر الطبيعية والجبال الموجودة هناك منذ آلاف السنين. إحساسٌ بأن عالماً يكاد ينظر إلى الشخصيات من أعلى ويراقبها. حَلّ أخي بكالغاري، وعاش فيها أسبوعين، وتشبّع شيئاً ما بهذه البيئة. كان لذلك تأثير كبير على أسلوب الموسيقى وشعورها. إنها تحتوي على موضوع كلاسيكي قديم بطريقة ما، خاصة الألحان الافتتاحية المرتبطة بشخصية غود لو، ووجهة نظرها.
(*) النقطة المشتركة الأخرى مع "سنوتاون" أن الشخصيات التي تصوّرها في أفلامك تكون غالباً على حافة الجنون. هذا مهم بنظري، لانسحابه حتى على الشخصيات الثانوية نسبياً. كيف عملت مع الممثلين لتحقيق هذا الإحساس الدقيق جداً بأنهم على حافة فقدان السيطرة؟
أعتقد أن الشخصيات الأكثر إثارة للاهتمام عامة تكون دائماً تلك التي تبدو عادية تماماً، لكنها في الواقع قريبة جداً من السقوط عن الحافة، والشخصيات التي تتفكّك نوعاً ما في القصة. أحب هذا في شخصية غود لو، وكيف أنه يُفترض به أن يكون الشخص الذي يأتي وينقذ الموقف، بحكم أن لديه أكبر قدر من الخبرة. لكن، هناك أوقات في الفيلم يبدو فيها الشرطي المبتدئ أكفأ منه، وأشجع أحياناً.
(*) تماماً. هناك إحساس منذ البداية أن الشرطي المبتدئ متقدمٌ عليه بشوط. هذا دقيق للغاية. هذا موجود في الكتاب؟
لا. إنه بالتأكيد يعود إلى أسلوب زاك بايلين في بناء شخصياته. شخصيات تشعر إزاءها بقدر من الألفة، رغم أن لديها عيوباً، وفاشلة إلى حدّ ما. هذا لي دائماً من أكثر المواضيع إثارة للاهتمام، التي يمكن للممثلين تجسيدها. هذا يضفي عليهم عيوباً، ويمنحهم مُحفّزاً في الوقت نفسه ليستكشفوا بعض الجوانب القصوى من الشخصية.
(*) تحدث عنك مواطنك الممثل جاكوب إلوردي، في مؤتمر لجنة التحكيم. كما تحدّث عن قوة التمثيل في أفلامك. تذكّر أنه كان يافعاً حين شاهد فيلمك الأول، والآن هو حاضر في المهرجان نفسه، ويسعده مشاهدة فيلمك. ماذا عن شعورك إزاء هذا، وعن قوة التمثيل في أفلامك، التي تحظى الآن بتصفيق الجيل الأصغر من الممثلين والمخرجين الأستراليين؟
هذا مهم جداً. انتهيت للتو من تصوير مسلسل مع جاكوب بعنوان The Narrow Road To The Deep North. كما تعلم، لا تعرف عندما تصنع أفلاماً، كما حدث مع "سنوتاون"، من سيشاهدها، وكيف سيتفاعل معها. لذا، هناك شيء رائع حقاً عندما تبدأ بمقابلة ممثلين أو مديري تصوير موهوبين، ينتمون إلى الجيل المقبل من صانعي الأفلام، الذين شاهدوا عملاً لك وتأثّروا به. أشعر بالفخر، لأن هذا الفيلم خاصة شاهده كثيرون في أستراليا. كما أن هناك شيئاً جميلاً في الاشتغال مع ممثل أسترالي، حقّق نجاحاً دولياً استثنائياً، على صنع عمل بأستراليا. هذه علاقة مثيرة للغاية.
(*) ما دور مهرجان مراكش في تعزيز المواهب الشابة برأيك، نظراً إلى تجربتك فيه، إذْ فزت بجائزة لجنة التحكيم عام 2011 عن "سنوتاون"، كما كنت عضو لجنة التحكيم الدورة 19؟
إنه مهرجان يمنح المخرجين، القادمين إليه بأفلام أولى أو ثانية، الثقة بصوتهم، والقدرة على عرض أفلامهم فيما بينهم، ليشعروا كأنهم ينتمون إلى قبيلة واحدة، بدأوا للتوّ الارتباط بها. هذا مهم جدًا. المهرجان بطل حقيقي لهذا النوع من السينما.
حالياً، تحتاج السينما إلى أكبر عدد ممكن من الأصدقاء والأبطال من هذا النوع. لذا، أعتقد أن مهرجان مراكش مهم جداً، ليس فقط بسبب المنطقة المثيرة للاهتمام، التي ينتمي إليها، والأصوات التي تأتي إليه، لكن أيضاً لأنه أحد الأماكن النادرة التي لا تزال تحتفي بالسينما حقاً. لذا، الوجود هنا، وعرض فيلمي الأخير في الافتتاح، أشعراني كأن الدائرة اكتملت. أحب هذه المدينة، وأحب ميليتا توسكان دوبلانتي التي تدير المهرجان. أشعر أني محظوظ جداً بالعلاقة المتينة التي تربطني به.